الاثنين، فبراير 02، 2009

قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر-18


(( وتكونوا من بعده قوما صالحين )) *************** هل عندما يتحدث القرءان ( مثلا ) عن أخوة يوسف في قولهم (( ليوسف وأخوه أحب الى ابينا منّا ونحن عصبة ...)) ينبغي ان نأخذ هذه الكلمة على اساس ان لها واقعية فعلية قائمة بين يعقوب ويوسف وما أخوة يوسف الا ناقلين لحقيقة العلاقة ، و لذالك القرءان ذكرها في القصة على اساس تأييد ماجاء فيها ؟. أم ان هذه الحكاية نقلت قرءانيا فحسب من اجل تثبيت اعتقاد ابناء يعقوب بالعلاقة القائمة بين يعقوب ويوسف ، بغض النظر ان كانت هذه الفكرة او الكلمة تحمل حقيقة الواقع ام انها محض خيال لااساس له من الواقعية الا في اذهان ابناء يعقوب ؟.
بعبارة اخرى اكثر وضوحا وتقريبا للمطلب ولكنّ بصورة عامة نقول : هل عندما ينقل القرءان الكريم مقولة ابليس اللعين وهو يجادل ربه معاندا في موضوعة الانسان ادم بقوله : انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين !.فهل يعني نقل القرءان لوجهة النظر الشيطانية هذه ، هو نقلها باعتبارها وجهة النظر الابليسية الخاصة بابليس فحسب والتي بسببها اورد المهالك ؟.أم ان القرءان الكريم كلام رب العالمين اراد من خلال نقله لهذه الوجهة من النظر التأكيد على انها وجهة نظر حقيقية وصائبة ولها واقعية ثابتة في هذا العالم ؟.الجواب بالطبع ان النص القرءاني عندما ينقل حادثة او وجهة نظر او مقولة من المقولات في قصصه القرءاني بالخصوص يريد ان يؤكد على نسبة هذا المقول الى صاحبه (لنفهم) نحن قرّاء النص القرءاني الكريم نمطية وعقلية ونفسية وتربية .... صاحب المقول هذا او ذاك ، ولم يشأ القرءان الكريم ان نعتقد بان نقله هذا كقرءان منزل من قبل الله سبحانه وتعالى يدلل على الحقيقة او المصداقية او الواقعية لهذه الكلمة او تلك من وجهات النظر او غيرها !.ومن هنا نقول نعم : اراد النص القرءاني ان ندرك الحقيقة الفكرية والعقائدية والنفسية لابليس نفسه من خلال نقل النص القرءاني لمجادلاته العقلية مع ربه ، لنفهم من خلال مقولته : ((انا خير منه ..)) كيفية التفكير الابليسي وكذا معتقده ورؤيته للعالم من حوله وكذا كيفية تناوله وتقييمه لباقي الاشياء الخلقية !.وعليه كان النقل القرءاني بغرض معرفتنا للنمطية الفكرية او الشيئية الاخرى ، وليس لغرض القول لنا ان هذا الشيئ المنقول عن ابليس هو شيئ يحمل الحقيقة الواقعية في الحياة وعليكم الايمان بها كمسلمة قرءانية ، وانه وبالفعل النارية خير من الطينية كما نقل قرءانيا عن ابليس ... وهكذا !.وكذالك عندما ينقل النص القرءاني ( مثلا ) مقولة ابناء يعقوب :(( ليوسف واخوه احب الى ابينا منا ...)) فهل يبتغي النص القرءاني من هذا النقل ان يؤكد لنا نحن قرّاء النص القرءاني القصصي هنا حقيقة وجود علاقة الحب بمنسوبها العالي المخلُّ بالعدالة الاسرية كما ذكرها ابناء يعقوب ؟.أم ان ارادةُ النص القرءاني ذاهبة للقول لنا : ان هذه الفكرة ( فكرة الحب بين يعقوب ويوسف بشكلها المذكور على لسان ابناء يعقوب ) هي النمطية الفكرية لابناء يعقوب ، وان اردتم ان تفهموا الكيفية التي كان يفكر فيها على الحقيقة اخوة يوسف الكبار فعليكم قراءة مقولاتهم المذكورة في القصص القرءاني هذا ، بدون ان تعتقدوا بصدقية ماينقلون هم انفسهم عن تلك العلاقة ، فربما هم نقلوا الخيال الذي ليس له حقيقة في الواقع ، لكنّ هذا لايمنع القرءان من ذكر ماقاله اخوة يوسف كمبررات للقيام بجرائمهم الكثيرة فافهم !.