الخميس، يناير 07، 2010

(( العيش في زمن الاسلام قانونا وفكرا نواة للتقدم والتطور ))


حميد الشاكر

عندما يعيش اي مجتمع تحت اطار قانون وفكرة ما ، فانه وتلقائيا سيتنفس روحه وابداعه وابتكاره وتطلعاته ...الخ من هذا القانون ، وتلك الفكرة ، التي تسيّر من حياته ، وتنظم من شؤون حركته وعلاقاته الاجتماعية وارتباطاته الانسانية بلا شعور ملموس منه ، ولا احساس مادي مباشر بهذه التفاعل الخلاّق ، بين الانسان كمشروع خلافة وبناء لهذه الحياة من جهة وبين القانون والفكرة المهيمنة على حياته الاجتماعية من جانب آخر !!.

والحقيقة ان الاسلام كرسالة عندما أطلّ بوجوده العملاق والكبير على هذه البشرية الضائعةكان يحمل في جعبته لهذا الانسان سفينتان لنجاته من مهلكة الجاهلية واسباب الانحطاط والتمزق والتخلف والتشظيات الاجتماعية ،التي كان يعيش فيها وداخل كنفها الانساني المظلم والاسود :

الاولى سفينة : الفكرة ، التي الهمت البشرية من المسلمين الاوائل الرؤية للعالم والتصور للاشياء والعقيدة والمقدس والفهم والادراك والوعي والارتفاع نحو الاعلى وترك النزول للاسفل والتشبث بالارض فقط !.
الثانية سفينة:القانون والذي تحمل مسؤولية واعباء تنظيم حياة الفرد والاسرة والمجتمع والقضاء والاخلاق والحكم والتشريع داخل الفضاء الاجتماعي الاسلامي الانساني !!.

وبهذه الثنائيتين ،ومن خلال ربط الاسلام ربطا مباشرا بين(العقيدة او الفكرة وبين القانون او الحكم)استطاعت هذه الايدلوجيا الفكرية الاسلامية من صناعة مجتمع جديد وبعلاقات اجتماعية مبتكرة ورصينة وقوية وبرؤى وثقافة وتصورات ووعي عالي ومرتفع وراقي جدا !!.

نعم حذر الاسلام نفسه من جانب اخر مجتمعه الاسلامي من مكيدة ،وبئر الفصل ( بين الفكرة والقانون او بلغة العصر الفصل بين الدين والدولة ) باعتبار ان مثل هذا الفصل في حال وقوعه يتمكن من شرذمة قوّة النظام الاسلامي وقدرته على صناعة المجتمع المتكامل ،والقادر على الابداع والتطور واكتساب القدرة والقوّة في الان الواحد ، وهذا من منطلق رؤية الاسلام نفسه من ان هذا الفصل سيفقد الاطروحة الاسلامية تكاملها الذي اتت به لصناعة امة متكاملة من جميع الجوانب من جهة ، ويفقد ايضا النظام الاسلامي الكامل مقدرته على التشكيل ، وصياغة رؤيته الى صناعة الانسان الغير مزدوج في حياته الاجتماعية والقانونية والفكرية ايضا من جانب اخر !!.

بمعنى اخر ، ان الاسلام اكدّ على فكرة انه اطروحة (متكاملة) وتؤخذ باعتبارها حزمة واحدة ووصفة علاجية مترابطةلايمكن لها التجزيئ ، او يمكن الاقتطاع من جسمها العام ليؤمن ببعض الاسلام كأن يؤمن المجتمع بالفكرة ، ويترك القانون والحكم الاسلامي ، ليأتي اي مجتمع بقانون من عندياته ليرقّع حالة ادارة المجتمع بلونين ، بعقيدة وفكرة هي اسلامية وبحكم وقانون هو عالمآني مصلحي يريد ادارة المجتمع حسب اهوائه ونظراته السياسية القاصرة !!.

