السبت، يناير 10، 2009

من هدي القران ... الكلمة ... اقرأ ؟ - الفكر والقلم / 7

(( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص ))
(( عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم / 128 : التوبة / قران عظيم ))
- وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون / 48 : العنكبوت -
.........................................
الفكر والقلم : - اقرأ
كنا قد تساءلنا سويا ، ونحن نسلط الاضواء على الصورة الاولية لبداية الوحي اللاهوتي الاسلامي ، حول بعض الزواية التي تكمن في عمق تلك العملية الحيوية من وحي لاهوتي واستقبال انساني ، وقد لفت نظرنا عدة مواضيع مهمة ونحن نطارح فكرة علم النفس المادي الذي كان يرى ان الوحي ماهو الا عملية ايحاء نفسي وتأمل فكري ، كموضوعة تكرار صيغة الوحي ( اقرأ ) ، وماهية العبر المستخلصة من هذا التكرا ر ، كما وقد لفت نظرنا ايضا عملية الاستسلام والسلام الانسانية التي مارسها الرسول المبجلّ محمد رسول الله ص وهو يلاقي كلمة الله العليا ( اقرأ ) بروح تتحرك بين اليقين والتساؤل ، وهكذا عندما حاولنا فهم العبرة من تحرك وحي مدرك وواعي بطرح الخطاب ثلاثيا مع ادراكه بان مخاطبه أمي وفطري المنشأ والتوجه ، فلماذا والحال هذه لم ينهي الموضوعة مبتدأ بالطرح الصريح ، والمباشر من خلال عملية التعارف الطبيعية ليقول ( أنا ... وأنت ) بدلا من ( اقرأ . ما اقرأ .. ما انا بقارئ ؟.).....الخ .
والان لابد من اثارة زاوية اخرى وهي تتناول الصورة الاولية لوحي السماء الاسلامي ، لنلتفت او لتلفت نظرنا زاوية اخرى من هذه الصورة الغريبة العجيبة ، وهي صورة الطرح القراني الثنائي الابعاد ( اقرأ باسم ربك .. و .. اقرأ وربك الاكرم ) ، مع العلم ان الصورة التاريخية والسيرية تطرح لنا ابعادا ثلاثة في ( اقرأ ) الاسلامية فماهو التبلور هنا ؟.
بمعنى وتسأل اخر ومن جهة اكثر عمقا : هل كانت ( اقرأ ) المذكورة سيريا ( في السيرة النبوية ) وتاريخيا ، هي اقرأ قرانية لاهوتية بحتة ؟. وان كانت كذالك لمّ لم تثبت قرانيا ( اي تكتب بالنص القراني المقدس مع : اقرأ باسم ربك الذي خلق ...؟.) على اساس انها نص ووحي لاهوتي أم انها كانت توطئة فحسب لعملية الوحي القرانية ، والتي طرحت بعدين فحسب ( لآقرأ ) القرانية ؟.
الحقيقة بامكاننا اعتبار ان هذه هي زاوية اخرى من الزواية الفكرية المهمة والتي تمكننا من التفريق بين ( اقرأ ) القرانية ، و ( اقرأ ) الموطئة لاقرأ القرانية ، بمعنى ان مقولة علم النفس المادي والتي ذكرناها في البحث السابق ، ايضا هي هنا في زاوية حرجة عندما تطرح عليها الصورة والسؤال بهذا الشكل ، فاذا كانت عملية الوحي ماهي الا ايحاء ووحي نفسي ، فما الذي فرّق في هذه المعادلة بين قران لاهوتي مكتوب على صيغة ( اقرأ باسم ربك ...) وبين توطئة لهذا القران لاتعتبر انها من ضمن الكلام اللاهوتي الرسمي ، وعليه وان كانت ( اقرأ ) السيرية التاريخية كلام ملك ورسالة من قبل الله ، الا انها فصلت عن مضمون الرسالة السماوية لتكون توطئة ل ( اقرأ ) القرانية الرسمية ، فهل يستطيع والحال هذه علم النفس المادي ان يجيبنا على هذه الاشكالية الحقيقية ، فلماذا والحال ان الوحي اللاهوتي ما هو الا ايحاء نفسي وفكري وتأملي افترقت ( اقرأ ) القرانية ، عن ( اقرأ ) السيرية التاريخية ؟. وما هو المبرر النفسي او الفكري او التأملي الذي اوحى لمحمد رسول الله بهذه التفرقة والفصل ؟. او ما هي العملية التي فصلت بين فكرين وتأملين وحالتين من النفس لتجعل ( اقرأ ) الاولى قرانية رسمية لاهوتية ، بينما دفعت ( اقرأ ) الثلاثية التاريخية السيرية الملكية ( الجبرائيلية ) لأن تكون اقل من ذالك منزلة ؟.
