الخميس، يناير 07، 2010

(( نظام الحكم الاسلامي نظام واقعيٌ وليس نظام حكم ملائكي !))


حميد الشاكر

يعتقد عادة البعض من قاصري الوعي الثقافي والفكري حول الاسلام عندما يسمع مصطلح (( نظام الحكم الاسلامي او ادارة الحياة بمعطيات الدولة الاسلامية )) أويقرأ نتاجات فكرية تطرح باسم الاسلام والدعوة لحكمه ......الخ يعتقد هؤلاء ان هناك تصورات محدودة يجب ان تتوفر بهذا النظام الاسلامي ، او انهم يحملون تصورا ثقافيا استباقيا حول مصطلح الحكم الاسلامي يفترض ان يكون هذا الحكم والقائمين عليه من اطهر الناس الى حد العصمة عن الاخطاء مثلا ،او في المقابل يروّجون لصور تشدّد مرعبة عندما يطبق هذا النظام في ادارة الحياة الاجتماعية اويطرحون اجواء ملائكية في مقابل المقابل لتصورات الحكم الاسلامي بحيث ان قرأ احدهم لنظرات الاسلام في الحكم وقدرته على صناعة الانسان المستقيم ...، فسرعان ما يسأل هذا او ذاك من قاصري الرؤية : هو اين هذا النموذج اليوم او في السابق عندما يُنظّر حول نظام اسلامي خلق او يستطيع ان يخلق مجتمعا سعيدا ومتطورا ومتقدما وقويا ومتماسكا ؟؟.

والحقيقة ومن خلال اطلاعي على المطروح اسلاميا نظريا وفكريا حول الحكم الاسلامي وفي المقابل رصد الردود والانعكاسات الثقافية التي تولد من امثال هذه الطروحات الاسلامية سواء كانت من الجهات المناهضة للحكم الاسلامي اوالمساندة له يتبين ان هناك اشكالية ما في تصور وادراك مصطلح وثقافة ومفهوم الحكم الاسلامي في الحياة من كلا الجانبين ،مرة يذهب به الى حد الافراط في تصور امكانيات حكم الاسلام في الحياة وانه يجب ان يحول الناس الى ملائكة ، ومرة اخرى يذهب به الى حد التفريط في الترهيب من انعكاساته السلبية بحيث يصوّر الحكم الاسلامي سياسيا على اساس انه حكم قمعي لايدرك غير المنع والتحريم والتضييق على المجتمع وايقاف عجلة النمو والتقدم في داخله !!.

والواقع الفكري والثقافي والايدلوجي الذي ينبغي ان يكون الاساس لاي رؤية ثقافية او فكرية حول الاسلام وحكمه هو ادراك الحقيقة الواقعية لحكم الاسلام في الحياة بعيدا عن اسقاط اي تصور غير واقعي او انساني عليه ، فالحكم الاسلامي ذهبنا او اتينا فانه يتعامل مع جنس من البشر فيهم القوة وفيهم الضعف وانه حكم واقعي انساني طبيعي ، لايخرج عن حدود اي نظام حكم اخر قائم في هذه الحياة ، يدير حركة المجتمع حسب الامكانيات البشرية ، والانسانية القائمة ،ليرتقي بها قليلا لاغيروإن مميز الحكم الاسلامي ،وادارته للمجتمع عن غيره تكمن في انه حكم بقانون ينّظم علاقات المجتمع بنوع اكثر كفاءة من غيره من النظم الوضعية ، مضافا الى انه حكم يعيش داخل حياة المسلمين بقدسية ، ويدفعهم للتعامل مع الحكم بنوع من الاحترام والانتماء والتضحية والتفاعل والايجابية فحسب !!.

اي بمعنى اخر:انه من الخطأ الفكري والاسلامي ايضا ان ينظر للحكم الاسلامي وادارته وقدرته على اساس انه حكم اسطوري خارق للعادة فيما اذا طبق على الحياة الانسانية ، يمكنه في ليلة وضحاها ، ان يحول ابشع المجرمين من البشر ، الى ملائكة يسبحون بحمد الله ويخدمون البشرية بلا حساب وانه اذا حكم فان جميع المسؤولين ، والقائمين على ادارته يجب ان يكونوا اما انبياءا او ائمة معصومين من الزلل وبعيدين عن الخيانة وفقدان الثقة وضمور الاخلاص !!.

وهكذا في الجانب الاخر من الرؤية التي ترى في الحكم الاسلامي اذا طبق على ارض اي واقع اجتماعي انساني ، فانه يجب ان يكون كهفيا انغلاقيا سوف يعطل من حركة الحياة ويقسم المجتمع الى ذكور واناث من جهة ومؤمنين وكافرين من جانب اخر لاغير !!.

