الخميس، يناير 07، 2010

(( ثقافة نقد السلطة وفلسفة ممارسة الحكم في العراق الجديد ))


ماعمرُ ظاهرة نقد السلطة ومعارضة الدولة في وطن كالوطن العراقي وعند شعب حضاري وجمهور فسيفسائي متنوع يملك من العمر الآف السنين المتطاولة ؟.
ثم ماعمر ثقافة ممارسة السلطة لهذا الوطن وعند هذا الجمهور العراقي ليرى نفسه صانعا ومنتجا للسلطة والدولة وليس مستهلكا لها ومعتصرا حياتها وطالبا لازهاق انفاسها ؟.
سوف لن اذهب بعيدا غائرا في التاريخ عندما خُلقت اول قرية اجتماعية بشرية في جامو الشمالية العراقية قبل اكثر من عشرة الاف سنة عندما اكتشف الانسان عملية تدجين الحيوان منزليا وزراعة الارض ،ولا ارجع بمتوالية هندسية لسبعة الاف سنة عندما اتضحت رؤية ظاهرة السلطة والدولة ، في مقابل الشعب والمجتمع في ممالك اور ، او سومر ، او مابعد ذالك لاكتشف علاقة الدولة مع المجتمع العراقي وما انبثق منها من ظواهر جدلية وكيف تبلورت رؤية المجتمع العراقي للسلطة والدولة وكيف كانت ردّة فعل الدولة والسلطة على هذا العنف الاجتماعي والسياسي المتبادل !!.
لكنّ دعوني ابدأ منذ الف واربعمائة عام منذ بزوغ شمس الاسلام العظيم على هذا العالم بصورة عامة ،وعلى الوطن العراقي ، بصورة خاصة لأتحسس نوع العلاقة الناشئة مابين الدولة والسلطة في الاسلام ومنذ فجره ،ومابين الشعب والجمهور العراقي منذ ان تلاقى مع الدول والسُلط السياسية التي تشكلت في ظلّ الاسلام ، وتبعا له فيما بعد حتى يوم الناس الحاضر لاسأل: هل كانت الدولة والسلطة في ظلّ الاسلام وفي يوم من الايام صديقة ومحبة ،وعادلة مع هذا الشعب العراقي الذي يمتد عمره لفجر السلالة الادمية البشرية العاقلة على هذه الارض ليكوّن حول الدولة والسلطة رؤية ايجابية ؟.
أم ان الشعب والجمهور العراقي في هذا الوطن الجغرافي قد تلاقى مع دُول الاسلام ، التي ورثت دول الحضارات القديمة في هذا الوطن العراقي بعلاقة اقلّ مايقال عنها ان الشعب العراقي حاول تقويم العلاقة مع الدولة ، والسياسة ، وطبقة الحكم فيها ، لكن دون جدوى وكلما حاول الشعب العراقي الالتفاف والتعبير عن نفسه بسلمية داخل السلطة والدولة ، كلما ابتُلي بطغاة وفراعنة يحاولون ترويض العراقيين للعبودية وليس لأدارة المجتمع بالسياسة والتنمية والاصلاح لهم ولمداركهم المعيشية الدينية والدنيوية ؟؟.
الحقيقة ان الشعب العراقي بجغرافيته هذه من الشعوب التي كانت فيه مركزية الدولة ، وقوّة بطشها تمثل منزلة الروح من الجسد وتُعبّر عن ظاهرة تاريخية تراكمية طبيعية لاسيما ان هناك عدة عوامل سياسية واخرى اقتصادية ومنها ايضا الجغرافية والشئ الاخير اجتماعية تجعل من المركزية للدولة وضرورة قوتها في بلد كالعراق وجغرافيته وموقعه وماله من ثقل تاريخي..... امر لامناص منه في بقعة جغرافية وتاريخيا كانت ممرا لحروب متنقلة وفتوحات وتوسعات امبراطورية تاريخية وحتى اليوم لاترى لها سلطان ، وسلطة على الدنيا كلها اذا لم تطأ ارض العراق وتهيمن على الشعب والجمهور فيه وتحكمه بقبضة من حديد وكل هذا على اساس انه ارض يمثل اولا واخيرا ارض معركة قبل ان يكون هذا الوطن ارض جمهور وعمران وبناء وحضارة واستقرار.... ولهذا كان ولم يزل العراق مرهونا وجوديا سياسيا بوجود قوّة الدولة ومركزيتها الحتمية الشديدة من جرّاء مايتعرض له هذا الوطن الحيوي من اطماع خارجية من جهة ،ومن ما ينعكس عليه في الداخل من مؤامرات تحاول اضعافه من الداخل مما يدفع الدولة والسلطة وطبقة الحكم فيه دائما الى ضرورة اليقضة ، والحذر والاشتباه والشك ....في كل فرد من افراد هذا الشعب ، والجمهور العراقي في داخل هذا الوطن باعتبار انهم عرضة طبيعية للاختراق الخارجي ، ونواة لايمكن الركون سياسيا لهدوئها من هنا او هناك !!.