لا اعتقد - حقيقة - ان هناك جوابا لدى هذه المدرسة النفسية المادية التي ادعت ان عملية الوحي اللاهوتي ما هي الا ايحاءات نفسية وفكرية وتأملية ، والا لو كانت عملية الوحي اللاهوتية كما تدعي هذه المدرسة النفسية والفكرية من انها عملية ايحاء نفسي وفكري فحسب ، لكانت - حقيقة - ( اقرأ ) السيرية التاريخية هي قران ايضا ، فليس هناك ما يبرر فصلها مبدئيا او اختلافها عن ( اقرأ ) اللاهوتية القرانية ، ولكانت العملية برمتها تقول : ان ( اقرأ ) السيرية التاريخية الثلاثية التكرار هي اول وحي نفسي وعقلي وفكري لمحمد رسول الله وعليه فلابد ان يكون قران محمد ( عذرا للمصطلح كضرورة ) مبتدأ ب ( اقرأ ) السيرية التاريخية كما يذكرها التاريخ تماما -اي - ان تكون :( اقرأ اقرأ اقرأ ؟. مضافا اليها اقرأ باسم ربك ..) ؟.
ولكننا عندما نتصفح القران الكريم وكلمات الوحي اللاهوتية الاسلامية ، لانجد هذه ( الاقرأ ) التاريخية وبالكيفية التي يذكرها لنا التاريخ وكتب السير ، بل نجد المثبت نصا مقدسا هو ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ...) فحسب فما هي الحقيقة ؟.
الحقيقة ان الخيال الخصب لمدارس علم النفس المادية الحديثة ، هو الذي ادخل فكرة ظلامية للتشويش على فكرة الوحي اللاهوتي كخطوة اولى لنفي وجود الخالق سبحانه وتعالى من بعد ذالك ، ولكن بدلا من ان توّفق لهذه العملية الهادفة ، وباعتبار ان المادية دائما هي منغلقة وظلامية وهابطة الادراك ، فكان لابد من الوصول الى نتيجة ضآلة وضحالة هذا الفكر المادي ، وعليه بدلا من ان تقتل فكرة الوحي هي اضافة له قوة من حيث لاتشعر ، والمثال امامنا عندما طرحت مقولة الايحاء النفسي والتامل الفكري للوحي اللاهوتي ، ثم لتأتي من بعد ذالك ( اقرأ ) القرانية لتطيح بكل المؤامرة المادية ، لتعلن انه : لو كان الوحي اللاهوتي الاسلامي - الرائع - هو مجرد ايحاء نفس وتأمل فكر فقولوا لنا لماذا انشطر التأمل والفكر نفسه الى ( اقرأ ) تاريخية سيرية ، و ( اقرأ ) قرانية رسمية مثبتة ككلام مقدس ؟.
وهكذا وبجولة جديدة تطرح ( اقرأ ) القرانية بعدا جديدا قبل اربعة عشر قرنا ، لتنتصر حديثا على علم النفس المادي العلمي للقرن العشرين الغابر ، ومؤكدة ايضا ان ( اقرأ ) القرانية ستنتصر في المستقبل على كل المؤامرات المشبوهة في عالم الانسان ؟.
