السبت، يناير 10، 2009

من هدي القران ... الكلمة ... اقرأ ؟ / 8

الأشكالات والنتائج : - اقرأ
يستشكل بعض المفكرين من العالم الاسلامي المحترم ، على بعض الحيثيات التاريخية لصورة الحدث الرسالي الاولي ، كما ان هناك من يستشكل على الصورة التي نقلت تاريخيا لصاحب الرسالة الاسلامية الرسول المعظم محمد رسول الله ص ، باعتبار ان الصورة المنقولة عن هذه الشخصية الانسانية الراقية ليست هي الصورة الواقعية والحقيقية في جانب كونه كان اميا لايقرأ ولايكتب ؟.
وكلا الاشكالين - حقيقة - يدخلان في حيز النقاشات الفكرية البحتة ، فليس هناك اي عائق فكري او شرعي او اخلاقي ، عندما نحاول الوصول الى الحقائق من خلال الاستشكالات الفكرية ، كما ان هذه الاشكاليات وغيرها لاتمثل اي حالة رعب للحالة الاسلامية بصورة عامة ، سواء كانت تلك الاشكاليات فكرية او شرعية او اخلاقية او ....الخ ، فقط ما تؤكد عليه الاطروحة الاسلامية ، هو التحقيق النزيه في الوصول الى الحقائق ، والابتعاد قدر المستطاع عن الدوافع السياسية او الايدلوجية او اي دافع اخر مشبوه ، يحاول القفز على الحقائق ، وخلط الاوراق لبناء حالة من الضبابية في الرؤية الانسانية فحسب ، اما غير ذالك فذراعي الفكر الاسلامي مفتوحة لكل بحث منصف او نقد اشكالي او فكرة ربما تكون اكثر واقعية من فكرة يطرحها الاسلام بغيبوية ، فلا بأس والحال هذه اذا كان الهدف والمبتغى هو خير وصلاح وبناء الانسان بصورة عامة ؟.
وعليه كان الافق الاسلامي محترما لكل سؤال يريد المعرفة ، ولكل شك يطلب اليقين ، ولكل بحث يسير نحو الحقيقة ، اما العكس من المفاهيم المذكورة في حالات التفرعن والتكبر والتجاوز وعدم الاحترام الانساني ...، فان للمعادلة الاسلامية اساليبها الواقعية المنبنية على الحقوق والعدالة ، فليس هناك خد ايسر واخر ايمن مستعد للصفعات المذلة ، بل هناك عدالة وعزة وواقعية وحق لايفرق بين قوي وضعيف ، وهناك مساواة وكرامة واحترام متبادل بين انسان وانسان وفكر وفكر وروح وروح ، كما ان هناك انسانية في هذا الطرح - واقعية انسانية - ، فليس هناك حب للاعداء ولكن هناك قانون وعدالة تضمن الحقوق الانسانية العامة سواء كان ذالك الاخر عدوي او صديقي :( يأيها الذين ءامنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولايجرمنكم شنئان قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى ../ قران كريم ) وكذا عندما نقول ان هناك طرحا فكريا راقيا في هذه المنظومة الاسلامية الفكرية ، والذي ينفتح على الاخر ويحاول الاستماع لوجهة نظره وطرحه الفكري او الروحي :( وجادلهم بالتي هي احسن .... قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقيت ... تعالوا الى كلمة سواء / قران كريم ) ....الخ .
وعليه لم يكن الفكر الاسلامي يوما من الايام أصم الاذن عن الكلمة ( خذ الحكمة انّى وجدت / محمد رسول الله ص ) ، كما لم يكن ابكم اللسان عن الحق ، ولكن كان ولم يزل كيانا قابلا للجدل ، فاتحا ذراعيه للحوار ، قويا لايخشى المناضرة بل يدعو لها وينمي من اليات وجودها وسبل الارتقاء بكفائتها ، فاذا كان هناك اشكاليات فكرية هنا او هناك ، فان الفكر الاسلامي او الروح الاسلامية ليست فقط هي قابلة للاستماع والتأمل بل واكثر من ذالك مهيئة لقبول هذه او تلك من وجهات النظر الانسانية ؟.
ان نوعية الاشكال التي تطرحه بعض المدارس الفكرية الاسلامية وغير الاسلامية وهي تتصفح عملية الوحي الالهية الاولية في السيرة النبوية بالامكان تصنيفه الى محورين اساسيين :
الاول : محور الاشكال على الصورة والكيفية التي نقلت من خلالها تاريخيا .
الثاني : محور الاشكال على المضمون ، والفهم الذي حاول فهم تلك الصورة .
وقبل ان نتناول كلا الاشكالين ، لابد من ذكر الواقعة والصورة التي كانت مدار بحث وتأمل لكلا المحورين ، وهي ترصد تاريخ وواقعة ....... الحدث السيري في بدايته من مراحل الولادة لنرى كيف ان : - ( اقرأ ) القرانية مرة كانت اشكال ومرة كانت افق معرفي ؟.
(( في الدر المنثور أخرج عبد الرزاق واحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن الانباري في المصاحف وابن مردويه والبيهقي من طريق ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت :أول مابدئ به رسول الله ص من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لايرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب اليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل ان ينزع الى اهله ويتزود لذالك ثم يرجع الى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ . فقلت : ما انا بقارئ . قال : فاخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت ما انا بقارئ . قال : فاخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني فقال : اقرأ . فقلت : ما انا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني فقال :- اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم - الاية .
