الاثنين، فبراير 02، 2009

قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر-23


(( قالوا : لئن أكله الذئبُ ونحن عصبة ٌ أنّآ اذا لخاسرون )) ***** في تتبع مسيرة أخوة يوسف وابناء يعقوب في هذه القصة الكبيرة تبرز للمتأمل الكثير من ملامح شخصية هؤلاء الابناء الذي ابتلي بهم يعقوب ويوسف وعائلتهما بالعموم وعلى الجملة ، فهم بين القسوة والمكر يتقلبون ، وبين الذكاء والجهل يترددون ، وبين الخيانة والضمير يلعبون ، وبين الجرأة والارتداد يراوحون .... وهكذا من باقي ماتحدث القرءان العظيم به عن اخلاقياتهم السلوكية والنفسية والعقلية ايضا ، فهم بدأوا ب :(( ليوسف واخوه احب الى ابينا منا ونحن عصبة ان ابانا لفي ضلال مبين )) ليطرحوا انفسهم كعصبة مميزة عن يوسف وعن اخيه وعن حتى ابيهم ، لينتقلوا الى رمي الاب الذي من المفترض وحسب قول مايعتقده المفسرون من : انهم
يعلمون بنبوة والدهم يعقوب ، من رميه بالضلال ،..... والى الوصول الى الهوج في :(( اقتلوا يوسف او اطرحوه ارضا يخلُ لكم وجه ابيكم )) للتدليل على ان هؤلاء الاخوة وصلت ضمائرهم الى الموت الحقيقي في اقتحام الدم بهذه الصورة من الهوج والجهل والتجرأ على حياة الانسان ، ولك بعد هذا ان تدرك الدرك الاسفل الاخلاقي الذي وصل اليه أخوة يوسف في كلمة (( اقتلوا )) وتسأل : اذا كان هؤلاء الابناء ليعقوب وصلوا الى مرحلة رؤية قتل اخيهم الطفل البريئ بضمير بارد ، فكيف برؤيتهم لباقي افراد الانسانية وحرمة دمائهم عليهم ؟.والى اي منزلة اخلاقية ونفسية وفكرية متدنّية بحيث انهم لم يروا من يوسف وابيه الا انهم فريسة سهلة ؟.وكيف لم تكن حتى طفولة يوسف مبررا كافيا لاثارة ليس الرحمة فحسب وانما الرجولة والشهامة كذالك داخل ابناء يعقوب لتردعهم هذه الرجولة عن اقتراف مثل هذه الجريمة البشعة لطفل اعزل ؟.نعم نحن ندرك ان الفرسان تمنعهم فروسيتهم عن اقتراف مايقدح من اخلاق رديئة بهذه الفروسية ؟!.ونعلم ان العربان تدفعهم بعض اخلاقياتهم الجاهلية عن الاقتراب لمواقع العار والشنار في اعرافهم القبلية ؟!.وندرك ان الانسانية ضمير وشعور يردع الانسان عن التفكير اذا لم يكن السلوك في الاستفراد ببريئ وارادة قتله بلا مبرر ؟!.ولكننا لاندرك حتى هذه اللحظة مانوعية ابناء يعقوب الفكرية والروحية والنفسية والعاطفية عندما فكروا وخططوا وعزموا ونفذوا جريمتهم بحق يوسف ؟!.يذكر القرطبي في الجامع لاحكام القرءان رأيٌ من الاراء التي ارادت ان تبين قول يعقوب في :(( وأخاف ان يأكله الذئب ..)) على اساس ان يعقوب يشير الى ابنائه بمفردة (( الذئب )) الذي ذكرها في كلمته ، وماكان خوفه الا منهم بالحقيقة !. وهذا الرأي من جملة اراء وان كنّا لانؤمن بواقعية مقاصد النص القرءاني لها ، ولكن يبدوا انها لم تُرد تبيين النص القرءاني بالذات بقدر ماهي ارادت ان تجيب عن : ماهي نوعية ابناء يعقوب الواقعية ؟.فاجاب هذا الرأي ولكن بشكل بعيد على انها :(( الحيوانية المفترسة )) !.هل كانت بالفعل الاخلاق الحيوانية الذئبية المفترسة هي الحاكمة على حياة أخوة يوسف عندما اقدموا على جريمة قتل وتغييب يوسف عن ابيه ؟.دعونا نسأل السؤال ولكن من زاوية صورية اخرى لنقول : لو فرض اننا وضعنا يوسف الطفل البريئ والجميل أمام ذئاب حيوانية حقيقية ، ووضعنا نفس هذا اليوسف أمام اخوته من ابناء يعقوب ، فمن هي الجهة التي ستكون ارحم بيوسف من غيرها ؟.هل مجموعة الذئاب الحيوانية ستكون ارحم بيوسف بهداية الله سبحانه لها ؟.أم ستكون مجموعة ابناء يعقوب من البشر هي الارأف والارحم بيوسف ؟.سأترك شخصيا الجواب لضمائر كل واحد منّا يختار مايناسبه !.وأسأل من زاوية قريبة من النص القرءاني : ماهو الشيئ الذي لم يذكره النص القرءاني الكريم لملامح شخصية اخوة يوسف وابناء يعقوب ، ربما كان هو السبب في كل مشاكلهم الانسانية ؟.