ان ( اقرأ ) القرانية الثنائية الابعاد ( اقرأ باسم ربك ... اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم ...) اكدت هنا انها ليست من وحي النفس الانسانية ، كما انها ليست من بنات الفكر البشري ، وذالك من خلال بعدها وتناءيها عن ( اقرأ ) السيرية ، فهي وان كانت لاهوتية محضة الا انها وباعتبار انها كلمة الوحي الثقيلة ، رسمت قبل ولادتها صورة ( لاقرأ ) التاريخية وهي تمر بحالة المخاض العسيرة من ( اقرأ . ما اقرأ .. ما انا بقارئ ؟. اقرأ . ما اقرأ .. ما انا بقارئ ؟. اقرأ . ما اقرأ .. ما انا بقارئ ؟....) لتكون هذه الصورة التاريخية ، دليل صدق على انه ليس بتأمل او تفكير او سكلجة ، بل هو وحي اوله غير اخره تماما ، اوله اقرأ اللاهوتية الثقيلة ، ووسطه ( ما اقرأ ؟. او ما انا بقارئ ؟. ) التاريخية السيرية ، والتي لم تكن سوى ردة فعل بشرية لفعل اللامتوقع الفكري والعقلي ، لتنتهي عند : ( اقرأ باسم ربك ...) اللاهوتية اليقينية المقدسة والمثبتتة بالنص القراني ، لتكون ( اقرأ ) التاريخية مختلفة عن ( اقرأ ) القرانية هنا مع انهما من نفس المصدر اذا اخذنا بمقولة علم النفس المادي والذي يقول بولادة الوحي من الفكر ؟.
ان ( اقرأ ) التاريخية :( ما اقرأ .. ما انا بقارئ ؟.) هي اقرأ البشرية ، اما ( اقرأ باسم ربك ..) فهي القرانية اللاهوتية ، وعليه وبما ان اللاهوتي الاسلامي مختلف جذريا عن البشري ، ثبتت ( اقرأ باسم ربك ) القرانية وبقت ( اقرأ . ما اقرأ ؟. ما انا بقارئ . ) البشرية بعيدة عن الوحي والنص الاسلامي القراني المقدس ، لاتدانيه ولاترتقي لمضامينه اللاهوتية الالهية المقدسة هذا ؟.
وبعد هذه الالتفاتة التي جذبتنا نحوها اقرأ القرانية ، وهي تؤكد لنا صدق هويتها الاسلامية اللاهوتية ، هل تتوقف عجائب ( اقرأ ) القرانية عند هذا الحد من التحدي والقوة ؟.
كلا بالطبع فهناك زاوية اخرى ل ( اقرأ ) القرانية الثنائية الابعاد ، وهي تحرك السؤال الذي يستفهم حول الابعاد الفكرية التي استهدفتها ( اقرأ ) القرانية ، فماهي الرؤى التي تطرحها ( اقرأ ) القرانية من خلال بعديها ( اقرأ باسم ربك ؟.) و ( اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم ؟..)؟.
الحق ان ( اقرأ ) القرانية هنا تطرح بعدين لمفهوم القراءة القرانية وهما :
الاول : قراءة الانفتاح اللاهوتي الاسلامي - باسم الله - ؟.
الثاني : قراءة الانفتاح العلمي الطبيعي الممثل - بالقلم - ؟.
ولاريب هنا ان قراءة الاطروحة الاسلامية الجديدة ( قد تعرضنا لهذه القراءة سابقا ولكن لابأس من الطرح المختلف ثانيا ؟.) والممثلة بالقراءة من خلال ( اسم الله ) هي من ارقى القراءات الكونية الانسانية ، فالانسان المسلم وبصورة عامة يتمكن هنا من قراءة الكون والوجود والانسان والحياة من خلال النافذة الاسلامية القرانية معتمدا على القراءة اللاهوتية في الفكر الاسلامي ، والمعبر عنها ( باسم ربك ) ، وكما ان الرسول المعظم محمد رسول الله ص كان هو البوابة التي فتحت قراءة الافاق الكونية والانسانية والوجودية ...،( باسم الله ) كذالك يكون الانسان المسلم قارئا لتلك الافاق بنفس الوسيلة التي فتحها رسول الانسانية محمد ص ، ليقدمها للفكر والعقل الانساني كي يقرأ من خلال هذه النافذة ؟.
ان روعة هذه القراءة الاسلامية اللاهوتية تكمن في انها قراءة فكرية من جهة ، وقراءة قدسية من جانب آخر ؟.