فرجع بها رسول الله ص يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد - زوج محمد رسول الله ص - فقال : زملوني زمّلوني ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسي . فقالت خديجة : كلا مايخزيك الله أبدا انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب - اي تكسي - المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق - اي الخلق - .
فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزى ابن عم خديجة ، وكان امرءا قد تنصّر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الانجيل بالعبرانية ماشاء الله ان يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له خديجة : يابن عم اسمع من ابن اخيك .
فقال له ورقة : يابن اخي ماذا ترى ؟.
فأخبره رسول الله ص خبر ما رأى .
فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى ؟. ياليتني أكون فيها جذعا ، ياليتني أكون فيها حيا اذ يخرجك قومك .فقال رسول الله ص أومخرجي هم ؟.
قال : نعم لم يأت رجل قط بمثل ماجئت به الا عودي ، وان يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا . ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي ./ انتهى / انظر : الطباطبائي محمد حسين / الميزان في تفسير القران / ج 20 / ص 375 / ط الاولى / مؤسسة الاعلمي .
ينطلق الاشكال الاول على هذه الصورة وهذا النقل التاريخي لحادثة بدئ الوحي الاسلامي ، من رواد الفكر الاسلامي في مدرسة اهل البيت ع في العصر الحديث ، وبالخصوص من اصحاب الاختصاص القراني والذين يتصدون لعملية بيان وتفسير النص القراني المحترم ، ومجمل الاشكال يتمحور حول : ( ان هذه الصورة تقتضي ان هناك شك انتاب النبي محمد في اصل الوحي مما اضطره الى اللجوء الى خديجة ومن ثم الى ورقة بن نوفل لتسكين نفسه واطمأنانه لقوله من انه وحي وبما ان الشك للرسول في اصل الوحي شيئ غير ممكن فعليه يكون النقل التاريخي مشوبا بشيئ من الضعف ؟.) .
وزعماء هذه الاشكالية التاريخية والفكرية في العصر الحديث ، هم اثنان من المفكرين الاسلاميين في العصر الحديث والذين تناولوا النص القراني بالتحليل والبيان ، وهما :( السيد محمد حسين فضل الله ) صاحب - من وحي القران - ، والاخر هو العلامة المتفلسف ( محمد حسين الطباطبائي ) صاحب - الميزان في تفسير القران - ، وكلا المفكرين قد استشكل على هذا النقل حسب تصوره الشخصي ( وربما حسب ماتوحيه اصول المذهب الذي ينتمي اليه فكريا ) واجتهاده الفكري لما ينبغي ان تكون عليه شخصية الرسول المعظم محمد بن عبدالله ص ، ففضل الله يرى : في الملاحظة الثالثة على اشكالية الحدث التاريخي ان لجوء الرسول المعظم محمد ص الى خديجة لتؤكد له ان هذه العملية اللاهوتية التي حدثت له في غار حراء ماهي الا وحي من الله وليست من الشيطان ؟. يرى فضل الله ان هذه الصورة تظهر ان خديجة اكثر فقها ووعيا وادراكا للوحي اللاهوتي من الرسول المعظم ص وهذا اشكال لايقبل من حيث كون خديجة هي الاقدر على ادراك معالم الوحي اللاهوتي من الرسول المعظم محمد بن عبدالله ص نفسه ، وعليه فيجب الشك في صورة الحدث الرسالي التاريخي تلك والتي تظهر زوج الرسول خديجة وهي تطمئن الرسول المعظم على كينونة الوحي الالهي الاسلامي صونا لادراك وفهم واستيعاب الرسول ص لموضوعة الوحي الالهي ، وان هذا الادراك النبوي وهذا الفهم والاستيعاب المحمدي يجب ان يكون هو الاعلى والاطهر والاقوى من كل ادراك وفهم واستيعاب بشري آخر / انظر من وحي القران / تفسير الايات الخمس الاول من السورة / دار الزهراء ط الاولى ؟.
اما مايتعلق بالاشكال الذي طرحه الطباطبائي في ميزانه ، فيختصر بالقول :( القصة لاتخلو من شيئ وأهون مافيها من الاشكال شك النبي ص في كون ماشاهده وحيا الهيا من ملك سماوي ألقى اليه كلام الله وتردده بل ظنه انه من مس الشياطين بالجنون ، وأشكل منه سكون نفسه في كونه نبوة الى قول رجل نصراني مترهب وقد قال تعالى :( قل اني على بينة من ربي ) واي حجة بينة في قول ورقة ؟. وقال تعالى :( قل هذه سبيلي ادعوالى الله على بصيرة انا ومن اتبعني ) فهل بصيرته ص هي سكون نفسه الى قول ورقة ؟.... والحق ان وحي النبوة يلازم اليقين من النبي والرسول بكونه من الله تعالى على ماورد عن أئمة اهل البيت عليهم السلام . انتهى / انظر الميزان / ج 20 / مصدر سابق ).
