السبت، يناير 10، 2009

من هدي القران ........ الكلمة ...... آقرأ ؟ - 5 - حميد الشاكر


(( آقرأ بأسم ربك الذي خلق، ))
( خلق الانسان من علق، آقرأ وربك الاكرم، الذي علّم بالقلم علم، الانسان مالم يعلم، / قران كريم )
...........................................................................
الامية والخاتمية :- آقرأ
تتميز الرسالة السماوية الخاتمة بانها الرسالة التي خاطبت العقل والفكر الانساني مباشرة ، وبمداخل ومخارج طبيعية وانسانية صرفة ، أي لم تلجأ الرسالة السماوية الاسلامية الخاتمة الى اي ابعاد مادية خارقة لقوانين ونظم او عادات الحياة الانسانية او الطبيعية او الكونية ، لتؤكد انها رسالة لاهوتية ، وانما اكتفت بمخاطبة العقل والفكر والضمير الانساني كي يكون هو الحكم بالنسبة لهذا المشروع الرسالي الاسلامي ؟.
ونعم في خطاب وبرنامج الرسالة الاسلامية الكثير من المؤشرات العلمية والفنية والغيبية والتاريخية والكونية ...، والتي تعتبر من جانب معاجز ، ومن جانب اخر مؤشرات على مصداقية وعظمة هذه الرسالة الخاتمة ، ولكن ومع ذالك كانت الحصة الاكبر التي يستهدفها الخطاب الاسلامي ،هي حصة الفكر والعقل البشري ، ومايمثله ويتمتع به هذا الفكر من قدرات تأملية وفكرية وجمالية ، فكان للخطاب الاسلامي - نؤكد دائما على تسمية خطابنا بالاسلامي بدلا من الديني ، بأعتبار ان مصطلح الدين قد تشوه تماما في ذهن الانسان الاوربي وفكره الفلسفي والجمالي بفضل السيرة السيئة الصيت للكنيسة ورجالها ، لذالك ندعوا الى استخدام مصطلح الاسلامي دائما عند التحدث حول الفكر الاسلامي ؟- الجولات الاكثر ظهورا في محاورة العقل الانساني ، ومناظرته ومناقشته ومجاذبته ومجادلته ....الخ ؟.
وعلى هذا كانت الاطروحة الاسلامية تطرح نفسها على اساس انها مدرسة فكر وتأمل وعقل انساني ، باعتبار ان منظومة الفكر الاسلامي خاطبت الانسان بما هو فكر متميز ومميز بهذه النعمة ، والتي من خلالها كرّم هذا الانسان على باقي مخلوقات العالم الطبيعي ( ولقد كرمنا بني آدم ..).
ومن هنا كانت - ايضا - فلسفة ختم النبوة ، في الفكر الاسلامي ترى ، او هكذا هي قررت ان تكون معجزتها الخاتمة دائرة في فلك الفكر والعقل الانساني ، ومناطة مع فعالياته المتعقلنه في هذه الحياة ؟.
ان الرسالة الاسلامية الخاتمة ، ومن حيث انها برنامج انساني فكري وسياسي واقتصادي واجتماعي ونفسي ، رأت ان تكون مبتنيات اعجازها الرسالي قائمة على بعدين :
الاول :- بعد تكون فيه الرسالة ، او البرنامج الاسلامي مادة مقروءة وكتاب بين دفتين .
الثاني : ان يكون الجنس الانساني وبصورة عامة ، وبدون مميزات لاهوتية معينة كالاصطفاء او الاجتباء ، عنوان الخطاب الاسلامي ، الانسان بما هو فكر وعقل وتأمل ، بغض النظر عن باقي العناوين الثانوية الاخرى ، قومية او عرقية ، طبقية او اجتماعية ، نفسية او روحية .
وهذان البعدان هما المضمون النهائي لمعادلة ختم الرسالة اللاهوتية وصياغتها بالطرح الاسلامي الاخير لرسالة السماء للانسان ، الاول من حيث : ان المعجزة اللاهوتية ( مقروء محفوظ ) اعجاز مستمر ، وبشكل خطة او كتاب او برنامج ، بالامكان تناوله بكل يسر ، والاطلاع عليه بدون اي عوائق تذكر ، مع ضمان ان هذه هي معجزة الرسالة السماوية الاخيرة للبشر في الارض ، وعليه كانسان مفكر ويمتلك عقلا يفرض عليه المعادلة الفكرية الحاسمة بسؤال ( لماذا انا موجود هنا والى اين سوف اذهب ؟) ان يبذل الجهد لقراءة هذه الرسالة والتي تسمى معجزة ، عسى ان تكون هي الكلمة الاخيرة التي تشرح له بعض تساؤلاته الانسانية الطبيعية لفلسفة وجوده في هذه الدنيا ولماذا هو وجد اصلا والى اين سيذهب عند الرحيل عن هذا العالم ( ليس مثل : جئت لا أعلم من اين )؟.