وهكذا كانت للعوامل الجغرافية والسياسية والتاريخية والاقتصادية والاجتماعية ... وكل ذالك مدخلية مباشرة في صياغة نوع العلاقة واشكالياتها بين الدولة والسلطة والحكم في العراق وبين الجمهور والشعب داخل هذا الوطن ، واذا اضفنا لكل تلك العوامل الطبيعية عامل تسلط الطغاة على مدى قرون متواصلة على هذا الجمهورفحتما اننا سنصل الى نتيجة مركبة ومعقدة مفادها(ان الشعب العراقي وفي تاريخه الطويل لم يمارس الحياة مع السلطة والدولة الا بشكلها المتصادم والمتشنج والمناهض دوما للدولة ومسارات حكمها التي في معظم الاحيان تكون خادمة لطبقة الحكم في هذا الوطن على حساب مصلحة الشعب وامكانية التعبير عن نفسه داخل الدولة )!. وعلى اساس هذه النتيجة نكون قد وقفنا وجها لوجه أمام جواب سؤال ماعمرُ ظاهرة نقد السلطة ومعارضة الدولة في وطن كالوطن العراقي وعند شعب حضاري وجمهور فسيفسائي متنوع ومعقد ومتضارب المصالح يملك من العمر الآف السنين المتطاولة من جهة ؟.
ومن جهة اخرى نكون قد اشرنا الى انه : لماذا تتوتر هذه العلاقة تلقائيا وما اسباب ذالك وكيف ان للجغرافية ايضا وللموقع التاريخي كذالك مدخلية في فرض معادلة مركزية الدولة والسلطة القوية في بلد كالعراق وضرورتها الحتمية من جانب وما لهذه الحتمية الطبيعية من انعكاسات سلبية تلقائية على العلاقة بالمجتمع العراقي الذي كلما حاول ان يعبر عن نفسه سياسيا بحريةكلما اصطدم بجدار مركزية الدولة القوية وعدم تمكنها من التنازل قليلا عن هيمنتها السياسية والامنيةليتنفس المجتمع الحرية خوفا من انفلات الوضع وتهافت بنيانه من الداخل من الجانب الاخر ،مما يجعل عملية الشدّ والجذب بصورة مستمرة وديناميكية بين الجمهور العراقي ، والسلطة القائمة امرا فيه شبه كبير من عملية الحالة الطبيعية جدا في قوانين الحكم والادارة اولا(صناعة الادارة اي الدولة عندما تريد ان تدير المجتمع بغض النظر عن رؤية المجتمع لكيفية الادارة الصالحة ) اكثر منه محكوم بقانون الصراع بين السلطة والمجتمع ثانيا !!.