اذن النص القرءاني ينقل وجهة نظر الشيطان لكنه لايتبناها كحقائق مسلمة علينا نحن القارئين للنص القرءاني الاعتقاد بحقيقتها او بصدقها لالشيئ الابسبب ان القرءان ذكر ذالك !.لا .... هذا التوجه في فهم النصوص القرءانية توجه خطير ومعوج وملتبس ايضا ، وليس ببعيد هو فهم شيطاني كذالك للنص القرءاني ، فالقرءان الكريم عندما ينقل في نصه مختلف الاشياء الفكرية والفنية والقصصية والانسانية الشخصية ..... يريد ان يتحدث عن صور متعددة وصيغ فنية راقية وحقائق ناصعة لاتوجد في كتاب اخر في هذا الوجود ، ولهذا بحاجة من يريد فهم كتاب الله العظيم ان تكون لديه القدرة الفكرية العالية والذوق العقلي الرفيع مضافا اليه العلم والتقوى ، كي يكون مهيئا لتلمس مقاصد النص القرءاني العظيم قبل الانكباب على فهمه كيفما اتفق !.والان : عندما ينقل لنا القرءان الكريم في قصة يوسف مقال ابناء يعقوب وهم على مشارف الانتهاء من تبرير جريمة اغتيالهم ليوسف او نفيه من الارض :(( وتكونوا من بعده قوما صالحين )) فهل اراد القرءان الكريم ان ينقل لنا وجهة نظر اخوة يوسف في موضوع الصلاح بعد الجريمة ؟.أم انه اراد ان يقول لنا : ان التوبة تجوز بعد ارتكاب جريمة بمنزلة القتل ، والدليل عليه مقولة ابناء يعقوب القرءانية التي تذكر :(( وتكونوا من بعده قوما صالحين ))؟.الكثير من المفسرين ومع وافر الاسى والاسف لايدركون التمييز بين ان ينقل القرءان مقولة مجموعة اجرامية تريد تبرير جرائمها بنوع من الامال الخلقية ، وبين حقائق القرءان في بناء الاحكام الشرعية ، ومن هذا وجدنا هؤلاء المفسرين :(( منهم القرطبي صاحب الجامع لاحكام القرءان )) يذهب الى الاعتقاد ويستبط من هذا النص في قصة يوسف : انه نعم تجوز التوبة وتقديمها امام العمل الاجرامي ، بدليل هذا النص الذي ينقل عن اخوة يوسف قولهم :( وتكونوا من بعده قوما صالحين )!.وكأنما اصبح اخوة يوسف على اساس هذا الفهم المعوج انبياء وصالحين يشرعون لنا الاحكام الدينية ، بينما النص القرءاني ينقل مقولتهم هذه في اطار تبرير الجريمة ، فهل يعقل ان مجرمين نأخذ بكلمتهم التي لم يريدوا من خلالها الا ان تكون منصة للاجرام ، ونجعلها حقيقة ونفهمها على اساس انها حكم شرعي تعبدي في باب التوبة والرجوع الى الله ؟.ولا اعلم متى كان طريق الرجوع الى الله سبحانه وتعالى يشرع على السنة المجرمين وفي وقت جنايتهم الخطيرة ؟.والحقيقة هذا يذكرني بمقولة اعتى المجرمين في التاريخ البشري قاتل سيد شباب اهل الجنة وابن رسول الله ص الحسين بن علي ع عندما قال : نقتل الحسين اليوم ونتوب بعد سنتين !.فأخوة يوسف كان هذا منطقهم في مقولة :(( ونكون من بعده قوما صالحين )) الذي نقلها عنهم القرءان الكريم ، فهل يعقل ان نفهم تبرير الجريمة هذه ليس على اساس انها استهزاء بالعقل البشري ؟!.لابل على اساس انها حقيقة شرعية كما فهما القرطبي ، وانها صالحة لتكون قاعدة دينية على اساسها نستنبط الحكم الشرعي القائل : هذا دليل على جواز التوبة بعد الجرائم الكبرى ، واكثر جواز تقديم التوبة قبل الفعل الاجرامي ايضا !.