اما البعد الثاني : فمن منطلق كون الانسان ، وباعتبار انه مخلوق ، خلق على اساس قابلية التكامل والتقدم الانسانية ، فمن ثم هو قادر على تحمل مسؤولياته الرسالية ، والتي تتناغم مع امكانية مراحل النضج الانسانية فكريا وعقليا ونفسيا ...، حتى وصول هذا النضج الى مراحل متطورة وعالية الادراك ، تؤهله لأن يدرك مقاصد واهداف الرسالة السماوية الاسلامية الخاتمة ، وكيفية كونها معجزة حقا ، وذالك من خلال طرح هذه الرسالة لكل ماهو مقبول ومعقول فكريا ، ومنسجم ومتساوق مع متطلبات وحاجات الانسان الفكرية والقانونية والسياسية والاجتماعية والفردية ، والتي سوف تتعقد لحد وقوف العقل الانساني متحيرا امام هذا التعقيد الانساني والذي هو بحاجة الى برنامج يتمتع بالاحاطة العلمية والتوازن في الطرح وضمان العدالة الاجتماعية ...، ( سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ...).
هذه هي الرؤية التي بنت عليها المدرسة الاسلامية فلسفة : لماذا ختمت النبوة ، وانتهت رسالات السماء برسالة أخيرة ؟.
الحقيقة لم تزل الرسالة الاسلامية الموجهة الى العالم الانساني ، تقول انها رسالة ستبقى سابقة لزمن الادراك العقلي الانساني ، وانها رسالة البارحة واليوم وغدا ، كما انها قادرة على المعالجة الانية، كذالك هي ستقدر على المعالجات المستقبلية لعالم الانسان ومشاكله النفسية والفكرية والقانونية والاجتماعية ، وعليه هي هكذا رسالة تحمل الاعجازية السماوية آن بعد آن وبدون انقطاع او عقم لهذا التوالد والتجديد في العطاء الرسالي الاسلامي القراني :( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا / الكهف / 109/ قران كريم ) .
وعليه ومن هذه الرؤية فلا حاجة لتجديد الرسائل او الكتب التي تنزل من السماء ما دامت المعجزة الخاتمة (القران ) توفر هذا النوع من العطاء المتجدد للبرامج والرؤى والنظرات الانسانية ، كما انه لاحاجة لرسل وانبياء جدد ما دام الانسان قد تخطى مرحلة الطفولة البشرية ، وان لم يصل بعد لقمة توهجه الانساني ورشده العقلي ، الا انه لم يزل في الطريق الى ذاك الهدف النهائي ؟.
ان موضوعة ختم النبوة على هذه الرؤية يبدو ان لها نوعا من النظرة الخاصة للموضوعة الانسانية ، فما معنى ان تترك الانسانية بلا لاهوتي يأخذ بخطاها نحو الانسانية على الاقل ؟. وما معنى ان تكون الانسانية متطورة او هي في مرحلة نضج مستمرة ونحن نرى هذه القسوة والتوحش في العالم الانساني ؟. وما معنى انه سوف تصل الانسانية لرشد عقلي وهي يوما بعد يوم تزداد تطورا صناعيا من جهة وتتخلف روحا انسانية من جهة اخرى ؟.
الحقيقة ان هذا موضوع اخر ، يتعلق بمن قدسوا العلم الآلي لنصل الى هذه النتيجة ، نتيجة تطورّ بلا ضمير ولا انسانية ولا اخلاق ، علم تضخم في تطوره الصناعي الالي ليصبح بايدي من لايمتلكون عنوان الانسانية او اخلاقياتها المعقولة ، ولذالك ومن الطبيعي ان نرى هذا المشهد الانساني القاسي ، وسوف يتصاعد حتى بلوغ المرحلة النهائية من الظلم والفساد والتعفن ، ومن هنا كانت الحاجة الانسانية ماسة وستشتدّ ، كلما تطور الانسان ، لرؤية تحمل نوعا من العدالة ، وبرنامجا يحمل نوعا من الاخلاق ، وكتابا يحمل نوعا من الضمير ، ومقروئا يحمل نوعا من الفطرية ( السذاجة الانسانية البريئة )، وكلمة تحمل نوعا من الوعي (آقرأ) ؟.
