الخميس، يناير 07، 2010

(( كيف عاد البعثيون للسلطة في عراق 1968 .... قراءة تجربة ))

حميد الشاكر


إن قراءة تجربة عودة البعثيين للسلطة بعد انقلابهم الاسود الثاني في 1968 م ، ودراسة كل حيثيات هذا الانقلاب وتكتيكات البعث السياسية للاستيلاء على السلطة من جديد في العراق ، وهكذا ابراز اهم مفاصل هذا الانقلاب ، وكيفية نجاحه ؟، وماذا يعني فكريا وسياسيا ونفسيا وتاريخيا .... سقوط عصابة البعث في 1963 م من السلطة ؟، وعودتهم من جديد لحياكة المؤامرات والانقلابات العسكرية الدموية التي ارجعتهم للحكم بالحديد والمؤامرة والنار لسدة القيادة في العراق ؟....الخ ، كل هذا ودراسته والتأمل فيه واخذ العبر البليغة من خلاله لعراق جديد خرج توّا من حكم البعث المقبور ، ويحاول صياغة معادلة ديمقراطية حرّة جديدة في عراق الجميع بلا تمييز مناطقي او طائفي او قومي عنصري.... يعتبر بالفعل واجبا توعويا سياسيا ثمينا بحاجة له الجيل الشاب العراقي الجديد الذي لم يعاصر تلك المؤامرات البعثية او الذي عاصرها الا انه لم يقرأ او يدرك من خفاياها الكثير ، وهذا طبعا لاسيما اننا في العراق الجديد اليوم واقعين فعليا تحت وطأة ارهاب بعثي قاعدي طائفي مناطقي عنصري بغيض من جهة ، ومؤامرات ومحاولات بعثية ارهابية اجرامية حقيقية لعودة البعث من جديد للانقلاب على المنجز العراقي السياسي الديمقراطي الجديد من جانب آخر !!.

نعم كان على وسائل اعلامنا العراقية الوطنية ، وفضائياتنا التي تفتح فكيها لالتهام الكثير من اموال الشعب العراقي ، وكذا لمواقعنا العراقية الوطنية وصحفنا ، وجميع منابرنا السياسية والثقافية ..... التوعوية ان تقوم بهذا الدور التنويري السياسي لمجمل الشعب العراقي ، وكذا تطرح بكثافة من خلال وسائل الاعلام الندوات والنقاشات والمقالات التي تتناول تجربة حزب البعث في عودته للسلطة ، وكيف عاد ؟، وكيفية حياكة مؤامراته المستمرة على حرية هذا الوطن وهذا الانسان العراقي ؟، .... ، ليدرك فقط الشعب العراقي وتنشط ذاكرته ووعيه من جديد نحو فكرة :(( هل يمكن ان يعود البعث للسلطة مرّة ثالثة ، ليطيح بالمنجز العراقي القائم الان ، ومن ثم ليعيد الكرة مرّة اخرى بقلب حياة العراق الى مقابر جماعية وظلمات وسجون ومعتقلات وتدمير الى مالانهاية ؟)) !.
أم ان البعث بعد ضربة العراق الجديد له سوف لن تقوم له قائمة من جديد ليعيش العراق والعراقيين بامان من سمه القاتل واجرامه الفتّاك الاسود ؟.

طبعا كل هذا لايمكن للمواطن العراقي ادراكه اذا كانت وسائل اعلامنا الوطنية والعراقية منشغلة بشئ اخر بعيد عن هذه الاجواء المؤامراتية الخطير ، وايضا لايمكن للمواطن العراقي ولاسيما جيل الشباب الذي لم يعاصر او يتمكن من الاطلاع على مكر العقلية البعثية الاجرامية السياسية ان يفهم : (( ماذا يعني الخطاب العراقي الوطني الان عندما يحذر من عودة البعث لسلطة العراق الجديد من خلال المؤامرات الاقليمية والداخلية في هذا العراق الجديد ، ليطيح بالتجربة مرّة ثالثة ))؟!.

