ربما طرح ويطرح بعض الأخوة من المهتمين بالشأن العراقي السياسي وغير السياسي اليوم هذا التساؤل بنوع من البحث لكشف النوايا السياسية والدينية التي تدفع بأعداء العراق والإنسانية إلى ممارسة العنف والإرهاب بكل جوانبه اللاأخلاقية ضد الشعب العراقي وأصالته ومميزاته الأدبية والفنية والعقلية وكذا مزاراتها الدينية وتراثه الحضاري البشري ؟.
نعم لماذا مرقدي الإمامين العسكريين بالذات ؟.
ألانه مثلا الأقدر على تحريك المشاعر الدينية لدى المسلمين الشيعة ومن ثم لإثارتهم ضد إخوانهم العراقيين من أهل السنة ، أو جرهم لحرب طائفية تقلب الطاولة وتعيد المعادلة السياسية من جديد ليضمن المهمشون فيها الآن من أنصار الحقبة الصدامية الماضية بعض المكاسب الجديدة ؟.
أم لأن القائمين بهذه الأعمال اللاأخلاقية هم حفنة من بقايا السلفية الوهابية التي لا تعير أي اهتمام لرموز الأمة الإسلامية ومدى تحويلهم إلى رموز بشرية شاخصة في تشييد مراقدهم الشريفة ، لذا هم ومن هذه الذهنية المنغلقة التي اتخذها الشيطان مرتعا لصولاته وجولاته يوحي لأوليائه بوجوب التخلص من هذه الشواخص الإسلامية الكبيرة واعتبارها ضلالة وشرك وعبادة للأصنام البشرية وقاسمهم الشيطان باني لكم من الناصحين في هذه الفكرة؟.
الحقيقة ان التساؤل الأول له جنبة سياسية ، من خلال القول ان هناك مجموعة من المتورطين في الإجرام الصدامي ضد الشعب العراقي يحاولون من خلال إثارة الحرب الأهلية قلب المعادلة السياسية العراقية الجديدة وإعادة صياغتها بشكل يؤمن لهم مكاسب سياسية جديد ، ويهددون بإثارة هذه الحرب ان لم يتجاوب معهم العراق الجديد حسب هذه المطالب السياسية ، لذا هم وكلما دارت العجلة السياسية قليلا حاولوا الرجوع وممارسة (حرب المراقد والمساجد) كأحد العناوين القادرة على إثارة المشاعر الدينية هنا وهناك ؟!.
أما التساؤل الثاني فله جنبة عقدية لا دينية ، من خلال وجود مجموعات من طريدي الحضارة الإنسانية من وهابية سلفية يعيثون في الأرض فسادا ويحسبون أنهم يحسنون صنعا ، أضلهم الضالون فاتخذهم الشيطان له أنصارا ، واستولى على كل وجودهم المسخ ليكون لهم العيون التي يرون بها والآذان التي يسمعون بها والعقول التي يفكرون بها ، فيعتقد هؤلاء الأنعام بل الأضل سبيلا ان معالم المراقد من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما هي إلا منافاة لشريعة التوحيد التي يؤمنون بها والتي أوحى الشيطان لهم بها من خلال أقيسته الضالة وابتداعاته المتنافية فاقسموا بعزة الله -كشيطانهم عندما اقسم لله بعزته لأغوين أبناء آدم أجمعين إلا عباد الله المخلصين- ان لا يبقوا لمعالم الإسلام من مراقد آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) باقية فابتدئوا بأضرحتهم المقدسة في المدينة المنورة لمحو ذكر آل محمد ودينهم ليجدوا أنفسهم في العراق مهد الحضارة وناموس الإسلام وجمجمة العرب ، أمام المعالم الشامخة لعترة الرسول العظيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يحاطون بأفضل العناية ويعاملون بأكمل التوقير والإحياء والذكر لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فغاضهم المشهد وعادوا إلى سيرتهم الأولى في هدم بيوت أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه ، بالإضافة إلى وجود هذه الزمر الضالة من السلفية إلى حواضن سياسية متعطشة لسفك الدماء العراقية من الصداميين الذين رحبوا بهذه الفرصة من الظلاميين ليشكل الشيطان وأعوانه محرقة العصر للإسلام وأهله !.