ان معالجة الرسالة الاسلامية او الكلمة القرانية للأمية الانسانية لم تبتدأ من المنطلق المادي لمفهوم الامية الكتابية ، كأن تفتح مدرسة لتعليم الصبية والكبار لعملية محو امية مادية ، تبدا بتهجي الحرف المقروء حتى الوصول الى قراءة الكلمة المفردة وهي خالية من الحياة ، مع انها دعت لهذا النوع من التعلم المادي ، ولكنها طرحت قراءة جديدة ومن نوع اخر هذه المرة ، فياترى ما ذالك النوع من القراءة ؟.
حقا ما هي المداليل الفكرية والعقلية والروحية ، التي توحيها لنا الرسالة الاسلامية عندما ابتدأت حصتها الاولى ، بكلمة ( آقرأ) ككلمة غير مجزأة الى حروف واجزاء متناثرة لاتوحي بمعنى يحمل حرارة الكلمة الموحية من قبل السماء ؟.
ان الامية التي رصدتها رسالة السماء الاسلامية ، هي ليست تلك الامية - بطبيعة الحال - التي تفتقر لتعلم الحرف الانساني وكيفية تهجيه علميا ، بل هناك أمية اخرى ايضا حاولة الاطروحة الاسلامية ان تلتفت اليها بعنف ، وتعالج من سلبياتها الانسانية البشرية منطلقة من أمة أمية ، تفتقر الى أمية الحرف من جهة ، وأمية الفكر والروح والنظام والفلسفة ....، من جهة أخرى ، ولذالك كانت عملية الانتخاب الرسالي الاسلامي اللاهوتي مثيرة للجدل عندما طرحت مفهوم ( آقرأ ) على الامة الامية ؟.
والحق استهدفت الاطروحة الاسلامية اللاهوتية ، انشاء شامل وكامل لامة ( أمية ) وفطرية ، وتطوير قدراتها الفكرية والروحية والوصول بها الى أمة ذات مواصفات عالية ، تنطلق من خلال كلمتها القرانية هذه الامة ، لتحمل الكلمة المقروءة اسلاميا ، فكريا وروحيا ؟.
ولذالك كانت ولم تزل الرسالة الاسلامية تبشر بالكلمة المقروءة ، وتحمل هذه الكلمة باعتبارها معالجة للامية التي لاتمت الصلة من جانب او اخر بأمية الحرف ، بل على العكس من ذالك ، رات الاطروحة الاسلامية ان امية الكلمة المادية ، لاتعني الكثير من الخطر امام أمية الفكر والروح والنفس والعقل والضمير الانساني ، باعتبار ان امية الروح وافتقارها للوازع الاخلاقي او للرؤية الاخلاقية او الفكرية، هو ذاك او تلك هي العملية الخطرة على حياة الانسانية بصورة حقيقية ؟.
ونعم لم تزل الامية الكتابية خطر محدق بتقدم الحياة المادية للامم والشعوب ولا بد لكل ايدلوجيا او فكرة او اطروحة تستهدف النهضة لهذه الامة او تلك ، ان تلتفت الى هذه الزاوية من الامية الكتابية لرفع المستوى التقني لكل امة تريد النهوض ماديا وعلمياوحضاريا ، ولكن ماذا عن الامية الفكرية التي ترفعها هذه الكلمة وذاك الحرف المادي ، ليقدمها للمجتمع الانساني على اساس انها الروح الراقية والحضارية من جانب اخر ، الا تعدّ الامة التي لاتحمل الكلمة الفكرية والروحية والاخلاقية ، هي ايضا أمة امية وبحاجة لهذا النوع من التحضر والتعلم لكلمة الروح والفكر والاخلاق الانسانية الجوانية ؟.