بمعنى : ان القراءة التي يطرحها القران بمفردة ( اقرأ ) الاولية ، هي قراءة فكرية عقلية تأملية نفسية ، يقدمها اسم الله للانسان كبوابة من خلالها يطل على هذا الوجود بفكره وعقله وتأمله ونفسه المنفتحة ، ولا حاجة به لغير تلك الادوات الانسانية ، فهي رؤية لم يساهم بها العقل الانساني ولا العلم البشري ، ولا التأمل النفسي ......، وانما هي قراءة ورؤية لاهوتية او الاهية ، منسجمة كل الانسجام مع الفكر والعقل والتأمل والقانون والكون والطبيعة والوجود الانساني ...، فهي وعلى هذا الاساس رؤية مقروءة ( باسم الله ) او باسم رب محمد رسول الله ص والذي هو هو نفسه رب العالمين جميعا ؟.
كما انها رؤية مقدسة ، بمعنى ان واضع هذه النافذة المطلة فكريا وعقليا ونفسيا على العالم هو الله سبحانه خالق هذا الكون والوجود والانسان ، ومن الصعب عندئذ القول : ان هذه الرؤية ليست : ( حق ) فخالق الافاق هو هو نفسه من وضع هذه الرؤية الافاقية ونسبة الصدق والاصابة والواقعية في هذه الرؤية تكون بدرجة عالية من الضمان الواقعي ، اما في حال وجود خطأ او تقييم او نظرة قاصرة بهذه القراءة والرؤية للعالم والكون والانسان ، فهو دليل على ان هذه الرؤية ليست لاهوتية قدسية ، وعليه فقد كان ولم يزل الطرح الاسلامي متحديا وعلى طول الخط الانساني بقوله : فلتأتي الانسانية باصدق من هذا الحديث او هذه الرؤية او هذه القراءة للكون والوجود والحياة والانسان ؟.
ان العلم البشري ، وكذا نظر الانسان الفلسفي ، وتأمله النفسي ...، ان كان محترما لنفسه لايطلق مقولة : ان هذه الرؤية الفلسفية الكونية او العلمية التجريبية او التأملية النفسية الانسانية....، هي نهاية الفكر والعلم والتأمل ، وهذا شيئ جدّ طبيعي فالافاق الانسانية محدودة القابلية ومتكاملة النمو التدريجي في الاستيعاب ، ولذالك هي ملزمة بطرح النسبية الفكرية والعلمية والنفسية ، والا فهي فاشلة عندما تطرح ( الحتميات والقطع ) في الرؤى والافكار ؟.
اما الرؤية والقراءة والافق الذي تطرحه ( اقرأ ) الاسلامية القرانية ، والمنطلقة من ( اسم الله ) وباسم الله وعلى اسم الله ومن نافذة اسم ربك .......... ، فهي قراءة حتمية قاطعة جازمة ، بعكس المعقول البشري ، فهي لذالك لابشرية ، - بمعنى - ان المعادلة هنا يجب ان تكون هكذا : اذا كانت الرؤية الاسلامية او القراءة الاسلامية لاهوتية فيجب ان تكون اطلاقية وقاطعة وحتمية في رؤيتها للاشياء باعتبار انها قراءة منطلقة من ( اسم ربك ) فلابد والحال هذه ان يكون ربك ذاك والذي تدعي انه خالق وعالم ومحيط بكل شيئ هو الاعلم والاقدر على اعطاء قراءة لالبس او شك او خطأ فيها في القراءة ، وهذا هو المطلوب اثباته ؟.
اذن تكون القراءة ( اقرأ ) القرانية هي القراءة التي ينبغي ان تكون الاوسع والاشمل والادق للكون وقوانينه والعالم وشؤونه والانسان ومصالحه ....الخ ، وبما ان القراءة القرانية ليس فقط تدعي انها قراءة ( باسم الله ) بل واكثر من ذالك تعلن التحدي على هذه الحقيقة ، فان الحال يبقى هو الاستسلام والسلام مع هذه الحقيقة حتى بروز حقائق تؤكد ان هذه القراءة القرانية غير حقيقية او واقعية للكون والعالم والانسان ، او هي متناقضة مع هذا القانون الكوني او متضاربة مع هذه الحقيقة العلمية ( مع ان العلم نسبيا هنا كان النص رؤوفا رحيما به في توجيهه ان قبل ذالك - وما اوتيتم من العلم الا قليلا ؟) ، او متناشزة مع هذه الفطرة الانسانية ...الخ
ولذالك كانت القراءة المنطلقة من ( اقرأ باسم ربك ) مقدسة من جهة وفكرية عقلية فلسفية تأملية نفسية من جهة اخرى ، فهي قراءة منفتحة وواسعة ، علمية وفكرية ، اقتصادية وسياسية ، نفسية وروحية ، قراءة تتميز بطرح القانون الكوني مضافا اليه البعد الاخلاقي ، والتأمل النفسي والتعبد الروحي ، والسير السياسي والنقد الاجتماعي ....الخ ، في نفس النص المقدس التي تطرحه رؤية ( اقرأ ) القرانية ؟.