وعلى هذا اوجه ندائي ومايذرفه الان قلمي المتواضع لمناشدة جميع وسائل اعلام العراق الجديد ان تقوم بحملة توعية سياسية منذ الان الى حلول انتخابات العراق البرلمانية القادمة تطرح من خلالها تجربة البعث الاولى في 1963م والثانية في 1968 م ، للاستيلاء على السلطة في العراق ، وكيفية هذا الاستيلاء ؟، والطرق التي انتهجها البعث داخليا ، واقليميا ودوليا للعودة لسدة الحكم من جديد ؟،.... الخ ، لتكون كل هذه المحاور مادة توعية واقعية للشعب العراقي وتوظيفها لفكرة :(( الخوف والحذر من عودة البعث من جديد لواجهة السياسة العراقية في العهد الديمقراطي القائم ))!!!!.

نعم من جانبنا يمكن ان نطرح عدة اسألة حيوية حول مؤامرات البعث الصدامي الفئوي والطائفي والمناطقي والعنصري الذي (( يجاهد )) اليوم مع القاعدة الارهابية الوهابية السعودية في الداخل العراقي من جهة ، ويناضل اقليميا ودوليا مخابراتيا من خلال فتح قنوات جديدة مع المخابرات الامريكية من جانب اخر ليضمن العودة الحميدة الثالثة للعراق من جانب ثاني ، كما فعل بالضبط في انقلابه الثاني في عام 1968م عندما اشار المخلوع عبد الرحمن عارف انذاك حول شعوره بان هناك ايدي خارجية كانت تقود انقلاب البعث الثاني الذي اعادهم لواجهة الحكم في العراق من جديد !!!.

ولكننا هنا سنكتفي فقط باثارة سؤالين فكريين ونفسيين حيويين في هذه الموضوعة :

الاول : هل فعلا فكرة عودة البعثيين للسلطة في العراق واردة عند الفكر البعثي الصدامي ، وعليه لم يزل التخطيط التآمري القديم قائما اليوم داخل خلايا البعث والجريمة داخل العراق وخارجه ، لاسيما في مناطق النفوذ البعثي القديم تاريخيا والجديد حاليا ؟.
أم ان ضربة عام 2003م لنظام حكم البعث وازلامه المجرمين قد كسر ظهر هذه العصابة الفئوية والطائفية الى الابد ؟.

ثانيا : كيف استطاع البعث العودة في 1968 م الى السلطة مع عدم وجود اي قواعد شعبية حزبية لهم في معظم العراق من شماله الى جنوبه ، بالاضافة الى انهم لم يكونوا واجهة انقلاب 68م على عبد الرحمن عارف ؟.
وهل من خلال القوّة فحسب ( العسكرية الانقلابية الدموية للنايف والداوود وغيدان والبكر والحديثي ... ) استطاع هؤلاء العودة للحكم رغم انف الشعب العراقي ؟.
أم ان هناك لعبة الخطوة خطوة الكيسنجرية الامريكية انتهجها البعث لوصوله وانفراده بالسلطة وعودته اليها ليصنع انقلاب الانقلاب على من شاركه بالانقلاب عام 68م ، ومن ثم ليكون البعث هو الحزب القائد لاغير ؟.

طبعا في معرض جواب السؤال الاول يمكننا التأكيد على ان تاريخ البعث والبعثيين الدمويين ونجاحهم في العودة للسلطة تاريخيا ، جعل ذهنيا ونفسيا وفكريا لدى كل البعثيين اليوم في داخل العراق وخارجه فكرة امكانية اعادة التجربة للمرة الثالثة وامكانية نجاحهم من جديد :(( ان احسنوا التخطيط والتماسك والصبر ومكافحة الوضع السياسي العراقي الجديد واثارة القلق داخله والارهاب وتحركه في شوارعه كل يوم ، وسفك الدماء وتأليب الراي العام العراقي والعربي على العراق الجديد وتوظيف الاعلام والاقلام لعدم الاعتراف بشرعية العراق الجديد وفتح صنابير الاعلام على التشهير بواقعية التجربة الجديدة وامكانية استمرارها وكمية الفساد داخلها .....الخ وهكذا )) ، منطلقين بكل حركاتهم ونشاطهم وتطلعاتهم وعدم يأسهم ... من تلك التجربة التاريخية التي اثبتت ان الذكاء والعنف والاجرام والدهاء السياسي هن عوامل النصر الحتمية لاي عصابة مناطقية او فئوية او طائفية تريد الوصول للسلطة والحكم في العراق ، وهذا كله طبعا ايضا يدفع دول اقليم مجاورة للعراق ومتضررة من العراق الجديد ووضعه الديمقراطي كذالن ان تؤمن بواقعية عودة البعثيين مرّة اخرى للسلطة في العراق ، بل ويدفعهم ذالك التاريخ الاسود للبعث للثقة اكثر بقدرة البعثيين المجرمين على امكانية العودة من جديد لداخل العراق وحكمه بشكل قريب من الشكل التاريخي القديم !!.