والحقيقة ان الزاوية او الاشكال الذي اثاره فضل الله في تفسيره له نهوض اتقن بكثير من ما اشار اليه الطباطبائي في ميزانه ، وربما كان كلا المفكرين قد اثارا الاشكال بصورة افتعالية ليست لها اي مبرر يدفع للبحث عن اشكال لمصادرة صورة تاريخية موثقة تاريخيا وثابتة سيريا ، ونحن هنا سنتناول كلا الاشكالين بالنقاط التالية :
اولا : - ينطلق فضل الله في اشكاله من مقولة : ان لجوء الرسول محمد ص الى خديجة ومشاركتها في حادثة الوحي التي حصلت له ، ما هي الا عبارة عن شك الرسول وخوفه او رعبه من هذه الحادثة ، او لنقل من عدم فهم وادراك الرسول لموضوعة الوحي الالهية الاسلامية ، ومن ثم كانت خديجة هي الاقرب لفهم وادراك معالم الوحي اللاهوتية الاسلامية لتسكّن من ثم من مخاوف ورعب الرسول الاعظم محمد رسول الله ص وتهدئ من خواطره ؟.
والحق ان هذا الاستنتاج في قراءة الحادثة برمتها ، قراءة مبالغ فيها ، بالاضافة الى ان فهم او قراءة لجوء الرسول او افضاءه الى زوجه واستشارتها بحادثة الوحي وهي الزوج الواعية والحنونة والمستحقة لكل الاحترام لرجاحة عقلها ... على اساس انها عدم ادراك او خوف من مس الشياطين من قبل الرسول ص ايضا رؤية مبالغ فيها ، والحقيقة ان عملية الوحي وكما يطرحها الفكر الاسلامي من انها عملية ثقيلة ، لاسيما ان اخذنا بداية الوحي اللاهوتي الاسلامي للرسول محمد المعظم ص ، فاننا سنجزم بانها عملية كان لها من الوقع النفسي والذهني على الرسول الاعظم ص الشيئ الكثير ، اضف الى ذالك فاننا لو سلمنا بمقولة من يقول : ان الرسول محمد المعظم ص لم يكن ليتوقع او ليفكر او ليرجو ( ماكنت ترجو ان يلقى اليك الكتاب من قبل ... وماكنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ...) ان يكون رسولا على مستوى الرسالة العالمية - كما ذكرناه سابقا - فان العملية ستكون جدّ طبيعية وبشرية ، فهنا نحن أمام مشهد يخترق الطبيعي والعادي البشري بالنسبة للرسول المعظم محمد ص ، وهو يلتقي بالوحي الالهي الاسلامي وجه لوجه ، وباعتبار ان عملية ( اقرأ ) كانت العملية اللامتوقعة لذهن وعقل وفكر ونفس الرسول محمد ص ، فلاريب عند ئذ من هزة عنيفة نفسيا وفكريا قد انتابت كيان الرسول المعظم محمد ص ، وما رجوعه للافضاء لخديجة او لنقل لجوءه لمحادثة خديجة عليها السلام ، الا الامر الطبيعي ايضا ، باعتبار ان عادته ص كانت هي العودة لدفئ البيت بعد كل زمن يقضيه في خلوته التعبدية ( قبل ان ينزع الى اهله ويتزود لذالك ...............................الخ ) الفطرية في غار حراء ، ومن ثم لابد القول : ان ماحدث لمحمد رسول الله ص في يوم الوحي الاول كان حدثا غيّر المعادلة النفسية والفكرية والروحية لمحمد رسول الله ص ، فلابد حينئذ من تكلم او مناقشة او افضاء لأي انسان يكون بطبعه قريبا من محمد نفسيا وروحيا وفكريا ، ولاريب عندئذ من القول ان خديجة هي الاقرب روحا ونفسا وفكرا لمحمد رسول الله ص ، وافضاء او لجوء الرسول الاعظم محمد ص لخديجة هو الامر الاكثر واقعية وبشرية ، عندما تتغير معادلة محمد النفسية والروحية والفكرية بهزة الوحي العنيفة ؟.
وعليه حتى ان اكدنا على ان محمدا رسول الله ص قد لجأ لخديجة ليحدثها ويستأنس برأيها الرشيد في حادثة الوحي الثقيلة والجديدة على كيان محمد ص ، فان هذا التأكيد لايقدح مطلقا بادراك واستيعاب الرسول الاعظم محمد لعملية الوحي ، وكذا لو قلنا ان محمدا رسول الله ص قال لخديجة :( لقد خشيت على نفسي ) ، فان هذا الشعور المحمدي شعورا طبيعيا جدّا وهو يلاقي شعورا جديدا وحالة جديدة بعد الوحي الالهي الاسلامي ، فقوله ذاك ، ماهو الا افضاء بين محب لحبيبه ، وزوج رؤوف رحيم لزوجه الخائفة المحبة القلقة على زوجها دوما وابدا فاين من هذا كل ماذهبت اليه اقلام المفكرين الذين ارادوا تطوير هذه الجملة لحالة من الشك وغيره ؟.