نعم ثقافة نقد السلطة ومعارضة الدولة في مجتمع كالمجتمع العراقي ظاهرة لم تولد قبل الف او الفي سنة فحسب ، بل انها ثقافة فرضتها الجغرافية السياسية العراقية والتاريخية منذ فجر التاريخ على هذا الوطن ، لتعمق من تجذرها سياسة الطغيان والاستبداد ....ثم تطورت الى شكل طبيعي لتتحول في كثير من مفاصل التاريخ الحديث الى عملية ادمان تصل الى حدّ الفوضوية المطلقة بحيث ان حركة سياسية فوضوية حديثة (مثلا) كالحركة الشيوعية العالمية ، عندما وصلت الى ثقافة الجمهور العراقي وهو يعيش اقصى الوان الضغط السياسي للدولة في محاولتها لترويضه على العيش في الحياة النظامية السياسية الجديدة بعد اندحار الامبراطورية العثمانية وقيام الدولة الملكية في العراق الحديث ، تلك الحركة السياسية وعلى الرغم من اختلافها الجذري اخلاقيا ومعتقديا وذوقيا واجتماعيا ....مع وجود الشعب العراقي لكنها استطاعت ان تستهوي بفوضويتها السياسية الثورية ، ودعوتها للتمرد على السلطة ،ومعارضة الدولة كل كيان الشعب العراقي ووجوده من منطلق : (( ان هذه الحركة قد لامست بُعدا ثقافيا متجّذرا داخل تركيبة المجتمع العراقي السياسية التي ترى ان الدولة والسلطة ماهي الاخلطة اسمنتية ومنذ قديم الازل اُريد منها ان تحكمه بالقهر والعنف وتخنق من حريته وحركته وتطوره لاغير)) وعلى هذا الاساس فعندما أتت دعوة تنادي بالثورة على الدولة ، والتخلص من السلطة ، وتدمير طبقة الحكم في العراق فقد صادفت استعدادا فطريا سياسيا تحمله جينات الانسان العراقي تاريخيا ضد ثقافة مشروعية الدولة وانسانية السلطة وقانونية الحكم التي ومنذ القدم لم يكن معها الجمهور العراقي على توافق حميم يذكرلاسيما ما عاناه الاجتماع العراقي من دول الجور وسياسة الطغيان والتفرعن وحكومات القتل والعنف والطائفية ..فكان ان تحوّل كل العراق الى شيوعية ليعبر من خلال فوضويتها ومناهضتها للسلطة والدولة عن مكامن روحه الثقافية المكبوتة من قبل قوّة مركزية الدولة واخذ السلطة له بالشدة في الادارة والحكم !!.
ان مثل هذه الظاهرة العراقية السياسية ، وبعد ان تيقنا ان فلسفة نقد السلطة في المجتمع العراقي قد عجنت عجنا مع جيناته الثقافية لترتقي الى مستوى الادمان التاريخي الذي من الصعب التخلص منه بسهولة تستطيع(هذه الظاهرة)خلق كارثة اجتماعية عراقية واحدة لاغير ، وهي كارثة تتجسد بحالة صراع ولادة سؤال ، يريد ان يقلب المعادلة التاريخية الاجتماعية العراقية الثقافية السياسية رأسا على عقب في يومنا الحالي وهو : بعد ان تمكن الاجتماع العراقي السياسي ولالآف من السنين اتقان مهنة فن نقد السلطة والتمرد ومعارضة الدولة والتخطيط لاسقاطها وتدميرها ....، فهل ياترى بامكان هذا الشعب والجمهور العراقي ان قدّر له القدر ان يعيد صياغة معادلة الحكم في العراق (ديمقراطيا ) من ممارسة السلطة وانتاجها والرؤية لها بايجابية بدلا من نقدها ومحاولة تدميرها لاغير ؟.
أم ان حالة الادمان الثقافية التاريخية في ممارسة نقد السلطة ، ومحاولة التمرد على الدولة ،أعجزت هذا الانسان تماما من رؤية نفسه في موقع ممارسة السلطة وصناعة الدولة وانتاج الحكم بدلا من تدميره فحسب ؟.
بمعنى اخر: اننا عندما ابرزنا ظاهرة نقد السلطة في وعي ، وثقافة الاجتماع العراقي واعطيناها تلك الابعاد التاريخية والسياسية لم نشأ القول :ان هذا الفعل السياسي الثقافي العراقي هو نتيجة غريزة غير واعية كان ولم يزل يمارسها الشعب العراقي كأدمان ليس له هدف وغاية ومعنى في هذه الحياة ، الا نقد السلطة من اجل النقد ، ومعارضة الدولة من اجل المعارضة ، والنقمة على طبقة الحكم من اجل النقمة ليس الاّ !!.
لا بل ذكرنا ان هناك عدّة عوامل ( تاريخية جغرافية سياسية اقتصادية ،ومن ثم اجتماعية ) فرضت علاقة متوترة بين الاجتماع العراقي التائق دوما للتعبير عن ذاته سياسيا بحرية ، وبين جهاز الدولة والسلطة وطبقة الحكم فيها التي مرّة يطغى عليها التفرعن والاستبداد ومرّة تجد نفسها مضطرة لاستخدام العنف لادارة وتنظيم المجتمع من جديد ، هي تلك الاسباب التي تفرض استمرارية النقد للسلطة والدولة من جانب الجمهور العراقي وانحراف الدولة والحكم من جانب طبقة الحكم في العراق منذ نشأته حتى اليوم وعلى هذا الاساس فنحن عندما نتساءل عن امكانية هذا الجمهور لممارسة السلطة والتعبير عن ذاته سياسيا وبحرية ، فنحن نتسائل عن امكانيته الثقافية في الانتقال من طابور المعارضة للدولة والنقد للسلطة ، الى طابور ممارسة السلطة وتوطيد اركان الدولة والمشاركة في الحكم ؟!.