اما ما يتعلق بالقراءة الثانية ، او مايتعلق بالبعد الثاني ل ( اقرأ ) القرانية وهو بعد ( اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم ؟.) فقد طرحت القراءة القرانية هذه البعد المادي البشري لعملية التعقلن العلمية ، وباعتبار ان الرمزية الانسانية الممثلة ( بالقلم ) هي العنوان الاخر لعملية الادراك الانساني ، فكانت الاشارة واضحة الى ان هذا البعد العلمي هو الاخر البعد المعرفي الاصيل ونافذته الانسانية الاخرى المطلة على العالم والكون والانسان والوجود ؟.
ان نافذة ( القلم ) القرانية ، هي الاخرى قراءة معترف بها اسلاميا - قراءة ما يخطه ويرسمه القلم - ، وباعتبار ان رمزية القلم لها اكثر من بعد فكري ، فقد ارتأت ( اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم ) ان يكون القلم نافذة اخرى للانسان مضافا الى نافذة ( اقرأ باسم ربك .) وكما ان القراءة باسم الله منفذا معرفيا ، فكذا القراءة بالقلم منفذا علميا اخر يلتقي مع القراءة القرانية ؟.
الحقيقة ان رمزية ( اقرأ باسم ربك ..) باعتبار ان الاستعانة بهذه الاسمية القدسية توفر النظرة العلمية ، لاتقل اهمية عن رمزية ( اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم ) فالتعليم والعلم والمعرفة والادراك ...................... الخ هو غاية الطرح الاسلامي الالهي سواء كان من خلال النافذة المقدسة الموضوعة (باسم الله ) او من خلال النافذة المفتوحة (بالقلم ) ، وباعتبار ان للقلم تاريخ يمتد مع الانسان ، بل ويتصل بصورة مباشرة مع مدارك الانسان العلمية والفكرية ، فقد كان ولم يزل هو الممثل او الرمز لكل ماهو علمي وفكري وعقلي للعالم الانساني ، بل ولكل ما هو تنويري في حياة البشرية حتى اليوم ؟.
الحق : ان مايميز الطرح القراني ل ( اقرأ ) القلمية هذه انها طرحت ( القلم ) بصيغة مختلفة عن المتعارف الانساني ، فهي هنا تطرح القلم فنيا ( معلّما ) ، اي كيانا ذا شعور ووعي ، يمارس عملية التعليم والتنوير للانسان :( الذي علم بالقلم ) فالتعليم الذي يأتي من خلال القلم ، وان كان مجازا لغويا - في كلام البشر - الا انه ومن زاوية اخرى حقيقة معرفية ، فالانسان يتعلم من القلم وبالقلم ، كتعلمه من التجربة او بالتجربة او كتعلمه من التفكير وبالتفكير والتامل الانساني في الوجود والعالم ، وعليه فهناك فرق بين ان ارى القلم وسيلة ميتة وظيفتها النقل والحفظ لعلم الاخرين ، وبين ان ارى القلم شيئا له فعل اخر غير النقل وهو التعليم - القلم القراني هنا مثل اقرأ القرانية تريد من ينفتح عليها كي تنفتح عليه كذا القلم هو بحاجة الى من ينفتح علية اولا قبل ان يتمكن القلم من الانفتاح على الاخر الانساني - ؟.