ثم ان قلق الرسول محمد ص ولنقل هزته النفسية العنيفة بعد الوحي ، ومحادثته لخديجة بشأن الوحي ، ولنقل خوفه من هذه العملية العظيمة ، كل ذالك لايبرر الابتعاد بالصورة التاريخية هذه عن مسارها الطبيعي الانساني لجعلها في خانة الشك في الوحي ، وانما العملية كلها تنحصر في : ان شخصية الرسول المعظم محمد ص ، شخصية شفافة جدا قبل الرسالة وبعدها ، ولها ابعاد اجتماعية واسرية راقية ، وليس من المتوقع ان محمدا رسول الله ص تمرّ عليه حادثة الوحي العظيمة بدون ان يشاور اهله والمقربين منه في مثل هذه الامور ، فاستشارته لزوجه أمر متوقع انسانيا من محمد ص ، كما ان الحاح زوجه خديجة والسؤال عن التغير النفسي والفكري الذي انتابه بعد عملية الوحي أمر ايضا جد انساني من زوجة كانت ترى محمدا رسول الله ص روحها التي تتجسد امامها انسانا ، ولاريب عندئذ ان تكون تطمينات خديجة لمحمد رسول الله ص وقولها له :( كلا مايخزيك الله ابدا انك لتصل الرحم ...) ليس هو تعبير عن ادراك لمعالم الوحي الالهي ، اكثر واعمق من ادراك الرسول محمد ص لهذه المعالم ، بل هي كلمات مواساة محب وخوف زوجة لها من الاخلاص لزوجها ما يجعلها مستعدة للتضحية في سبيل طمأنينته وراحته ؟.
نعم ان الموضوعة لم تكن ادراك اوسع بالنسبة لخديجة وادراك هو بحاجة لمن يتممه بالنسبة لمحمد رسول الله ص ، وانما كانت موضوعة طبيعية انسانية قامت بها خديجة (عليها السلام) لزوجها الرسول المعظم محمد ص ، كما انه بامكاننا القول هنا ان نفس الدوافع الانسانية التي دفعت خديجة لتسكين خواطر محمد رسول الله ص ، بالنسبة لعملية الارهاق التي بدت على ملامح وجه محمد رسول الله بعد عملية الوحي ، هي نفسها التي جعلت من خديجة متطوعة للاطمئنان اكثر على حالة محمد ، ومن ثم اصطحابه الى ابن عمها وقارئ الكتب السماوية ( المثقف وربما الحكيم المعالج ) ورقة ابن نوفل ، وهذا امر اعتقد ايضا انه انساني طبيعي بالنسبة لعلاقة زوج تريد الاطمئنان على حالة زوجها الصحية والنفسية والفكرية ؟.
اذا لامبرر منطقي يدفعنا الى تحميل الصورة التاريخية اكثر من معطياتها الطبيعية الانسانية في حادثة من هذا القبيل ، كما انه لامبرر فكري او نفسي يدعونا للقول : ان محمدا عندما يستشير او يحدث اهل بيته بعملية الاتصال اللاهوتية التي حصلت له فهذا يعني انه في حالة شك نفسية او فكرية بمضمون الوحي هل هو لاهوتي او شيطاني ، كما انه ليس هناك اي دافع فكري يجعلنا نعتقد ان خوف خديجة ومواساتها لزوجها العظيم ص بكلمات ترفع من الحالة المعنوية لانسان خضع لعملية تحوّل كبيرة على اساس انها وعي اكبر وادراك اعمق لوحي السماء الاسلامي ؟.

ولنقل ان خديجة ع كانت ترى بمحمد مخايل النبوة والنبوغ والتألق الانساني الملفت للنظر ، فليس هذا ايضا ممونا للاعتقاد ان خديجة هي الاعمق ادراكا لعملية الوحي اللاهوتية ، وان مقولتها تلك كانت تعبيرا عن الادراك الاعمق الذي قابل الارتباك المحمدي من هذه العملية اللاهوتية برمتها ؟.
اذا ما الذي دفع فضل الله في رؤيته تلك ، ان يقرأ الموضوع والحادثة التاريخية بهذا الشكل البعيد والتحليلي والباحث عن ثغرة فكرية لهذه الحادثة الانسانية الطبيعية ؟. هل هو الاعتقاد القائل ان محمدا رسول الله يجب ان يكون نبيا قبل النبوة وبعدها ، ولذالك لاينبغي القول ان هناك محمدا اخر بعد الرسالة هو مختلف عن محمد ص قبل الرسالة ؟.
ام ان هناك اعتقاد مسبق يقول : ان ليس هناك اي عملية تحول حصلت لرسول الله محمد ص في عملية الوحي تلك ، وان محمدا رسول الله كان مدركا ومنذ صباه انه نبي مرسل ، وما كانت خلوته الا تفكيرا بهذا الامر العظيم ، وعليه فلا مبرر للقول ان محمدا ( قد خشي على نفسه ) من عملية الايحاء الالهي ، وانه بحاجة الى يفضي لزوجه بعملية مايسمى بالتحويل من انسان مغمور الى رسول عالمي ....الخ ؟.
الحق ان مثل هذه المعتقدات موجودة ، وان كانت متناقضة مع كل التوثيق التاريخي ، فهناك رؤى تقديسية وغارقة في التقديس للبشر العظماء كالرسل والانبياء والقادة من الأئمة وغيرهم عليهم السلام جميعا ، بل وهناك من الناس من يرى القداسة واجبة حتى لبعض البشر العاديين تماما كالعلماء وغيرهم ، وعلى العموم هناك من يعتقد ، وبخلاف المنطوق القراني المقدس ( قل انما انا بشر مثلكم يوحى اليّ ...) ان محمد رسول الله ص ينبغي ان يدرس على اساس انه فوق الطبائع الانسانية ، وذالك لضمان ان تبقى شخصية الرسول محمد المعظم مصانة ومقدسة على طول الخط ؟.