نعم لم تزل الكوارث الانسانية والمآسي البشرية تنحدر من تطور او تقدم لايحمل اخلاقا ، ومن ذكاء ليس له رادعا انسانيا ، و قوة وحضارة تتميز بالمادية وشره الاستيلاء وحب السيطرة ، والتطلع الى الهيمنه والتوسع ، ولذالك بالامكان ايجاد حضارات تنمو وتزدهر ماديا ، ولكن وباعتبار انها قامت على ساق واحدة ( اي انها اتقنت الحرف المادي وتركت تعلم الحرف والكلمة المعنوية والفكرية ) ، فانك ستلحظ قسوة هذه الحضارة ، وعدم التفاتها للابعاد الانسانية والاخلاقية ، وسرعان ما تنقلب هذه الحضارة الى البربرية والامية الروحية والمعنوية ، لتنقلب كل مفاهيمها الحياتية ، فالقوة والبطش تصبح من مفرداتها السياسية ، وعدم الانسانية والابتعاد عن الموازين الاخلاقية هي اللعبة المناسبة لادارة الحياة ( براجماتزم ) ..... وهلم جرا ؟.
الحقيقة ان الحضارة الحديثة هي الاخرى ، حضارة لها من الرقي المادي الشيئ الكثير ، كما انها وبجدارة استطاعت ان تتقن الكلمة المادية العلمية المقروءة ، ولكن لو تساءلنا حقيقة او سألنا هذا الانسان المتحضر في العصر الحديث علميا وتطوريا : ماهي علاقتك بالانسان الاخر الذي لاينتمي ربما لاصولك العرقية او جذورك الوطنية او الهاماتك الدينية ؟. فماذا نتوقع ان يقول مثل هذا الانسان المتحضر ؟.
أشك شخصيا ان يتمكن هذا المتحضر من ان يجيب جوابا هو قريبا من الثقافة الانسانية المعنوية ، بعيدا من الحسابات الاقتصادية او النفعية المادية ؟.
وربما ليّ الحق ان اجزم ان الانسان الحضاري هو الاقرب للبطش والانانية من الانسان الامي ماديا والراقي معنويا وفكريا ، والذي ينظر للاخر على اساس انه الشريك (الانساني ) ومهما اختلفت عناوينه الانسانية ؟.
نعم التحضر لايخلق الروح الانسانية العالية التي تؤثر على نفسها شيئا آخر ، بل التحضر هو علاقات اجتماعية صناعية ، واكثرها ميلا للمنافع والمصالح الاقتصادية ، فليس هناك علائق دم ، او اخوة او حب ...، تربط من علائق المجتمع الحضاري ، بعكس تماما علائق المجتمع الامي الفطري ، الذي يختزن في مخيلته الفكرية ومموناته الروحية الكثير من الرؤى الاسطورية التي تضخ بقوة حرارة العلائق الانسانية والمعنوية ، ليكون صاحب القرية وفي هذا الجانب اكثر انسانية بكثير من صاحب الحضارة ومتقن العلم( هذا جزء من انتخاب أمة امية لرسالة السماء ) ؟.
كذالك فأن المجتمع العلمي التكنلوجي هو الاخر ليس بالاجتماع الانساني المثالي - حقيقة - وما علائقه الاجتماعية ان اردنا ان نسلط الاضواء عليها الا علائق ميكانيكية ، كل مافي الامر ، هو انتقال قوانين الميكانيكا التكنلوجية من الالة العلمية الى مفاصل المجتمع الانساني ، وهذه كارثة وليست حياة انسانية ؟.
صحيح ان للعلم رؤية ، كما ان للحضارة باعتبارها اجتماع صناعي اقتصادي رؤية ايضا ، ولكن للانسان رؤية مختلفة عندما نريد ان ننظر لاي شيئ بعين معينة ، بمعنى كون الرؤية العلمية لاتصلح ان تكون رؤية انسانية ، هو هذا واقع الحال الايجابي لعالم الانسان ، فالروح العلمية روح جافة ولاتحمل ابعادا معنوية وليست هي معنية باعطاء رؤية اخلاقية وليست من مؤهلاتها ان تضخ الحرارة للاجتماع الاسري مثلا ، وعليه فمقولة عدم صلاح الرؤية العلمية لادارة الاجتماع الانساني ، مقولة جدّ صحيحة ، ونعم لابأس ان تكون الرؤية العلمية متحركة وفاعلة في مجالها العلمي في المختبرات ومعامل الصناعة وتجارب الانابيب ، أما كونها فاعلة وعاملة بالنظام الاجتماعي والرؤية الانسانية والقانون الانساني ، فهذا خلط وجريمة تودي بالانسانية الى الهلاك - حقيقة - فماهو والحال هذه تعريف الانسان علميا ، او ماهي نظرة العلم للانسان ماديا ؟. أليس مجرد كتل من المواد التي ليست لها اي ابعاد روحية او اخلاقية او معنوية او فكرية ؟.