ان هذين البعدين الديني والسياسي هما المشهد البارز على اللوحة التي تتناول بالتحليل مقولة لماذية استهداف مراقد آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في سامراء كلما تقدمت العملية السياسية العراقية في المضي ، بعد يريد مكاسب سياسية ، وبعد غريب يريد أدلجة هذه العمليات الإجرامية دينيا ليعطيها الغطاء الديني في هدم المراقد المقدسة لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) رموز الإسلام وأئمة المسلمين وفكرهم الناضج وحوزتهم المنيعة !.
نعم هناك الأبعاد الأخرى السياسية التي لم يتعرض لها الكثير بالتحليل ، أو لم يصل إلى عقدة الوصل بين لماذا يراد إزاحة مرقدي الإمامين العسكريين (عليهما السلام) من سامراء وبين مآرب الصداميين الحقيقية بهذا العمل الإجرامي وهذا ما سنحاول استقراءه الآن ، لنتساءل : لماذا وحتى في حقبة المقبور صدام حسين حاول هذا النظام وجلاوزته من التخلص من هذين المرقدين الإسلاميين الشريفين في سامراء ؟.
وماذا يعني وجود أئمة للمسلمين الشيعة في سامراء جغرافيا وسياسيا ؟.
الحقيقة ان أعداء الشعب العراقي يدركون ان منائر آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومشاهد قبورهم الذهبية هي رمز سياسي وديني وثوري خطير جدا على الحالة الطاغوتية السياسية العراقية بالخصوص والعربية الإسلامية بالعموم !.
نعم ماذا يعني شموخ قباب ذهبية تعانق السماء بكل تألق لثوري هنا في سامراء وثوري هناك في كربلاء وآخر ثالث في إيران ، كانوا لا يمثلون إلا حالة الرفض للنظام الدكتاتوري القائم في زمانهم ؟.
هم ليسوا ملوكا ولا جبابرة ولا خلفاء سياسيون ، فماذا يعني ان يكون إماما تعتقد بإمامته ثلة من المسلمين الشيعة ، ينالون هذا التوقير العظيم وهذه المنزلة الرفيعة التي كلما مر الزمان ازدادت تألقا ومعانقة ولمعانا للبشرية ؟.
هل المقصود من القباب الذهبية العالية جدا والتي يقيمها شيعتهم الأبرار وبنائها حولا بعد حول ، ممارسة لنصرة الشعار والفكرة الداعية لرفض الطاغوت والظلم والتجبر السياسي القائم ، وإذا كانت الرمزية التقديسية هذا هو منشأها لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتبارهم فتية امنوا بربهم فزادهم الله هدى ، فما هو موقف الطواغيت من هذه الرمزية جيلا بعد جيل ؟.
كيف كان يشعر يزيد بن معاوية بوجود الحسين بن علي (عليه السلام) في الحياة معه ؟.
كيف كان يشعر هارون اللارشيد وبجانبه العالم العابد الكاظم موسى ابن جعفر (عليه السلام) ؟.
كيف كان يشعر المتوكل وبجانبه الهادي علي بن محمد العسكري (عليه السلام) ؟.
كيف كان يشعر صدام حسين وهو يرى ويرقب قباب الحسين الثائر العملاق على الظلم والطاغوت وقد التفت حوله الملايين لزيارة موقفه الرافض للذل والرضوخ والاستسلام للطاغوت ؟.
كيف كان يشعر نظام المشنوق آنذاك بأمر العدالة العراقية صدام حسين ومن ثم أنصاره والراتعين بسحته سابقا ، عندما يرون قباب سامراء الذهبية عالية تعانق السماء كل صباح لتعلن لهم ان لا حياة للطاغوت ولا تقديس إلا للمقاومة ورفض العبودية والإذلال ؟.
نعم أينما وجد آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الامتداد الرائع لرسالة السماء الإسلامية الرافضة لكل ما هو رخيص وهابط ودنيوي وطاغوتي ....، وجدت المنائر الذهبية والتقديس وأفئدة من الناس تهوي إليهم لتجدد العهد والولاء والنصرة لموقف الرفض للظلم ومحاربة العبودية وشجب العدوان والطاغوت وعبادة غير الله سبحانه وتعالى ؟.
إذا هي ثورة مقامة على دعائم منارة ذهبية هنا وقبة نورانية هناك، تدعوا المعذبين في الأرض إلى راحة أفئدتها من تعب الطغاة ؟.
إذا هي مطالبة بالعدالة ورفض للتمييز ، تمتلئ أفئدة اللذين ظلموا منها رعبا ؟.