وهذا جيد ، ولكن مضّر من جانب آخر ، بسبب كونه سيضطرنا الى الغاء العقل الانساني تماما والذي تعبدنا به الخالق سبحانه وتعالى ، وعليه نحن امام منحيين من التفكير الاسلامي ، منحى يخطو نحو دراسة الظاهرة الاسلامية بصورة عامة ، وعلى الاسس التي وضعها الاسلام نفسه في قواعد ( لعلكم تعقلون .. تتفكرون .. تتدبرون ...الخ ) والابتعاد عن ممارسة : - ( ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لايعقلون / قران كريم ) ومنحى اخر يحاول قراءة الظاهرة روحيا وتقديسيا ، والحق اننا نفضل قراءة هذه الظاهرة اسلاميا ؟.
ان محمدا رسول الله ص ومنذ لحظة انخراطه اجتماعيا ، كان شخصية اجتماعية منفتحة على الاخر الانساني بغض النظر عن كل العناوين الاخرى ، وكانت شخصيته الفطرية تميل دائما لعدم الفردانية ، بل ولعلنا نجزم بان محمدا رسول الله كان ( اشتراكيا = عذرا للمصطلح ) في كل كيانه النفسي والروحي والفكري والمادي ايضا ، لذالك جاءت كلمات خديجة صادقة ومعبرة بشكل يدفعنا للجزم بانها كلمات القلب وليس كلمات الفكر والتفكير ، عندما حاولت مواساة محمد رسول الله ص ( كلا مايخزيك الله ابدا انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ؟.) ، نعم محمدا كان ص مواسيا في خبزه ومشاعره تجاه الاخرين ، فلاريب عندئذ من ان ينفتح محمد ص على خديجة وغيرها بمشاعره وافكاره وروحه الشفافة على خديجة ع ، ليقول : ( لقد خشيت على نفسي .... ياخديجة ) ؟.
ولم لا ، وهذا الانفتاح من اهم المزايا التي تؤهل محمد ا رسول الله للرسالة العالمية ، وتجعل اول خطوات ( اقرأ ) القرانية هي نفس مزايا الرسول المعظم محمد ص في التبليغ ، لتكون ( اقرأ ) بمعنى بلّغ ؟.
ولم لايكون اول تبليغ لمحمد ص وبغض النظر عن الاساليب المختلفة هو اشراك الاخرين بالحدث الكبير ، لتكون ( لقد خشيت على نفسي ) من محمد ص ليس شكا ، وانما تبليغا للرسالة العالمية ، بصيغة السؤال والحيرة ؟.
أليس من الاساليب التبليغية في القران هو : طرح الشك والتساؤل ، لاعانة الفكر الانساني الاخر على الاستيعاب خطوة خطوة ليصل هو بنفسه للحقيقة بدلا من ان توصله العقول الاخرى ؟.
هكذا ان شئنا ان نقرأ الحادثة التاريخية قدريا نقول : ان محمدا ص قد طرح حالته النفسية والفكرية بعد عملية الوحي بين يدي خديجة ، متساءلا محتارا قلقا ...، وهكذا قدّر لهذا السؤال والحيرة والقلق الى ان تتبلور الى دعوة وتبليغ واعلان اولي لعملية ولادة وحي ، طرحت على خديجة كسؤال محيّر ، لتخطو خديجة العظيمة ع ، الخطوة الثانية بتبليغ الدعوة الى ابن عمها المثقف والحكيم والواعي ورقة ، ليعلن هو الاخر : ان العملية عملية وحي وليس وسوست شيطان او نداء من وراء الجن ، لتكون كلمته عونا لمن بعده من اتباع وانصار لهذه الدعوة ...الخ ؟.
اما ان حاولنا قراءة الحدث انسانيا وطبيعيا فماذكرناه منسجم تماما ، من حوار دار بين زوج محب لزوج يفتح ذراعيه للمواساة والنصرة في كل الاحوال ؟.
وعلى هذا لايبقى حسب مانعتقد من مبرر لقراءتنا لهذه الحادثة باكثر مما تحتمل ، ومن ثم لنصادرها تاريخيا ونقدح بواقعيتها ، بسبب كونها توحي ب ( الشك ) الذي انتاب الرسول في رسالته ؟.
ثانيا: - عندما ذكرنا ان هناك معتقدات تقديسية فحسب ( اي لاتضيف للتقديس التفكير ) اشرنا الى انه شيئ جيد ان تحترم الشخصيات العظيمة والتي تقدم للانسانية انجازا مفيدا ما ، ولكننا اشرنا بنفس الوقت ان هذه المعتقدات التقديسية عادة ماتكون مضارها اكثر بكثير من ايجابياتها ، لذالك وحسب المفترض ، فلو قلنا بمقولة : ان محمدا رسول الله ص كان مدركا ادراكا واضحا لنبوته واتصاله بالسماء ، وكانت خلوته التعبدية فقط هي خلوة فكرية ( كما يعبر عنها اكثر المفكرين الاسلاميين مع الاسف ؟.) ، وان ليس هناك اي ردة فعل نفسية او فكرية لمحمد ص قبال عملية الايحاء الاسلامية الالهية ، تدفعه ليتساءل او ليطرح مارآه بنوع من التفكير الجماعي ، فهل كانت هذه المعتقدات مفيدة ام سيئة ؟.