وهل من حقنا ان نتعامل مع الانسان على اساس انه كتلة من المادة العضوية التي تمتهن الوظائف الفسلوجية ، ام هل من حقنا ان ننظر للانسان على اساس انه كتلة متحركة من الحاجة الاقتصادية فحسب ؟.
ان (دارون ) نظر للانسان على اساس انه كتلة عظوية متطورة ، فكان مصيره ان يصبح قردا ، و (ماركس ) نظر للانسان اجتماعا اقتصاديا ، فتحول الى وسيلة انتاج ، و ( وليم جيمس ) رأى الانسان واقعية ، فكان راسمالا محضا ، والاسلام نظر له لاهوتيا فاصبح خليفة في الارض ......... ، وهكذا كل ما او من يحمل رؤية تكون رؤيته أطارا للانسان يضعه حيث ترسله هذه النظرة والرؤية ، وكذا العلم والتحضر والانسانية كل لها او له كلمته المقروءة لمعادلة الحياة الانسانية ؟.
والحقيقة ان المهم في تلك المعادلات التي تقرأ الكلمة الانسانية وتضعها في الحيز المناسب ، هي مدى وعي هذه القراءة ، وعلو ادراكها الانساني للموضوعة الانسانية ، فليس المهم وحسب هذه النظرة هو الكيفية التي من خلالها نزيد من رصيد الانسان المادي ، او نضخم من حاجاته النفعية ونملأ فراغه الجنسي او المادي او النفسي ، مع الاقرار طبعا باهمية هذه الاصول والقواعد ، ولكن الاهم هو كيف ننظر اولا للانسان ماديا وفكريا وروحيا ونفسيا ، ثم كيف ينبغي ان نلبي حاجاته الآنية ، والفرق واضح ؟.
بمعنى : ان قراءة تبحث عن الكيفية التي من خلالها يكون الانسان اكثر هيمنة وسيطرة على الكون والطبيعة والانسان ، هي مختلفة حتما عن قراءة تبحث عن المعرفة اولا والكيفية ثانيا ؟.
القراءة الاولى قراءة نفعية علمية مادية ، تعمّر الانسان وتنميه وتطوره ماديا ، ولا علاقة بعد ذاك لأن تأخذ الماكنة المادية المتطورة ملايين من الابرياء تحت اقدامها قتلا وفقرا واستضعافا ....الخ ، بسبب انها قراءة وضعت لمعرفة الكيفية التي من خلالها يتم التطور والكسب وتضخّم الرصيد الترفيهي للانسان ، ولم توضع لدراسة الاخلاق والمعنوية والانسانية وكيفية تطبيقها اجتماعيا ؟.
اما القراءة الثانية ، فهي قراءة معرفية فلسفية انسانية علمية ، تحاول المعرفة لتضع قوانين الحركة على اسسها الفكرية ، معرفة الانسان ودوره في هذا الوجود ، معرفة الوجود والكون والانسان الاخر ، معرفة اخلاق ومعرفة نفس ومعرفة ماهية ومعرفة سذاجة وفطرية ...، وبعد ذالك تكون معرفة الكيفية التي من خلالها يكون الكسب المادي مؤطرا باخلاق انسانية ساذجة ، والتطور الصناعي اخذا بنظر الاعتبار الاستعمال النافع والشريف .... ، الى اخر هذه الدوامة من القراءة القوية والعاجزة بنفس الوقت ، المتطورة والمتخلفة بنفس الوقت ( باعتبار انها قراءة تنسجم مع فطرة الانسان القديمة الجديدة ) ، الانسانية العلمية بنفس الوقت ، الاخلاقية المادية بنفس الوقت ؟.
ومن هنا كان لمفهوم الامية في الفكر الاسلامي بعدا اكثر اتساعا وافقا حاولت الكلمة القرانية ( آقرأ ) ان تلامس اشكالياتها الفكرية والعلمية والفنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والفردية ، لتقرر : ان الامية الاكثر خطورة على الانسان ليست هي الامية الساذجة بل الامية المتطورة علميا لكنها متقوقعة معنويا ، الامية التي هي نامية اقتصاديا الا انها متخلفة انسانيا ، الامية التي هي متقدمة صناعيا الا انها منحدرة اخلاقيا ، الامية التي هي متضخمة فلسفيا الا انها مفتقرة ادراكيا - الفلسفة عندما تكون ظلمة وتقوقع - ، الامية التي تكون متحدة ظاهريا الا انها متشتته داخليا .....الخ ؟.