كلا بالطبع لاتلك الرؤية المفرطة في نسج الاحلام الوردية للحكم الاسلامي وتطبيقه هي صحيحةودقيقة ولاهذه الرؤية المعادية والمناهضة لحكم الاسلام والتي تخلق جبالا من الاكاذيب الحولاء حول الحكم الاسلامي ، لتشويه صورته وضرب قدرته ..هي ايضا صحيحة ودقيقة وانما هو حكم وسط بين الافراط والتفريط لامة وسط تتحرك مع الحياة وفي وسطها المعتدل فقط !!!.

ان الحكم الاسلامي مع انه يطرح نفسه على اساس انه المخلّص لاي مجتمع غارق في التخلف والانحطاط والتبعية ، ومع انه يعد المجتمع بحياة فيها الكثير من النظافة والرقي والاتصال بالعالي من الحياة وليس بالهابط منها الاّ انه مع ذالك حكم يحكم بقانون وبكوادر انسانية واقعية بشرية طبيعية ليس فيها حيز للمعاجز ولا للخيالات الغير بشرية في الادارة والحكم والعطاء والانتاجات السياسية والاقتصادية والاخلاقية والاجتماعية وغير ذالك !!.

بمعنى اوضح ان نظام الحكم الاسلامي نفسه يدرك انه يتعامل مع اناس تختلف قدراتهم الايمانية والعقلية والاخلاقية ، ويدرك انه نظام حكم لحياة بشر فيها امكانيات محدودة جدا من العمل وفيها الصلاح وفيها الطلاح وفيها النفاق وفيها الايمان وفيها .....جميع اصناف الافراد في اي مجتمع طبيعي بحاجة الى قوانين وحكم لادارته على اساسهم البشري الطبيعي فقط ، ومن هنا باشرت القوانين الاسلامية في الحكم الاسلامي للتعامل مع المجتمع على اساس انه مجتمع انساني طبيعي بصفات انسانية وبضعف وقوة بشرية كذالك ،ولم يطرح شعارا (الحكم في الاسلام) الا بما يتوافق مع هذه القدرات الانسانية المحدودة وعندما وعد الاسلام وحكمه ، انه سوف يتمكن من ادارة المجتمع بصورة ارقى بكثير من اي نظام حكم اخر ، وانه سوف يخلق روح التطور والتماسك الداخلي للمجتمع لم يكن الحكم الاسلامي في هذه الوعود طوباويا او اعجازيا خياليا ..في شعاراته ، بل انه طرح كل هذه الشعارات القيمة بواقعية ، من منطلق شرط : ان المؤمنين به من بني البشر المسلمين ، سيقومون بادارة هذه الشعارات ويحاولون تجسيدها الى واقع عملي ملموس على قدر استطاعتهم وعلى قدراخلاصهم واجتهادهم في تطبيق الاسلام واحكامه وادارة شؤون مجتمعه ، ومن بعد ذالك ، ربما يصيب المؤمنين ضعفا فينهزموا بالمعركة ،وربما يدخل عامل خارجي ليشوش على التجربة والحكم في الاسلام ....،وربما يفشل قادة الحكم الاسلامي في الوصول الى شعارات الحكم الاسلامي في تطبيق العدالة والارتقاء بالمجتمع نحو الرفعة الاسلامية وربما ينجح المجتمع الاسلامي بالمحافظة على حكمه الاسلامي ويدفع بتجربته للنجاح والتألق .....كل هذا وارد في معادلة الحكم الاسلامي من جهة ، والمؤمنين بهذا الحكم والطالبين لتطبيقه من جانب اخر مع الالتفات الى ان كل التجربة الاسلامية هي رهينة حكم وادارة مجموعة من البشر الذي تحت ارادتهم ان يكونوا مخلصين واشداء وفاعلين ومؤمنين وايجابيين .... الخ ،في الدفع بتجربة الحكم الاسلامي للنجاح ، وتحت تصرفهم ان يقتلوا تجربة الحكم الاسلامي اجتماعيا عندما ينساقون خلف اهوائهم ومطامعهم الدنيوية وخلافاتهم الشخصية ...... حتى الوصول بالحكم الاسلامي الى الموت والفناء والدمار الكامل !!!.