الحقيقة هي مفيدة للسيطرة على العقل الجمعي الاجتماعي البسيط ، وذالك باعتبار ان العقل الجمعي البسيط مشغوف بحب كل ماهو غريب واسطوري ، وكاره لكل ماهو مركب ومعقد من الاشياء ، ولذالك كان التقديس اللامفكر سمة الاجتماع العام ، كما انه الضمان الاخلاقي المجرب للسيطرة على السلوك الجمعي من الانفلات ، كما وهو الممارسة الاولية لضبط ذالك السلوك قانونيا لتأهيل العقل الجمعي من ثم لاحترام القانون العام للمجتمع ؟.
ولكن ومن جانب اخر تمثل تلك العقائد التقديسية اللامفكرة ، حجر عثرة في سبيل البحث العقلي ، كما انها ستكون مدخل حيوي لآعداء الاطروحة الاسلامية لطعنها من الداخل ، عندما تكتشف الهفوات اللاعقلية واللافكرية في هذه التقديسيات ، وذالك - مثلا - عندما تطرح شخصية الرسول المعظم محمد ص ، وقبل النبوة والرسالة على اساس انها شخصية مفكرة ، وكان ليس لها من شغل شاغل الا التفكير والتأمل بالاصلاح الاجتماعي وانها كانت نبوية ورسالية ومتصلة بالسماء قبل اعلان الرسالة ... ...الخ ، فمن حق الحركات والفلسفات المادية واعداء الاسلامية بالذات ان تقول : ان محمدا ماهو الا مفكرا ومتأملا حاول طرح اصلاحاته التي كان يفكر فيها طيلة حياته الاجتماعية والفكرية على اساس انها اطروحات وافكار لاهوتية مقدسة ، ومن ثم وفي سبيل ان نطرح التاريخ كله ، والذي لاينسجم مع معتقداتنا المذهبية الدينية ، نغامر بان نضع بين يدي اعداء الاسلام كل الاسلحة التي توفر لهم نفي لاهوتية الاسلام لتحويله الى مجرد فكر وتأمل فردي لمصلح او مفكر ادعى انه متصل بالسماء ؟.
الحقيقة هذا ما سوف نجنيه ان حاولنا ان نقرأ تاريخنا الاسلامي من منطلقات مذهبية اعتقادية هنا وهناك ، وبدلا من ان نضفي قداسة اعمق على شخصية الرسول المعظم محمد ص ، نحن هنا قمنا بلا شعور من تقديم مغمز ومطعن لاعداء الاسلام كي ينالوا من شخصية الرسول الاعظم محمد ص واعتباره مجرد مفكر ومتأمل بدلا من ان يكون رسولا ونبيا ؟.
اضف الى ذالك ربما تدفعنا الحالة التقديسية ( المشكورة ) الى الانقلاب حتى على النص القراني المقدس نفسه - مع الاسف - فمثلا عندما نتناول نصا يوحي بأن شخصية الرسول الاعظم محمد ص قد تغيرّت تغّيرا كيفيا وكميا في الجانب الفكري والنفسي والروحي ما قبل وبعد الرسالة والوحي ، في قوله سبحانه :( ماكنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم / 52 : الشورى ) فاننا لانستفيد من هذا النص كي يكون لنا مرشدا لفهم عملية التغيير او الهزة الروحية والفكرية او الفرق بين محمد رسول الله ص قبل الرسالة ومحمد ص بعد الرسالة ، لنفهم حيثيات الواقعة التاريخية المذكورة ، والتي تقول ان حالة محمد رسول الله ص كانت حالة منهكة في يوم الوحي العظيم عندما اتى محمد رسول الله ص لخديجة ليحدثها ويستشيرها ويقول لها ( لقد خشيت على نفسي ؟) ولذالك ذكر الفيلسوف الطباطبائي ( وربما مضطرا هنا امام ظهور النص ) في بيان قوله سبحانه :( ماكنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ...) القول : ( ان من الضروري وجود فرق في حاله ص قبل النبوة وبعدها والاية تشير الى هذا الفرق ؟) ، وهذا الفرق هو الذي نريد ان نسلط عليه الاضواء لنجعل من التاريخ او السيرة النبوية حاكيا عن وجه النص ، ولا نتسرع باسقاط التاريخ او التشكيك فيه لمجرد ان فكرة ما لاتقبل ان يكون محمدا رسول الله قد مرّ بمرحلة صعبة جدا أبّان التحول الرسالي ، فالتاريخ وثيقة ورفعها او التشكيك فيها يستدعي ان نسأل عن البديل ماهو ؟.

ثالثا : لاشك ان نفس الدوافع التي دفعت السيد العلامة محمد حسين فضل الله في - من وحي القران - للتشكيك في رواية الحدث السيري والتاريخي لبداية حيثيات الوحي الالهي ، هي نفسها الدوافع التي ذهبت بالعلامة الطباطبائي ليرى الحادثة بنفس العين ، وليضيف عليها ان الشك
مبرراته تكمن في ( أهون مافيها - اي في القصة - من الاشكال شك النبي ص في كون ماشاهده وحيا الهيا من ملك سماوي ألقى اليه كلام الله وتردده بل ظنه انه من مس الشياطين بالجنون ، واشكل منه سكون نفسه في كونه نبوة الى قول رجل نصراني مترهب ...؟.) .