لا .. الاسلام والقرآن صريح في وحدة اطروحته الفكرية والقانونية الاسلامية المتكاملة وانها فكرة منذ خلق الله الخلق والى يوم البعث العظيم ، هي اطروحة قائمة بوحدةٍ بين الفكر والقانون ، ولايمكن اجتزاء بعضها ،والاكتفاء بالبعض الاخر ، يقول سبحانه وتعالى مؤنبا المؤمنين :((أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذالك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردّون الى اشدّ العذاب / 85 البقرة )) !.

اي ان الايمان بالاسلام والدين والشريعة الالهية لابد ان يكون كاملا وتامّا بكل هيكل النظام الذي انزله الله سبحانه وتعالى ، ولايؤخذ مجزأً كأن توخذ العقيدة الفكرية من الاسلام ويترك كل احكامه وقوانينه على اساس الاكتفاء بالبعض والاستغناء عن البعض الاخراو يؤخذ من الدين الحكم والقانون والسلوك وتترك العقيدة او الفكر او التصورات ليستغنى بالتطبيق عن النظرية ، او يجزّأ هنا في الفكر او هناك في القانون ليؤخذ مايوافق الاهواء والمصالح البشرية ويترك الاخر ....الخ !!.

لا ان هذا ليس مسموحا به اسلاميا ولاهو من روح النظرية الاسلامية التي طرحت مدرسة اسلامية متكاملة الاركان والجوانب ودعت للاخذ بهذا الكلّ بلا تجزيئ ولاتفصيل او فصل بين فكرة او قانون !!.

ثم بعد ذالك يطرح الاسلام رؤيته حول اشكالية الفصل بين الفكرة والقانون هذه ليؤكد حقيقتين كبيرتين تتبع جريمة الايمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض الاخر وهما :

اولا : حقيقة ان من جزأ الاسلام وفصل بين بنيانه المتكامل والموحد فانه سيجني (( خزيٌّ في الحياة ))!!.
ثانيا : حقيقة ان المجتمع الذي يرضى بعملية الفصل والتجزيئ هذه هو مؤثم ومُدان امام الله سبحانه وتعالى ايضا في الاخرة ومسؤول مسؤولية كاملة امام الله سبحانه عن عملية الفصل تلك (( ويوم القيامة يردّون الى اشدّ العذاب )) !!.

وكلتا هاتين الحقيقتين بحاجة بالفعل الى دراسة وتأمل فالاولى من حيث سؤال :لماذا مَن يمارس التجزيئ والفصل بين الفكرة والقانون في الاسلام يصيبه الخزيُ والتردي والاندحار والتخلف حسب المنطوق القرآني الاسلامي العظيم في الدنيا ؟.

والثاني تحت سؤال : ولماذا كان المجتمع مأثوما ومسؤولا امام الله سبحانه عندما يمارس عملية تفكيك التماسك الاسلامي ، او يحاول تفتيت وحدة الفكرة الاسلامية التي تقول بالدمج بين كل الفكر والقانون الاسلامي كحزمة عملية واحدة ؟.

الحقيقة ان الجواب حول السؤال الاول يبدو واضحا من منطلق : ان الاسلام عندما دعى المجتمع الانساني للايمان به كله في الدين والدولة او في الفكرة والقانون ، فانه بالمقابل وعدهم ان الايمان بالاسلام ككل سيوفر للمجتمع حياة متطورة ومتكاملة ونامية ومتماسكة ومزدهرة ككلّ ايضاعلى شرط الايمان به ككل وتطبيقه كحزمة ادارة اجتماعية واحدة :((وألو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماءً غدقا )) !.
وقوله سبحانه :(( ولو أن اهل القرى آمنوا وأتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ))!!.

ومن هذه الرؤية ، طرح الاسلام نفسه على اساس انه شبكة فكرية ، وقانونية اقتصادية وسياسية اجتماعية ، وفردية اخلاقية وروحية ....متكاملة ، وكل هذه الزوايا في الحياة شبابيك متداخلة بعضها على البعض الاخر واي خلل اجتماعي او نفسي او سياسي او اسري .... فانه سيؤثر على باقي دوائر المجتمع المتنوعة ، وبهذا عالجت الاطروحة الاسلامية المجتمع ومشاكله ككل واحد ،وغير متجزأ ولا منفصل فيه دائرة عن اخرى ،فليس هناك فصل بين مشاكل الاسرة في المجتمع ومشاكل السياسة في الدولة والحكم كما انه ليس هناك انفصال من وجهة نظر الاسلام بين المشكلة النفسية ،او الروحية والمشكلة التي تتداخل معها في الاقتصاد وغير ذالك !!.

