الاثنين، فبراير 02، 2009

قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر - 1


المقدمة :

كثيرا ما لفتت انتباهي سورة يوسف ع في القرآن الكريم ، ولعل هذه الالتفاتة الذهنية والعاطفية والفكرية التي تنتابني بين الفينة والاخرى أمام هذه السورة الكريمة ، و لقصة قرآنية كقصة يوسف ع هي من الامور العامة لكل مطلّع اطلّع على هذه القصة المثيرة للفكر والمشاعروالجدل والروح ....... الانسانية بصورة شاملة ، فهي فضلا عن انها قصة قرآ نية وهذا يكفيها سموا عن باقي القصص الاخرى ، فهي كذالك قصة تميزت حتى في النص القرآني الكريم بانها من أحسن القصص التامة في السرد
القرءاني نفسه ، فهي القصة الوحيدة في القرآن التي تسرد حياة رسول ونبي بمنزلة يوسف بن يعقوب ع منذ الصبى والطفولة حتى مشارف النهاية والوصول الى المنتهى في هذه الحياة ، كما انها السورة الوحيدة التي جمعت كل اطراف الحياة الانسانية في حبكة درامية متصلة مازجت بين البراءة والطفولة مضافا اليها الخيانة والمؤامرة وصولا بالعذابات والحزن وحتى السجن والرجولة وقبلها الغرام والحب وبعدها سرير الملك وعظمة الادارة ..... الى النهاية السعيدة التي تجمع العفو والالفة وتمام النعمة وكبير الشكر لله !.والحقيقة انني كلما قرأتُ قصة يوسف ع ورجعت الى التفاسير الاسلامية لأنهل منها علم وفكر مالم يقله النص القرآني وتركه لحكمة للمشاعر والاحاسيس والفكر البشري ، كلما وجدتني اسأل نفسي بكل صدق : هل تناول المفسرون من علماء الاسلام العظيم كل ماتريد قوله وايصاله قصة يوسف القرآنية للانسان بصورة عامة وللمسلم بصورة خاصة ؟.واذا ما اردت شخصيا ان اكتب حول قصة يوسف القرءانية هذه فما الشيئ الذي بالامكان اضافته فكريا وتصوريا وعلميا لما قاله المفسرون الاجلاّء من فقهاء ومتكلمين وفلاسفة اسلام وغيرهم بشأن قصة يوسف القرانية ؟.أعود مرّة اخرى لأقرأ تفسير الميزان للعلامة الطبطبائي محمد حسين ، وأقرأ التفسير الكبير للفخر الرازي ، وكذا الجامع لاحكام القرءان للقرطبي ..... حتى اصل ل في ظلال القرءان لسيد قطب رحمه الله ، لارى هل هناك مايستحق بالفعل الكتابة في جعبتي حول قصة يوسف القرءانية والتي غفل عنها او لم يلتفت لها علماء الاسلام الافاضل من مفسرين ومبينيين للنص القرءاني ؟.فاجد ان هناك الكثير الكثير مما يجود به النص القرءاني الكبير لم يُذكر في مدونات أولئك العلماء الكبار بحاجة الى ابراز كي يطلع عليه القارئ ويستمتع به المتابع ويتأمله الحكيم ويكتبه المدقق .... ، وهذا لالقصور في ذهنية أولئك الابرار الكبار من علماء الامة ومبيني النص القرءاني الكريم ، بقدر ماهو ميزة تميز بها القرآن الكريم على سائر الكتب انه الكتاب المتجدّد لكل زمان في معانيه والثري لكل جيل في افكاره وعلومه كما ورد عن اهل البيت ع في احاديثهم الشريفة ، فقد نقل صاحب ( البيان في تفسير القرءان ) السيد المحقق ابو القاسم الخوئي رحمة الله عليه ، عن العياشي باسناده عن ابي جعفر محمد بن علي الباقر ع قوله :(... ان القرءان حي لايموت ، والاية حية لاتموت ، فلو كانت الاية اذا نزلت في الاقوام وماتوا ماتت لمات القرآن ، ولكن هي جارية في الباقين ، كما جرت في الماضين / البيان / ابو القاسم / ص 22 ) فادركت ان للقرآن الكريم بقصصه ومعانيه وبافكاره وتصوراته ونواحيه ... حياة متجددة لاتقبل الموت ان مات الانسان ، وليس من صفاتها العقم ان توقف العقل البشري عن الانتاج ، وكذا ماورد عن سيدي أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ع في وصفه للقرآن العظيم وانه :(( نورا لاتطفأ مصابيحه وسراجا لايخبو توقده وبحرا لايدرك قعره ومنهاجا لايضل نهجه وشعاعا لايظلم ضوءه وفرقانا لايخمد برهانه وتبيانا لاتهدم اركانه ..... الى ان يقول عليه السلام .. وبحر لاينزفه المنتزفون وعيون لاينضبها الماتحون ومناهل لايغيضها الواردون ...)) فايقنت عند هذا ان القرآن وقصصه الجليلة كلما ذهب جيل وطويت صفحته واتى اخر بناسه وعقوله استطاع القرآن ان يعطي لهم جديدا من الفكر وجنيّا من العلم وطيبّا من الحكمة ، ومزيدا من الافاق !.ومن هذا كان عزمي على ان اكتب شيئا في هذه القصة العظيمة ليوسف بن يعقوب ع على أمل ان اضيئ زاوية من الزوايا في القصة القرآنية ، او أثير فكرة من الافكار التي جادت بها القصة ، او احرّك معلما من المعالم يصلح لأن يكون قاعدة فقهية او فكرة فلسفية او مفهومة تربوية او نزعة بشرية او لفظة غرامية ...، تصلح لاصلاح حياة الفرد والجماعة ممن يقرأون القرآن فيدركون اهمية حروفه ومعانيه او نصوصه ومراميه ، على انني في هذه الاطلالة سأترك للقلم يجري كيفما شآء لايوقفه الا التأمل ولايحركه الا السعي وراء الاشارة ، ولايدفعه الا نفس افاق النص القراني في قصة يوسف ع وهي تطوي مراحلها من رؤيا لصبي في بادية العنف والكراهية ، الى سرير الملك في مصر الفراعنة والطغيان ، مع تساءل هنا وتسا ءل هناك ، ونقد هنا وتكملة هناك في ضواحي وطرق وازقة وسجون يوسف الصديق عليه السلام .