والحقيقة ان في هذا التحليل للسيد المبّجل ( رحمة الله عليه ) الكثير من الثغرات وعدم الدقة في قراءة القصة ومنها :
1 : انه ليس هناك في كل الروايات التي نقلها العلامة الفيلسوف في سفره الخالد - الميزان - اي ذكر لمشهد او مقولة :- بل ظنه أنه ( اي الوحي ) من مس الشيطان - وليس هناك اي ذكر لمفردة شيطان في كلام الرسول المعظم محمد ص ، بل هناك فقط مقولة :( لقد خشيت على نفسي ) وهذه الكلمة لاتوحي مطلقا باعتقاد الرسول ص ان ما رآه ربما يكون من عمل الشيطان ، وعليه لامبرر لتأويل الكلام بهذه الصيغة ؟.
نعم هناك مرويات تقول ان الرسول محمد ص قال عن نفسه في حادثة الوحي :( ان الابعد - يعني نفسه - لشاعر او مجنون لاتحدث بها عني قريشا ابدا .... / انظر رواية الطبري باسناده عن عبدالله بن الزبير ؟.) ، ولكن حتى هذه المقولة لاتوحي الابكون الرسول المعظم وهو يلاقي الوحي الالهي الاسلامي ، كان في حالة من عدم المعرفة المسبقة بالوحي ، اي نفس مقولة :( ماكنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ..) بمعنى ماكنت تدري ايضا كيفية الوحي بالاضافة لعدم معرفتك لعلوم الكتاب ومبادي واعمال الايمان ؟.
ولذالك وعندما كان محمد ص وجها لوجه مع الوحي الالهي تساءل مع نفسه : هل هو شعر او سحر او جنون ؟. ثم تسائل وهو يتصور الاخر الانساني ماذا سيعتقد هل هو شعر او سحر او جنون ؟....الخ ، وحتى في هذه الرواية لم يذكر الشيطان كما زعمه الطباطبائي بقوله :( بل ظنه انه من مس الشيطان ؟).
2:- لا اعلم حقيقة من اين استقى الامام الطباطبائي رحمة الله عليه مقولة ( شك النبي ) والتي كانت هي مدار كل الاشكاليات ؟. هل من كون الرسول المعظم افضى الى زوجه بما رأى من عملية تحول كبيرة تمثلت بالوحي ؟. ام لكون خديجة الحنون لاتقبل وهي ترى التغير باديا بوضوح على وجه رسول الله - يبدو انه كان هناك تغير بادي على حالة الرسول هو مادفع خديجة لسؤاله ص - الا بان يخبرها محمد ص بما حدث ؟.
ولكن كلا الامرين وحسب ماذكرنا سابقا ليس له علاقة ان قرأنا الصورة التاريخية بنظرة انسانية طبيعية اي دلالة على الشك من قبل الرسول ؟ كما ان الحاح خديجة او ( انطلاق خديجة بالرسول المعظم ص ) الى ورقة ابن نوفل ايضا ليس فيه مايوحي بشك الرسول المعظم ص بالوحي الذي نزل عليه ، وربما كان العكس وهو ان قبول محمد بالذهاب الى ورقة ابن نوفل كانت الخطوة الاولى في اعلان الدعوة السماوية في اعتقاد محمد رسول الله ص ؟.
3 :- كما انه ليس هناك مايشير من قريب او بعيد في كلام الرواية ، وكما ذكره الطباطبائي من :( سكون نفس الرسول محمد ص الى قول نصراني مترهب ؟.) وانما كل ماهو موجود هو قول ورقة : ( هذا الناموس الذي انزل على موسى ؟.) ، ثم لاتذكر لنا بعد ذالك الرواية ان الرسول الاعظم محمد ص قد سكنت نفسه لهذا القول المثقف ، وعليه فلا مبرر للاعتقاد ان نفس الرسول قد سكنت لهذا القول ، من منطلق ان المفهوم يقول بان محمد ص قص القصة او خديجة قصت القصة على ورقة ، وقال ورقة هكذا ، فاذا كان جواب ورقة بمثابة تسكين لنفس الرسول وشكه مسبقا بحادثة الوحي ؟.
نعم لابأس القول ان محمدا ص حديث تجربة مع الوحي اثناء حديثه مع ورقة ولهذه الحداثة ردة فعل طبيعية تغير من معادلة الكيانية الرسولية لتأخذ وقتا حتى الاستقرار النهائي ، ولكن كل ذالك من جراء الهزة العنيفة للوحي ، وليس من جراء الشك هل هذا اتصال بالسماء او بالشيطان فالرسول المعظم محمد ص كان على اكثر من اليقين : ان الذي حصل له هو شيئ فوق المستوى الطبيعي للبشر وفوق ان يكون تلاعب شيطاني ، وما هو ذالك التلاعب الشيطاني الذي يوحي ب ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ..) وهل الرب والخالق من ادوات الشيطان ...الخ ؟.
4 : - ثم وبعد ذالك ما هذه الايات والنصوص القرانية التي استشهد بها السيد الطباطبائي للتدليل على ان الرسول لم يكن شاكا في ان ما حصل له انما هو وحي ، او انه قد تعرض لحالة قلقة ومضطربة اثناء الوحي السماوي الاول ، بل على العكس تماما فان النصوص تذكر ان حالة الانبياء والرسل في بدايات الوحي الالهية تكون قلقة ومضطربة وخائفة كمنتج طبيعي بين التقاء اللاهوتي بالبشري :( فلما رءاها تهتز كأنها جآن ولى مدبرا ولم يعقب يموسى لاتخف اني لايخاف لدى المرسلون / قران كريم : النمل 10 ) والحق اني لم ادرك حتى اللحظة الكيفية التي ينظر من خلالها مثل هؤلاء المفكرين والفلاسفة لموضوعة الوحي ، وهل هم ينظرون لها على اساس من الطبيعية والحادثة العادية البشرية ؟. ام ينظرون لها على اساس انها عملية اعجازية خارقة للعادة الانسانية ومخترقة للطبيعي من القوانين الظاهرة ؟.