وعليه نظرّالاسلام لوجوب طرح المعالجة الشاملة للمجتمع لتاتي النتائج الايجابية ايضا متكاملة وحزمة واحدة لاغيرومن هنا كان التوحيد في الخطاب والرؤية والمعالجة ...الاسلامية للمشكلة الاجتماعية ككل لايتجزأ باعتبار ان مشاكل المجتمع هي في حقيقتها ايضا كلّ لايتجزأ ، واي تجزيئ في معالجة مشاكل المجتمع ستصاب المعالجة بالفشل لاريب في ذالك وعدم مجيئ اي نتائج ايجابية وفاعلة وقوية في حلحلة الاشكالات الموجودة !!.

وهكذا الاسلام عندما ركب (( الخزيُ في الحياة الدنيا )) على من يؤمن ببعضه ويكفر بالبعض الاخر ليقول لنا بصريح العبارة : انه اولا مشاكل المجتمع الواحد لايمكن ان تؤخذ وتعالج مجزأة ، وثانيا ، الاطروحة الاسلامية لاتتمكن من معالجة المجتمع ومشاكلة وتزحف به نحو التقدم والتطور ...بدون هذا التكامل والوحدة في احكامه وافكاره ، فمن يأخذ حكما واحدا من احكام الاسلام ( مثلا ) ليطبقه على المجتمع ويترك الحكم او جميع القانون الاسلامي بلا تطبيق ، فان مثل هذه الانفصالية والتفتيت للاسلام واحكامه لايمكن له ان يكون فاعلا في علاج مشاكل وامراض المجتمع بكل تلاوينها السياسية والاجتماعية والاخلاقية والنفسية والاسرية ..... !!.

بل ان أخذ بعض احكام الاسلام لتطبيقها اجتماعيا ، والكفر بالبعض الاخر ، سيكون مضار تطبيق هذه الاحكام اكثر بكثير مما كان مرسوما ايجابيا لها اسلاميا ،مما يعرض الافكار والقوانين الاسلامية للنكسة في العمل والنكسة بالنتائج ، وهذا مايعرض بالجملة السمعة الاسلامية للتخريب ايضا مع ما تدمرت به حياة المجتمع البعيد عن انقاذ الحكم الاسلامي لخزيه من الحياة المتردية ، وبهذا كانت المسؤولية الاخلاقية أمام الله سبحانه للمجتمع باعتباره قبل بممارسة الفصل والتفتيت للحكم والقانون والفكرة في الاسلام ليكون المجتمع كل المجتمع مسؤولا امام الله سبحانه ب (( يردّون الى اشدّ العذاب )) لتضييعهم الامانة والمحافظة على الاسلام وتكامله ووحدته في التطبيق .........، مضافا لذالك ضنك حياة المجتمع نفسه واندحاره وتخلفه بين العالمين وماينتج عن ذالك من :(( ومن يعرض عن ذكر به يسلكه عذابا صعدا )) !!!.

إن من مميزات العيش تحت مظلة الفكرة والقانون الاسلامي ،ان هذه الفكرة وهذا القانون الكامل بالاضافة الى استطاعته خلق روح اجتماعية متآلفة لايستطيع اي قانون وفكرة اخرى ايجاها ، هو كذالك عيش تنبني فيه روح الابداع والتطلع والحركة داخل المجتمع وبكل تلاوينه المتعددة وبما فيها تلوين المجتمع غير المؤمن بالاسلام كله ايضا !!.