والحقيقة انه ليس بالشئ البسيط ابدا الطلب من مجتمع كالمجتمع العراقي اليوم ، ان ينتقل بعزاله التاريخي الثقافي الثقيل من بيت النقد والتمرد ، والطعن بالدولة ، والسلطة والحكم والذي عاش فيه تحت الارض لاكثر من سبعة الاف سنة يتفنن فيها على :كيفية كراهية السلطة ورسم ابشع الصور الفنية لوجهها القبيح ، وفجأة تنقله الى بيت ، او قصر الحكم وممارسة السلطة ، والاقتران وحب الدولة بسهولة وبلا مقدمات غير مقدمات :ان الديمقراطية السياسية الحديثة قد سمحت له ان يكون حاكما بدلا من ان يكون محكوما مقهورا خائفا وتابعا ومهددا من قبل الدولة التي كانت تصنعها عصابة في ليلة مظلمة بينما اليوم يُراد له هو(الانسان العراقي) ان يصنع الدولة والحكم والادارة والسلطة !!!!.
نعم صعب على الشعب العراقي الذي اُتخم بثقافة عدم شرعية الدولة القائمةواستبداد طبقة الحكم فيها ، واجرامية المنتمين لها وصّناعها والمديرين لمشاريعها....الخ ان ينتقل هكذا وبين ليلة وضحاها من كونه من ضمن الرعية المساقين بالسيف والقوّة الى المخترعين للسيف والصانعين للسلطة والادارة والقوّة هو بنفسه وليس غيره !!.
وصعب جدا على شعب كالشعب العراقي ان يفهم قوانين اللعبة السياسية الجديدة بسهولة لاسيما معرفته لكيفية اعادة صياغة المعادلة بين سلطة كانت تحكمه ويناهضها الى سلطة هو يحكم من خلالها وعليها ان تحكم الاخرين وتدير شؤونهم وتتعامل مع رغباتهم المتنافرة وارائهم المتضاربة وميولهم التي تصنع كل ماهو معيق لحركة السلطة والدولة وانسيابية دورها ونجاحها في هذه الحياة !!.
ان السلطة والدولة في قاموس الانسان العراقي الاصيل هي النمروذ اولا وهي الفرعون وهي صاحب السيف وهي قاتلة الحسين وجميع الابرار معه ، وهي صاحبة القلب القاسي ، وهي القائمة على الحرب وهي صدام حسين المجرم وهي الحجاج وهي ....الخ ، كل هذا الكمّ الهائل من الظلام هو يعني السلطة والدولة والحكم في اجندات ودفاتر ذاكرة الشعب العراقي اليوم ، وسلطة ودولة وحكم بهذه البشاعة من المنظر من الصعب ان يتصالح معها الشعب العراقي بسهولة اولا وثقافيا كي يتمكن من ممارستها والابداع في صناعتها ثانيا وبلا ان يضطر ان يفهم الحقيقة التي سوف تصطدمه فيما بعد عندما يكتشف زورا انه لابد ان يكون ظالما ليعيش حياة الظالمين داخل الدولة والسلطة والحكم كما كان يفهمها ويستوعبها ويتربى عليها اجتماعيا !!.
والواقع ان هذه الثقافة السلبية تجاه الدولة والسلطة والحكم في ثقافة الانسان العراقي بغض النظر انها واقعية وحقيقة او انها تراكمية وتاريخية ، الا انها خلقت وصنعت في المقابل انسانا اقل مايُقال عنه انه انسان غير مستعد اجتماعيا لقبول زعزعة رسوخه الثقافي حول حقيقة وجوهر الدولة والسلطة والحكم ، ليغير ثوابته بسرعة ليرى الدولة والسلطة والحكم بعين مختلفة وايجابية !!.