ان حالة الاضطراب والقلق البدائي او الابتدائي للرسل ابّان اللحظات الاولى لتلقي الوحي هو دليل صدق وبرهان وحجة التقان طبيعي بلاهوتي ، وليس العكس صحيحا حتى نؤكد ان قلق واضطراب الرسول ص الاولي يعد مغمزا او نقيصة على شخصية الرسول الاعظم محمد ابن عبدالله ؟.
اذا يتبين لنا بعد كل المطارحة المذكورة مع ما طرح اسلاميا حول الصورة التاريخية واشكالياتها الفكرية ان ليس هناك مبررا حقيقيا للشك بالصورة التاريخية لبداية الوحي الاسلامي ، ومع ان كل الاشكاليات التي طرحت هي لاتمس الصورة الاولى ل ( اقرأ ) القرانية ، اي ان الاشكاليات كانت منصبة على الجزء الوسط والاخير من الصورة التاريخية ولم تتعرض مطلقا لصورة :( اقرأ . ما اقرأ او ما انا بقارئ ؟.) السيرية ، مع ذالك اردنا ان ندافع عن كل الوثيقة التاريخية مع ادراكنا ان الوثيقة مركبة من مرويات عدة ، اي حتى في حال الشك بموضوعة :( لجوء الرسول لخديجة وانطلاق خديجة ع به ص الى ورقة ومقولة ورقة للرسول ...الخ ) فلا يمكن الشك بالاصل الاول من ( اقرأ . ما اقرأ او ما انا بقارئ ؟.) باعتبار من انها الوثيقة التاريخية التي لم يشكك بها احد حتى الان ؟.
الحقيقة ان الوثائق التاريخية بصورة عامة ، والاسلامية بصورة خاصة كسيرة الرسول وسير أئمة اهل البيت ع ، تعد من الوثائق المقدسة ، اي التي تبنى عليها مكونات الاجتماع الاسلامي وافكاره ومشاعره واخلاقياته وعقليته ...، وارادة نقد هذه الوثائق او التشكيك بصحتها وعدم واقعيتها ، يحتاج الى رؤية واسعة ومسؤولة بنفس الوقت ، فربما كان نقد وثيقة واسقاطها ، هو نقد واسقاط لصورة تعكس العمق من الحركة الرسالية المفيدة لبناء الاجتماع الانساني ، وعليه كان التأني هو الاوفر احتراما بمثل هذه العمليات الفكرية ؟.
كما انه تكون عملية النقد للوثائق التاريخية وتمييز الصحيح منها من المندس والمخترع والمفترى على التاريخ ، وخاصة منه المقدس ، تكون هذه العملية من اهم العمليات الانسانية قدسية ، واكبرها قدرا واعلاها منزلة ، فللتاريخ سيطرة روحية وفكرية ونفسية على كل البشر ، وعليه ربما كانت خرافة تاريخية ، اسطورة تراثية ، تكون السبب المباشر لتخلف امة بكاملها ، وسبب من اسباب تخلفها بين الامم والشعوب ، لذا كان النقد والتمحيص التاريخي عامل مهم في نهوض وتقدم الامم والشعوب فكريا وروحيا وماديا ، ونعم هناك هناك من يرفع شعارات النقد للتهديم ، وقتل تراث الامة وتغييب ذاكرتها التاريخية والتراثية ، باسم النقد العلمي للتراث ، كما ان هناك من يقدس التاريخ والتراث كانه الجدار الذي يعلق عليه كل خرافاته الاسطورية ؟.
ومن هنا نقول ابذل الجهد اولا لفهم النص التاريخي الاسلامي المقدس منه بالخصوص ، ولديك كمسلم الميزان الذي لايضل صاحبه ولايغش من
من يستشيره ( القران الكريم ) لتعرض عليه كل التراث والتاريخ الاسلامي ( ماجاءكم عنا فاعرضوه على القران فما وافقه فخذوا به وما خلفه فهو زخرف من عمل الشيطان / محمد بن علي الباقر ع ) وبعد ذالك لك الحق في النقد والتمحيص ؟.
هذا مايتعلق بالمحور الاول من الاشكالات الفكرية على الصورة التاريخية ، اما مايتعلق بالمحور الثاني ، فمداره منصبا على قراءة النص التاريخي والكيفية التي استطاع من خلالها لفيف من المفكرين التوصل الى : ان محمدا رسول الله كان قارئا للكتب وكاتبا للحرف القراني ، ولم يكن كما اعتقد الاسلامويون من انه كان اميا لايقرأ او يكتب ، فياترى كيف قرأ اولئك النفر الشخصية الرسالية المحمدية ص ؟. وكيف تمكن هؤلاء من خلال ( اقرأ ) القرانية يستدلون على ثقافة محمد بدلا من نبوته ؟.
في البحث القادم ......................؟.