ان هذه العوامل النفسية والتاريخية والقدرية والاجرامية البعثية كلها تؤكد للشعب العراقي ووضعه الجديد القائم ان الدينمو المحرك للبعثية الصداميين وكذا للاقليم المعادي للعراق شعبا وارضا هي الفكرة التاريخية بالاساس مضافا اليها الامداد اللامحدود لدول الجوار لبعثية العراق كي يقلبوا ظهر المجن ويعيدوا عقارب الساعة الى الوراء ليعيد التاريخ نفسه ولكن بتفاصيل مختلفة لاغير !!.

اليوم تُعاد نغمة عودة البعثيين من خلال تهيئة الارضية لها باسم ( المصالحة العراقية ) من جهة ، وضغط قوى اقليمية واخرى عالمية على الوضع العراقي الجديد للجلوس مع بعثية الداخل والخارج العراقي ليستقرّ الوضع في العراق الجريح
والحقيقة ان تكتكيك البعث اليوم لعودته للعراق اولا تحت بند سياسة الخطوة خطوة ، وثانيا لالتفافه من جديد حول دوّار سياسته التآمرية القديمة وتهيئة بعض دول الجوار العراقي ( الجناح الامريكي داخل تركيا والسعودية ) لطاولة حوار بين المخابرات الامريكية والاخرى من منقرضي البعث المباد ، لم تختلف كثيرا عن ما انتهجه البعث في 1968م من سياسة مكر ودهاء وتآمر للعودة الى السلطة في العراق من جديد !!.

الا ان الفرق بين القديم والجديد هو في القديم استطاع البعثية ان يدفعوا بانقلابهم الثاني المشؤوم واجهة عسكرية نفعية وتلعب على جميع الحبال الايدلوجية ( قومية اشتراكية ناصرية بعثية اخوانية ) من امثال النايف والداوود والحديثي وغيدان .... ليقف البعثيون خلف هذه الواجهة للترقب والمراقبة حتى ساعة الانقضاض ، وبالفعل ماهي الا ايام حتى بدت بوادر ظهور سلطة البعث من جديد ولكن بعد ان احكمت السيطرة على عصب الدولة وقواها الفعلية في الجيش والاستخبارات والداخلية والحزب ... وهكذا !!.

بينما اليوم هناك واجهات سياسية نفعية مشتراة (( امثال علاّوي والمطلك ... وباقي مروجي المصالحة مع البعث )) من قبل المملكة السعودية بالتحديد (( كما اشترت عبد الرزاق النايف في انقلابه في السابق بالضبط )) ليكونوا المنصات او الخطوة الاولى لعودة حزب البعث الى واجهة السلطة والبرلمان في العراق الجديد ، ومن ثم يتحرك البعثيون بدهائهم ومكرهم واجرامهم المعهود من داخل العراق لاعادة صياغة العملية السياسية من الداخل ( وهذا ما يدفع البعثيين للمطالبة بتغيير الدستور ) وخلخلة التوازنات العسكرية والاستخباراتية والامنية لصالحهم فيما بعد ، والانتظار بعدها لترقب لحظة الانقضاض من جديد على العراق واهله وحكمهم بالنار والحديد مرّة ثالثة ، وكل هذا كما في السابق يتم من خلال التوقيع على صفقات تجارية يمهرها البعثيون مع دول استعمار قديم توفر مصالح دول استعمارية كبيرة بامكانها ان تتخذ دور العرّاب لعودة البعث تحت بند الديمقراطية والمصالحة الى العراق قبل حكمه !!!.