هل هذا معقول في فهم مقاصد النصوص القرءانية ؟.ثم وبعد ذالك هذا ان اردنا ان نفهم ان ابناء يعقوب قد قصدوا فعلا بمقولهم :(( وتكونوا من بعده قوما صالحين )) هذا معنى الصلاح الديني ، فهناك من المفسرين الكثر من يذهب الى ان مقصد مقولة اخوة يوسف كانت تصب في أطار معنى : وتكونوا من بعد الخلاص من يوسف قوما صالحين لادارة شؤونكم العائلية بلا مشاكل ؟.؟وهذا كما ترى هو المعنى الاقرب والاصح لحياة هذه الحفنة من الابناء الذي استولى عليهم الشيطان تماما ، فلايعقل ان مجموعة اجرامية تجتمع في مؤتمر جريمة وتصفية بهذا الحجم الذي يصل الى حد القتل ، ثم يقال لنا : بأن قولهم في مؤخرة المؤتمر الاجرامي :(( وتكونوا من بعده قوما صالحين )) يصب في عملية التفكير الدينية وصحوة الضمير الاخلاقي لهم ؟.هذا الشيئ بغض النظر من انه ليس بعقليا هو كذالك يحمل التناقض من اوله الى اخره ؟.فكيف نوفق بين شيطان استولى على كل كيان هؤلاء النفر من العصبة ، وبين لمسة رحمانية تذكر بالصلاح والاحسان الرباني ؟.وكيف لنا فهم الامور بهذه الالغائية للعقلية التي تفكر في الواقع الانساني بمنطقية لتربط بين افعال الانسان كمقدمات ونتائج طبيعية ؟.وهل بالامكان تصور مقدمة تبنى على القتل والاجرام لتكون نتيجتها الصلاح والتوبة ؟.نعم بالامكان التفكير بمنطقية لنفهم ان بعد مقدمات الجريمة نصل الى غاياتها الحتمية ليقول ابناء يعقوب :( وتكونوا من بعده قوما صالحين ) بمعنى ليصفوا لكم الامر وتثنى لكم الوسادة ليصلح كل امركم الذي من اجله قمتم بهذه الجريمة ؟.على هذا الفهم النص القرءاني متسق النقل ومتوازن الطرح العقلي ، وهو بالفعل مانقله النص القرءاني بامانه في قصة يوسف المظلوم عليه السلام ؟.أما ان يأتي مفسر هنا ومفسر هناك لينقل لي نتيجة هي مختلفة تماما عن السياق القرءاني المطروح ...، لا بل اكثر من ذالك وليرفع مقولة ابناء يعقوب من سياقها القرءاني وليجعلها مادة تشريع اسلامية بلا مبرر يذكر ، فهذا شيئ لايقبل بالمرة في مجال الفهم القرءاني السليم ؟.ونعم في بعض القصص القرءاني نصوصا تصلح لان تكون احكاما شرعية ودينية اسلامية ، وهذا صحيح ، ولكنها النصوص التي تأتي على لسان نبي كأبراهيم الخليل ، او كيوسف مجتبى الله العظيم او كموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه واله وسلم كثيرا !.أما ماينقل على لسان الشيطان او فرعون او طاغية او حفنة من المجرمين اجتمعوا لمؤامرة قتل .... في النص القرءاني فلايجوز اعتباره الا انه نقل نصي قرءاني غايته افهامنا نحن نمطية وسلوكية وفكرية هؤلاء المنحرفين في الارض كي ندرك فيما بعد كيفية التعامل معها بندية فحسب !.وعلى هذا نفهم : ان قوله سبحانه :(( وتكونوا من بعده قوما صالحين )) لاتصلح دليلا لا لنا كي نستنبط منه مشروعية وجواز تقديم التوبة قبل القيام بالفعل الاجرامي ، ولا ان فيه دليلا على ان التوبة تجوز من الكبائر ، ولا هو نص صالح ليقول لنا ان اخوة يوسف قد تابوا فيما بعد والدليل هذا النص القرءاني !.باعتبار انه حتى وبغض النظر ان النص لايشير في مضمونه الى توبه او صلاح ديني ، هو كذالك لايفرض علينا كقرّاء للنص القرءاني تصديق مقولة ابناء يعقوب هذه ، فالكذب القادم على لسان ابناء يعقوب كثير جدا وهذه من ضمنه !.
al_shaker@maktoob.com