لاريب انه ليس لدينا تأريخ دقيق عن اللحظة التي اكتشف فيها الانسان أهمية القلم او اكتشف فيها العملية التي مكنته من استخدام القلم كوسيلة علمية وفكرية ، ولكن من المؤكد ان تلك اللحظة كانت من اهم اللحظات الانسانية في هذا العالم ( وان كنت اعتقد ان الانسان البدائي لم يلتفت اصلا لهذه الاهمية ؟) ، فاكتشاف الانسان لهذه الوسيلة هي بحاجة - حقيقة - الى تأمل من الصعب على الانسان الطبيعي او الانسان البدائي الذي تطرحه المدارس المادية وهو يعيش حالة التوحش من التوصل الى اهمية ابتكار هذه الوسيلة العلمية ، وربما هنا كانت التجربة الغير مقصودة تماما او الصدفة النسبية ( وليس ببعيد الوحي الالهي ؟) هي التي جعلت من اكتشاف قدرة القلم على الفعل العجيب ، وعلى العموم كان القلم ( سواء كان حجرا او شجرا او اي شيئ مادي له القدرة على الرسم والخط ) احد الادوات التي وفرت للانسان الافق الاوسع فكريا ونفسيا وهو يتخيل او يتأمل في رسم هذا الشيئ او ذاك من اشياء العالم الطبيعية او النفسية الانسانية كتعبير قبل اللغة ، وهنا وهنا فحسب نتمكن من فهم معادلة مساهمة القلم في التعليم ، فالقلم وبهذه الصورة البدائية الطبيعية ، يعطينا التصور الكامل لقدرته كفاعل مساهم في عملية التفكير والتامل والتصور للاشياء ، وربما كان اهل الفن ، في هذه الزاوية هم الاقدر على الاحساس والشعور بهذا المنعطف ، وهم يمسكون باقلامهم التي توحي لهم وتتفاعل مع مخيالهم الرائع لبناء لوحة فنية متألقة الجمال ، ومنفلتة الروح والنفس ، ليستشعر الفنان وبكل طاقته الروحية ان القلم هنا هو الذي يرسم وهو الذي يتحرك وهو الذي يبدع وليس اي شيئ آخر ...( اسئلوا الفنانين عن هذا ؟......... اسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون ؟.).
وعليه طرحت ( اقرأ ) القرانية الثانية مع ( وربك الاكرم ) مضافا اليها ( الذي علم بالقلم ) بعدا اكثر حيوية في عالم العلم الانساني وهو يمارس التعلّم بالقلم من خلال اطلاعه على الانتاج الفكري والعلمي الانساني من جانب ، ومن خلال تفاعله وتوحده واستماعه لدروس القلم العلمية والفكرية والتاملية من جانب آخر ، فالقلم وتعلم رموزه الكتابية هو اول الطريق لدخول عالم العلم وقراءة نتاجات القلم الانساني ، قراءة القلم الفلسفي وكذا العلمي او النفسي او العمراني او التاريخي .....الى اخر هذه القائمة العلمية من مفردات القلم العلمية ؟.
ان الله سبحانه القراني الاسلامي يطرح قراءة القلم باعتبارها قيمة علمية انسانية ، كانت ولم تزل هي القيمة الاكثر عمقا في حياة الانسانية ، فهو سبحانه الذي علم بالقلم وعلم الانسان مالم يعلم ، ولكنه سبحانه كما انه الذي مكنّ الانسان من التعلم بالقلم ، فهو القادر على ان يعلم الانسان بوسيلة ( اسم الله ) ايضا ، عن طريق الوحي والالهام للانسان ، فليست هناك غاية ل ( الله ) الاسلامي سوى ان يعلم الانسان وينوّر من افاقه الفكرية والعلمية وياخذ بيده ليكتشف اسرار هذا الكون وهذه الطبيعة ليستفيد من خيراتها من جانب ، وليطلع هذا الانسان المدللّ الاهيا على عظمة خالقه واستحقاقه للاحترام والعبادة فحسب ؟.
اذا ( اقرأ باسم ربك ..) قراءة وتلاوة فكر وتأمل الاهية اسلامية ، كما ان ( اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم ..) قراءة كتابية يدوية طبيعية كونية مادية في صفحات كتاب الكون والحياة والوجود والانسان :( وماكنت تتلو من قبله من كتاب ولاتخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون ) قراءة لشخصية الرسول المعظم محمد رسول الله ص ، فهل كان حقا محمد رسول الله لايقرأ ولايكتب القلم ؟.