وهكذا كلما اطلّ طاغية صدامي صغير أو كبير ميت أو حي اليوم من شرفة داره في سامراء ليرى قباب آل محمد للهادي والعسكري (عليهما السلام) لامعة في بصره انقض مضجعه وملئ رعبا من القلوب التي ستهفو يوما لتحيط بهذا الرمز الكبير لرفض الطاغوت ؟.
ان الأهداف الحقيقية التي تدفع الصداميين من جهة والظلاميين الشيطانيين من الوهابيين السلفيين من جانب آخر للرعب من رموز مآذن وقباب آل محمد (عليهم السلام) أنها وعلى مدى التاريخ وحتى اليوم أينما وجدت ذكرّت بمعركة الحق والباطل والطاغوت والعدل ويزيد والحسين وعلي ومعاوية وفاطمة وطاغية قريش والكاظم وهارون والهادي والمتوكل .......، والمهدي المنتظر ودجالي العرب والمسلمين في المستقبل.
وهذه هي الكارثة بالنسبة لطغاة الحاضر والماضي والمستقبل في إقامة النصب التذكارية الممثلة ببيوت وقبور آل محمد ومساجدهم والارتفاع بها نحو السماء بقباب ذهبية لامعه ؟.
نعم خوف الصداميين من مرقدي الإمامين العسكريين (عليهما السلام) سياسي بحت وشيطاني بامتياز ، لذالك هم يرون بوجود مرقدي إمامين من المؤمنين في جغرافية سامراء الطاهرة ستجلب حتما طال الزمان أو قصر تلك القلوب المولعة بحب العدالة والحق والطهارة التي يمثلها آل محمد (عليهم السلام) لذا فالصداميون مملوءون رعبا من المستقبل وما تحمله هذه القباب والمآذن من رمزية عالية القيمة الإسلامية واللاهوتية والقادرة على الجذب والتوطين من أقطار الأرض الواسعة ، فهم لذالك يستبقون المستقبل بإزالة معالم آل محمد (عليهم السلام) خشية من قدرتها العظيمة على نشر فكرة المساواة والعدالة في هذه الأرض !.
بلغة سياسية أكثر وضوحا نقول ان استهداف الصداميون وكذا التكفيريون لمراقد آل محمد (عليهم السلام) بالهدم ومحو الذكر لهم من خلال محاولة طمس معالمهم ما هي إلا محاولة للتخلص من الرمزية التي توحيها هذه المعالم الإسلامية للخط الآخر في الإسلام والذي يمثل حالة الرفض للطاغوت وللمستبد من خلفاء الجور وسلاطين الدنيا ، وعليه كان المخطط ولم يزل في عملية هدم الشواخص الإسلامية لقبور آل محمد (عليهم السلام) مستهدفا :
أولا : طمس معالم الرفض للطاغوت المتحكم برقاب البشر باسم الإسلام المزيف ، وهذا لا يتم ان كانت هناك معالم شاهقة تقدس الحسين بن علي أو علي الهادي (عليهم السلام) جميعا كرموز غير موالية لسلطة الحاكم المستبد في وقته وحتى اليوم .
ثانيا : التخلص من الرمزية التي توجدها هذه الأضرحة المقدسة عندما تكون نواة لجذب أنصار فكرة الحق والعدالة والمساواة مما يجعل عملية الجذب وبلا مخططات سياسية أو غير سياسية هي عامل تكتل جغرافي لأنصار الحسين بن علي (عليه السلام) بفكرته ، وكذا أنصار علي الهادي أو الحسن العسكري (عليهم السلام) حولهم مما يغير وتلقائيا من الصيغة السكانية لهذه الجغرافية أو تلك ؟.
نعم ما يرعب الصداميون ان أضرحة أئمة أهل البيت (عليه السلام) تحولت إلى بؤر لتجمع الثوريون والمحبون والولهون لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنهجهم الإسلامي مما يهيئ لهم خلق حلقات اجتماعية تلتف حول وجودهم الرمزي الذي يضفي على الجغرافية نوعا من الحركة والنشاط والإبداع الإنساني ، ومن هنا كان النظام السابق يتوجس خيفة من مرقدي الأماميين العسكريين في سامراء ، كما ان ذيوله اليوم تتوجس خيفة من وجود هذه الأضرحة المقدسة في سامراء العراقية الطاردة لكل طاغية بطبيعة مراقدها الشريفة ، والجاذبة لكل محب للعدالة والحق لها ؟.