ان كلمة الرسالة الاسلامية الخاتمة ( آقرأ ) كانت ولم تزل نورا ، بسبب كونها قرأت الكون والوجود والانسان والطبيعة ( بأسم الله ) ، ولم تقرأه بأسم العلم والتحضر والاقتصاد ...، وباقي العناوين التي تدخل بأطار القراءة الواسعة وتضيق الكلمة الواسعة من ان تكون صورة لاطار العلم او الفلسفة او الاقتصاد والتحضر ( وكلمة الله هي العليا / قران كريم ) ؟.
بمعنى : لنقرأ الكون علميا ، انه كتل مادية تحكمها قوانين أزلية ، ولنقرأ الانسان اقتصاديا ، وهكذا حضاريا ......، فربما لانصل من خلال هذه القراءة الى كل ابعاد الصورة الكونية او الانسانية او الاجتماعية او المعنوية او الروحية ؟.
ولكن ان قرأنا كل تلك المحاور لاهوتيا أسلاميا ، او ان قرأنا كل تلك الابعاد العظيمة ( بآسم الله ) فهل هناك قراءة اوسع من هذه القراءة ؟.
ان القراءة التي تطرحها ( آقرأ ) الاسلامية القرانية ، تطرح قراءة ثقافية متكاملة لمحو الامية الانسانية فكريا من حيث كون الكون بالاضافة الى انه كتل مادية تحكمها اطر قانونية هو كذالك مخلوق شاعر وله معنويته الخاصة التي تتفاعل مع الانسان وهو يجوب زواياه الرائعة حقا ، وكذا محو الامية العلمية عندما يكون العلم منفذا يزيد من قدرة الانسان وسيطرته على الكون والطبيعة حسنا ، ولكنه بالاضافة لذالك هو عنوان اتصال واخلاقية مع الله ، وطريق لايمكن ان يكون اداة للهيمنة او الظلم او الدناءة فحسب ، وكذا يقال بالنسبة الى الاقتصاد كخبز للانسان ، عندما نقرأه من زاوية الحق العام للانسان باجزاء الخبزة الطبيعية ، وكذا هو حق عام للتنمية والعمران الانساني (والذين في اموالهم حق معلوم للسائل والمحروم / قران كريم ) .( علم الانسان مالم يعلم ). ( انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا / = علاقة انسان بكون حي )......الخ .
وهكذا كانت ( آقرأ ) القرانية اوسع افقا معرفيا ،لأ قرأ العلمية او الاقتصادية او الحضارية الصناعية ، ليس من منطلق التناقض والتضارب بالطبع ، ولكنه من منطلق الاتساع والتناغم بين علم وحضارة واقتصاد مقروء ( بآسم الله ) القراني ، وبين كون وطبيعة وانسان والاه ، مقروء بزاوية ضيقة وحيدة ربما كانت علمية او اقتصادية او حضارية ؟.
نعم الانسانية اليوم ، ليست بحاجة لمن يقدم لها شهادة بعبقرية التفوق العلمي ، كما ان لها من الارصدة الاقتصادية الشيئ الكثير ، ولابأس من اضافة نوع من التحضر للانسانية اليوم ، ولكن اليست هي بحاجة لنوع من النظرة الاكثر اخلاقية ومعنوية وانسانية وفلسفية للكون والحياة والانسان والطبيعة .............................الخ ؟.
اليست الانسانية بحاجة لثقافة التعايش ، وقانون العدالة ، وفلسفة الايثار ، وسذاجة الحب البشرية ؟.
اذا كان العالم الاخر ليس بحاجة الى هذه العناوين المعرفية ، فنحن بأمس الحاجة ، لكلمة تعطي الدفئ للعدل المفقود وتعيده الى رحاب قلوبنا قبل عقولنا ، ونحن بحاجة لقانون ينظم من قدراتنا ويلهمنا القوة والمجالدة كي نحترم في هذا العالم القاسي ، كما اننا بحاجة لمحو اميتنا الفكرية لكلمة ( آقرأ ) القرانية ، ولمحو اميتنا الروحية لتلك الكلمة ، ولمحو اميتنا التربوية لتلكم الكلمة بالذات ؟.
اننا بحاجة الى معجزة تسمى ( آقرأ ) الاسلامية والابتعاد قدر المستطاع عن كلمة ( ريد ) الارهابية ؟؟؟.