نعم على هذا الاساس نكون امام تصور حول الاطروحة الاسلامية في الحكم ، تقنن من ادراكنا لمفهومة الحكومة الاسلامية ، وكيف انها تجربة حكم كباقي تجارب حياة الحكم البشرية الاخرى التي يقودها بشر كباقي البشر في ضعفهم واندحارهم او في اجتهادهم ونجاحهم ولكن بمميزات اسلامية قانونية مختلفة وقدرات انتاجية اكثر قدرة على تطوير المجتمع الاسلامي وحياته وتطلعاته ، !!.

وايضا في الحكم الاسلامي ، يكون مقياس هذا الحكم الاعلى هو قانونه الاسلامي الذي يشكل المعلم والميزان البارز للمجتمع ولقادة الحكم والدولة في هذا الاجتماع على اساس انهم جميعا سواسية امام هذا القانون واحكامه ،فلا يجوز لاللمجتمع تجاوز القوانين الاسلامية الحاكمة ، كما لاينبغي ان تنحرف طبقة الحكّام في هذه الدولة ، عن الالتزام بهذه الاحكام الاسلامية ، التي وضعت جميع مسؤوليات المراقبة السياسية وغيرها والتطبيق لها بايدي المجتمع ككل باعتبار ان جميع افراده مسؤولين عنه ومسؤولين عن تطبيق شعارات الاسلام والالتزام باحكامه المتنوعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية !!.

وبهذا ندرك : ان الحكومة الاسلامية مشروع انساني نجاحه وفشله بيد المؤمنين به والمضحين من اجله والساعين في سبيل الارتقاء بمجتمعه لمشاريع واهداف الاسلام العظمى في خلافة هذا الانسان في هذه الارض ، ولافجائية عندئذ ان وجدنا لصّا في وزارات الدولة الاسلامية ، فاللصوصية صفة انسانية ، وليست هي صفة قانونية للحكومة الاسلامية ، حتى يقال كيف في حكومة اسلامية يوجد لصّ حقير ، وهكذا اذا وجدنا انتكاسة اقتصادية في برامج القائمين على ادارة الحكومة في الاسلام من جراء الفساد او اي اعتبار آخر ، فهذا لايعني مطلقا ،ان النظام الاسلامي في الحكم فاشل وهو المسؤول عن مثل هذا الفشل الذريع بل القول الصائب هو ان اعظم نظام حكم شفاف ومخلص وامين هو نظام الحكم الاسلامي ، ولكن بعض القائمين على تنفيذه اصابهم الضعف الانساني الطبيعي الذي دفعهم للفساد او خيانة الامانة او عدم الكفاءة في الوظيفة ، وعلى المجتمع واخلاصا منه لتجربة الحكم الاسلامي ان يطّهر الدولة الاسلامية من عناصر الضعف والفساد داخل الحكم باسم الاسلام نفسه وبقانون وحكم الدولة الاسلامية بالذات ، لتكون تجربة الحكم الاسلامية تحمل جميع التجديد والنظافة والنزاهة والمسؤولية من داخلها وليس من خارجها على الصحيح !!.

الخلاصة : عندما نريد ادراك واعي لتجربة ومفهوم الحكومة الاسلامية وكيفية تطبيقها انسانية فعلينا ان ندرك الاتي :
اولا : الحكومة الاسلامية حكومة ادارة اجتماعية بقانون واضح يطبق على المجتمع لتنظيمه .
ثانيا : الحكومة الاسلامية حكومة واقعية وتتعامل مع افراد بشريين عاديين لهم من الضعف والقوة الشئ الكثير .
ثالثا : شعارات واطروحات الحكومة الاسلامية بتطوير المجتمع والنهوض به حضاريا والبناء له تقدميا وتطوريا ، كل هذا مبادئ تحققها القدرة الانسانية الطبيعية المؤمنة بالاسلام على ارض الواقع ولاتحقهها ملائكة بمعاجز خارجة عن المتصور .
رابعا : في حال فشل بعض مشاريع شعارات الحكومة الاسلامية لايعني هذا خطأ الشعار بقدر فشل التطبيق الانساني ، مايعني ان نظام الحكم الاسلامي بحاجة الى قدرات وكفاءات مؤمنة برسالة السماء وخدمة المجتمع وتحمل المسؤولية باخلاص وامانة .
خامسا : نعم في الحكومة الاسلامية يوجد مؤمن وغير مؤمن وامين وغير امين وفاعل وغير فاعل من الفاسدين .... فهي حكومة تدار من خلال ماهو موجود من مجتمع تربويا ونفسيا وروحيا وفكريا ......، كما ان مجتمع الحكومة الاسلامية ليس بالضرورة كله مجتمع اتقياء وصالحين ، بل هو مجتمع انساني متنوع يفسد ويسفك الدماء ويسبح بحمد ربه ويستغفره من جانب اخر .