غريبة هذه الأضرحة المقدسة لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أينما حلّت طردت الطغاة وجذبت العلم والعدالة ؟.
ضريح محمد رسول الله وممثل الإسلام الكبير طرد كل الطغاة من المدينة المنورة ليبعد كل المستبدين من أرضه الشريفة، وحاولوا باسم الإسلام قتل الإسلام في هدم ضريح محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لكنهم فشلوا ؟.
ضريح علي بن أبي طالب طرد طغاة بني العباس من الكوفة التي أسست لهم ملكهم وكانوا يعتقدون أنها أساس نصرتهم ، ولكن فجأة ومن غير أي خطة سياسية أو غير سياسية وجد بنو العباس أنفسهم يهربون إلى نقطة ليس فيها علي (عليه السلام) بعلمه وعدالته وزهده وحلمه وكل رمزيته الخطيرة على أصحاب الطغيان ؟.
وفي بغداد استقر الطغاة طويلا حتى استقدموا هم أنفسهم جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) وبعده ولده الكاظم موسى ابن جعفر (عليه السلام) ليدفن في بغداد ، وما هي إلا غلوة من وقت حتى تحول ضريح موسى ابن جعفر الكاظم (عليه السلام) كابوس مرعب يقض مضاجع الطغاة من سلاطين الجور والطغيان ، موسى الكاظم (عليه السلام) بكل ما له من رمزية يمثلها ضريحه الشاخص إلى عنان السماء ، من تواضع وحلم وحكمة وعبادة وعلم نافس السلطان القائم في ملكه ليدفعه للهرب إلى سامراء بعيدا عن موسى الكاظم (عليه السلام) وما يقارنه الناس بين هذا الإمام وذاك السلطان الفاسد ؟.
وفي سامراء استقدم سلاطين الجور وعبّاد الدنيا علي بن محمد الهادي (عليه السلام) ، ليكون تحت ذبالة سيوفهم المجرمة ، ولكن وكعادة التاريخ وسننه تحول الإمام العسكري (عليه السلام) إلى منافس للسلطان في حياته ، وطاردا له بعد مماته ، فشكل وتلقائيا وإلهيا ضريح الإمامين العسكريين (عليهما السلام) في سامراء ماكينة طرد لحكم الطغيان والاستبداد ، ليتراجع السلاطين شيئا فشيئا إلى ان انمحى ذكرهم تماما من هذه الدنيا ، وتصاعد ذكر الإمام وقبابه ومآذنه شيئا فشيئا إلى عنان السماء ليذكر مع كل مقولة الله اكبر من مآذن هذه الأضرحة المقدسة ؟.
هذا هو الفرق بين آل محمد (عليهم السلام) وأعدائهم ؟.
كما انه هذا هو الفرق بين أنصار آل محمد (عليهم السلام) وأنصار أعداء آل محمد في الوقت الحاضر والماضي والمستقبل ؟.
أنها قصة الحياة التي ينتصر فيها دائما قبر على حياة، آخرة على دنيا، تقوى على شر، وعدالة على استبداد !.
هل بعد ذالك يزول ضريح الأئمة من آل محمد (عليهم السلام) من قلوب المؤمنين إذا أزيلت أضرحتهم المقدسة ؟.
وماذا عن الرمزية التي خلقتها هذه الثلة من آل محمد (عليهم السلام) في قلوب المؤمنين الرافضين للظلم والعبودية والإذلال ، فهل يمكن إزالتها وهدمها ومحو ذكرها من قلوب المؤمنين ؟.
عندما كان الصداميون والتكفيريون يقاتلون ويقتلون أتباع محمد وأهل بيته (عليهم السلام) كنت من المعتقدين ان البلاء سيطول قليلا !.
أما عندما تحوّل قتال الصداميون وتخريبهم وإرهابهم مع التكفيريين إلى مراقد وشواخص وأضرحة آل محمد (عليهم السلام) فتيقنت ان بقائهم كصداميين وكتكفيريين في العراق حتما سيزول من الوجود العراقي تماما وهذا ما علّمنا التاريخ به كسنّة: (ان شانئك هو الأبتر) صدق الله العظيم.
الصفحة الرئيسية - القرآن وتحديات العصر - آفاق المشروع الشيعي - المؤمن المتمدن - حوارات - تقارير - أنشطة وبرامج
حقوق الطبع والنشر محفوظة © منتدى القرآن 2004-2009