وحتى لوقدّر لهذا الانسان ان يحكم فانه سوف لن يدرك صيغة حكم غير الحكم الاستبدادي والسلطة المستبدة والدولة غيرالعادلة لانه لم يثقف على نموذج آخر من الدول ، والسُلط ، والحكومات او يمارسها بالفعل ، ليجعل من ضمن ثقافته السياسية مفردات من قبيل : دولة القانون ودولة الانبياء موسى ومحمد ص وسلطة العادلين علي بن ابي طالب ع وحكومة الراشدين من عباد الله المتقين ....الخ لتكون لديه على الاقلّ كفة متوازنة تجاه رؤيته للدولة اليوم وللسلطة وللحكم في العراق ، ولهذا فلا استغراب عندما نرى موجة النقد اللاذعة للدولة وهيجان النار الثقافية التي تريد ان تطيح بالحكم وتدمّر السلطة على رؤوس اصحابها ، فمثل هذه الثقافة حتى في عراق جديد يحاول ان يصيغ المعادلة السياسية لتكون بصالح الشعب العراقي ، هي ثقافة طبيعية لايمكن التخلص منها الا عندما يضخ ثقافيا الجانب الثقافي الاخر من وجه الدولة والسلطة والحكم الذي تكون فيه الدولة هي ليس يزيد ابن معاوية ، بل انها الحسين بن علي ع وتكون السلطة هي ليس وحشٌ رابض على تلّ عالية من الارض متوثبا في كل لحظة لينقض على العراقيين ليأكلهم ، بل هي مؤسسة خدمية تحاول ادارة شأنهم العام وتنفذ مشاريع القانون عليهم بالتساوي وهكذا الحكم عندما يتحوّل ثقافيا اولا قبل ان يكون ممارسة فعلية من كونه اداة قمع وتفرعن وفئه وتعنصر وطائفية ...الى كونه مجال تعبير لشعب ينتخب الاصلح من ابنائه ليقدمه لصناعة الحكم وانتاجه بدلا من استهلاكه وجعله مزرعة تفريخ دواجن تنزل بيضا من ذهب على اناس ولتحرم اناس اخرين من الخبز !!.
اننا كعراقيين اليوم نمارس تجربة حكم جديدة ،وهي بالفعل جديدة علينا بكل المقاييس أمام تحدٍ شعبي اجتماعي جماهيري قبل ان يكون تحد سياسي لطبقة حكم او هياكل دولة او طوابير سلط حزبية منتظرة دورها للمشاركة في الحكم وصناعة السلطة ، بل ان الجمهور العراقي كصانع حقيقي للعراق الجديد عليه ان يعي مسؤوليته الانية في العراق الجديد ، وإن نجاح هذه التجربة وفشلها غير مرهون في الحقيقة بكفاءة كوادره السياسية ، بقدر ارتهانها لانتقاله كجمهور برؤيته للدولة والحكم والسلطة ، من كونها مؤسسات يجب القضاء عليها في ثقافته الماضية التاريخية الى مؤسسات تستحق التضحية من اجل الحفاظ عليها ، وبنائها والمشاركة بمسؤولية وحب في نهضتها باعتبار ان ماهيتها السياسية قد تغيرت تجاه الشعب والوطن والجمهور العراقي ، فعلى الشعب ايضا ان يغير من رؤيته لها ويدرك انه اليوم من صناعها وليس من الساعين لتدميرها ،وكل هذا لايتم من خلال الشعر ورصف القصائد واستغلال عواطف وهيجان مشاعر الشعب ضد السلطة وثقافته التاريخية المعروفة تجاه كل ماهو سلطوي بل بالاقلام الفلسفية السياسية العراقية التي تستطيع طرح ثقافة صناعة السلطة الجماهيرية اليوم بدلا من طرح القديم من الثقافات الفوضوية التي ادمنت ثقافة كيفية نقد السلطة لاغير وتدمير الدولة فحسب ، والنظر للحكم على اساس انه شبكة عصابة راسمالية تحاول صناعة الشرعية لسرقاتها فصنعت الحكم داخل المجتمع !!.
نعم ان الفلاسفة والمفكرين هم من يعبدّون الطريق للشعوب والامم لتعبر عليه من ضفة الى ضفة اخرى ، وعلى فلاسفة العراق الجديد ومفكريه وكتّابه ان يرسموا ملامح الطريق الذي ينقل المجتمع العراقي ثقافيا من ثقافة نقد السلطة وكراهية الدولة والاشمئزاز من الحكم فقط لاغير الى ثقافة كيفية صناعة السلطة والمشاركة في الحكم والدفاع عن الدولة وممارستها بكل قوانين القوة والهيبة فيها بلا تحفظ من استخدام ما استطعتم من قوة من اجل النهوض بها وتحقيق خطواتها والوصول الى الاهداف السامية لبناء حضارة عراقية يكون فيها الفرد العراقي قائدا ورائدا بدلا من ان يكون دائما تابعا وسلبيا وعاجزا وخائر القوى والتفكير والابداع !!!.