اي ان من مميزات القانون الاسلامي الروحية ، انه قانون اخذ بنظر اعتباره ، كيفية دمج المجتمع تحت روح ، متآلفة متحابة واحدة ،ولم يأتي باعتباره قانونا جافا لادارة المجتمع وضبط حركته ومنع اعتداء بعضه على البعض الاخر لاغير كما نراه في القوانين الوضعية والغير شرعية اسلامية في حياتنا المعاصر ، بل انه قانون راعى الجانب الروحي للمجتمع بحيث انه ابتكر بعض الروابط المجتمعية التي تصهر هذا الخليط المعقد في بوتقة الاسرة المتراحمة الواحدة ،وهذه الحقيقة تبرز عندما نلاحظ النص القرآني التالي الذي اراد ايصال حقيقة قدرة القانون الاسلامي على عملية الدمج الاجتماعي هذه بقوله سبحانه :(( لو انفقت مافي الارض جميعا مآ ألفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم )) !!.

اي :لولا ان الله سبحانه وضع قوانينا تستطيع ان تؤلف بين قلوب المجتمع الاسلامي ، لما استطعت يامحمد يارسول الله ص لاانت ولاغيرك ولو انفق ما في الارض جميعا من مغريات ليشتري ولاء الالفة له ، ولكن الله سبحانه باعتبار انه العزيز القادر الوحيد والحكيم المطلق استطاع ان يطرح قانونا وفكرا اسلاميا واحدا ان آمن به المجتمع فهو كفيل لهم بجعلهم على الفة قلب رجل رحيم واحد ، تصنع لهم هذه الالفة المحبة ومن ثم التماسك امام الاعداء والقوة والتعاون في بناء الحياة !!.

وهكذا في جانب ان العيش داخل الاطار الاسلامي الفكري ، والقانوني هو الوحيد القادر بالفعل ، للدفع بالحياة الاجتماعية الى التغيير والنهضةمن منطلق ان الاطار الاسلامي فيه من المميزات الذي تهب الحياة الاجتماعية الحركة والجدل والتطور بحيث انه وحتى الملحدين ( مثلا)داخل الاطار الاسلامي سيستفزون فكريا للابداع في كل افاق الفكر الانساني التأملية ليكون عطائهم الفكري وانتاجهم الثقافي ايضا مختلفا وخلاقا ومبدعا اكثر مما يتصوره عقل وهذا بخلاف النظم التي تستطيع تفجير صاعق الابداع البشري لفترة محدودة وسرعان ماتموت روح الدفع في هذه القوانين الفكرية المحدودة العطاء !!.

تساءل المفكر البوسني ورئيس جمهوريتها الراحل علي عزت بكوفتش في كتابه الاسلام بين الشرق والغرب ، عن السرّ الذي جعل جميع مفكري وفلاسفة وفناني وعبقري وعلماء ...الغرب يولدون في زمن سيطرة الكنيسة والدين على اوربا في قرونها الوسطى الذي اسماها العصر الحديث بالقرون المظلمة ، بينما اليوم ، وتحت العيش في عصر الالة التكنلوجية ، الغرب اعجز مايكون من ولادة فيلسوف او مفكر او فنان او عبقري بحجم ماولدته العصور الدينية المظلمة انذاك يهب لهذه الحياة نسمة تحضر تدلل على انه عصر محترم فعلا وقادر على الابتكار بالحقيقة ؟...
هل لان العصر انذاك لم يكن على الحقيقة مظلما ولكن لحقد العصر الحديث عليه اطلق عليه صفة الظلامية ؟.
واذا كانت العصور الوسطى ظلامية بالفعل ، فلماذا عصور الالة اليوم لاتستطيع انتاج فلاسفة بحجم فلاسفة العصر الوسيط الاوربي او فنانين او شعراء او كتّاب او ادباء بحجم اؤلئك الذي لم نزل نقرأ لهم على اساس انهم الاكثر عبقرية بشرية على طول التاريخ ؟.

صحيح : لماذا يبدو ماقاله المفكر علي عزت فيه رائحة الواقعية من حيث ان العيش في الاجواء الظلامية القديمة كما يصفها عبيد الالة في العصر الحديث خلقت لنا كل هذا الكمّ الرائع من المفكرين والعلماء والفلاسفة والفنانين على الرغم من المعاناة ، بينما نحن اليوم عاجزين عن ولادة فنان او فيلسوف واحد يرفع الراس لهذا العصر الظلامي الرديئ والمنحط الذي نعيش فيه ؟.