ان تجربة الانقلابات البعثية العسكرية السابقة والتاريخية ، وممارسة الكوادر البعثية لسياسات الغدر والمؤامرة المتجذرة في مناهجهم الحزبية والسياسية ، تجعلنا كشعب عراقي على يقين مطلق ان حزب البعث لايمكن له ان يؤهل سياسيا وفكريا ليشارك في اي عمل سياسي عراقي ديمقراطي سلمي فضلا عن كونه تداولي وتوافقي ، وهذا كله غير منطلق فقط من شحنات العاطفة والكراهية ضد هذا الحزب وكوادره الاجرامية وما فعلوه بالشعب العراقي لفترة اكثر من خمس وثلاثين سنة فقط لاغير ، وانما هي رؤية عراقية من خلال التجربة والحسابات السياسية الدقيقة ،وضعت الشعب العراقي على حقيقة حزب البعث ، وانه حزب وكوادر تؤمن بالغدر والمؤامرة والعنف والاجرام فقط بالاستيلاء على السلطة ، وان اي حديث حول المشاركة والديمقراطية في ادبيات حزب البعث والبعثيين اليوم ماهو الا خداع سياسي مكشوف لهذه الكوادر الاجرامية لاغير ، وعلى هذا الاساس ومن خلال التجربة والدراسة لمكونات واساسيات وادبيات وثقافة البعث العراقي يجب ان يدرك الشعب العراقي ان مجرد التفكير او الاستسلام لضغوط الارهاب في الداخل او ضغوط الخارج بعودة البعث او القبول به كشريك في عملية بناء العراق الجديد هو اكبر خدعة لاينبغي على الشعب العراقي ان يقع تحت طايلتها الكارثية ابدا !!.

نعم حزب البعث الفئوي العنصري الطائفي الذي ادرك من اول يوم له في السلطة حتى اليوم انه حزب اقلّية لايمكن له الاستمرار بالحكم بدون القوّة والبطش والاجرام ، هو نفسه حزب البعث اليوم الذي يدرك تماما انه حزب منبوذ ومكشوف للعراقيين جميعا ، ومن هذا المنطلق وبفقدان امثال هذه الحركات الهدامة المكونة من عصابات عشائرية وقبلية ومناطقية وطائفية للشعبية وللقاعدة الجماهيرية فانها ستجد نفسها مرغمة على انتهاج المؤامرة والعنف والاجرام والقسوة للوصول الى الحكم وعودته للسلطة بكل وسيلة !!.

في التاريخ تُسمى حكومة الاخوين عبد السلام وعبد الرحمن عارف ( القومية اسما والناصرية سياسية نفاقية ) بانها حكومة (( العفرته )) نسبة الى اللاقانون من جهة ، ومن جهة اخرى لان هذه الحكومات الفئوية كانت دوما تحتفظ برأس هرم للسلطة يكون من مناطق او بلدات صغيرة في العراق هي ( عانة وفلوجة وتكريت وراوة وهيت ) وهي نفسها التي تحمل كلمة ( عفرتة ) الحروف الاولى من اسمائها وعلى هذا الاساس جاء ايضا حكم حزب البعث العربي الاشتراكي الذي بدأ بشعارات اشتراكية لينتهي بحكم بلدة ابناء تكريت ومن ثم لعائلة البيكات حتى انتهى لحكم عائلة القائد الضرورة صدام حسين المشتوق بامر العدالة الالهية ، ولكن بعد كل هذه الدروس الذي وعاها الشعب العراقي من حكم البعثية وكوادرهم الوسخة : هل ياترى مازال العراقيون مستعدون لخوض تجربة جديدة مع البعث وغدرهم ؟.
أم ان العراقيين اليوم قد فطموا من دائرة الطفولة السياسية وادركوا بوعي كامل مصالحهم السياسية واين تكمن ومع من وفي اي طريق تكون ؟، ولهذا سيكون العراقيون على ثقة ويقين انهم اكثرية ووزن ومعادلة لاوجود للعراق بدونهم ، وانهم فقط بحاجة الى ادراك حقيقة : ان حكومة عراقية تشكل من خلال انتخاب شعب ولها جماهير وامة كاملة ترفدها بالتضحية لايمكن لعصابة بعثية ان تعود على اكتافهم بالخداع للسلطة من جديد وتحت اي مسمى وباي واجهة رخيصة مستعدة لبيع حياة العراقيين لاموال البترول الخارجية !!.