وماهو الملمح الذي يؤكد عليه النص القرءاني في ملامح شخصية ابناء يعقوب ، ربما يكون هو السبب لكل مشاكلهم الاجرامية بحق الانسانية ؟.ربما انا وانتم وجميعنا نلاحظ ان هناك مفردة كررت مرتين في كلام ابناء يعقوب انفسهم من خلال النص القرءاني الا وهي مفردة :(( ونحن عصبة )) وكذالك رتّب ابناء يعقوب على هذه الكلمة او الفكرة الكثير من مبررات افعالهم الشريرة ، ففي البدئ كانت ( ونحن عصبة ) السبب في نقمة اخوة يوسف على العناية الملفتة للنظر من قبل ابيهم ليوسف فقالوا :(( ليوسف واخوه احب الى ابينا منا ونحن عصبة )) فكانت فكرة ( ونحن عصبة ) سببا اصيلا في نقمة الاخوة وكذا تسرب الريب لدواخلهم على مستقبلهم ، وكذا اتهام والدهم بالضلال والسفه ... ، وكذالك عندما اراد ابناء يعقوب استخلاص يوسف من بين يدي ابيه يعقوب ايضا كرر الاخوة فكرة العصبة ، ولكن هذه المرّة في قبالة اظهار القوة والتحدي لعالم البادية المتوحشة فقالوا :(( لئن اكله الذئب ونحن عصبة انا اذا لخاسرون )) فهل عندئذ كانت (( العصبية )) هي من ابرز الملامح التي ذكرها النص القرءاني لابناء يعقوب على اساس انها أسُّ البلاء الاول ؟.الجواب نعم : العصبية هي ما أكد عليه النص القرءاني باعتبار انها الملمح الكبير والاصيل في شخصية ابناء يعقوب ، بل وهي الفكرة ( العصبية ) التي استولت على عقولهم وافكارهم على الاتمام بحيث لايرى ابناء يعقوب اي شيئ حولهم في حياتهم الاجتماعية الا من خلال هذه العصبية الملعونة !.وعليه كانت العصبية من ابرز ملامح شخصية ابناء يعقوب والمؤسسة لاخلاقياتهم السلوكية ونمطية مقاييس افكارهم القبلية ، ومن هنا كانت هي اساس ماوصل اليه اخوة يوسف من قسوة وجريمة وانسلاخ من انسانية وكذا تنازل عن الرجولية والتجاوز حتى على الاعراف القبلية الجاهلية ، فلايرى اخوة يوسف الحق الا مع العصبة والقوة ولايرون الرشد وعدم الضلال الا معها ، ولايروا الحياة بدونها ، ومن هنا كانت ردّة فعلهم على مبرر ابيهم :(( وأخاف ان يأكله الذئب ..)) سريعة ومباشرة ودالة جدا بقولهم :(( لئن اكله الذئب ونحن عصبة انا اذا لخاسرون )) !.والان : ما الشيئ الذي لم يذكره مطلقا النص القرءاني على اساس انه ملمح من شخصية ابناء يعقوب ؟.بعبارة اخرى ماهو النقص في ملامح شخصية ابناء يعقوب الذي اثر بشكل مباشر على كل كيانهم ؟.الجواب : الشيئ الذي افتقدناه كلنا جميعا من خلال قراءتنا للنص القرءاني المبارك من على السَنة وافكار وادمغة وسلوكيات اخوة يوسف وابناء يعقوب هو مفردة وكلمة وفكرة :(( الله )) سبحانه وتعالى !.هل ترى ان (( الله )) سبحانه وتعالى لاوجود له تماما لافي افكار ابناء يعقوب ، ولافي كلماتهم ، ولافي سلوكهم ، ولافي حساباتهم ، ولا في مخططاتهم على الاطلاق !.ولكنّ متى يكون (( الله )) حاضرا في حياة الانسان اي انسان ومشاعره وكل كيانه ؟.ومتى يغيب هذا الاله العظيم منها ؟.بالتأكيد الجواب هو : عندما يلتفت الانسان الى ((الله )) سبحانه وتعالى باعتباره وجود ، او باعتباره ممثل لوجود ما !.بمعنى اخر اكثر وضوحا : يحضر الله في فكري ومشاعري وكل كياني الانساني ، عندما اتيقن ان الله قوة بامكانها الدفع والجلب ، وعندما أؤمن ان الله سبحانه سبب حياة بامكانه الحفظ والاعدام ، وعندما استوعب بأن (( الله )) مسؤولية وحكمة وحاكم ومقدّر ومعطي ومانع ومنتقم وعادل .................... ، وكل هذه المعاني وماتعنيه في حياة الانسان الفعلية ، عندئذ يحضر (( الله )) بقوة في فكري وروحي ومشاعري وكل كياني الانساني الصغير ، بعكس مالو كان (( الله )) سبحانه وتعالة عاجزا وليس بذات فائدة ولاهو محركا ولامقدما ولامؤخرا في حياتي او حياة الاخرين ، عندها من حقي البحث عن القوة في العصبة ، والبحث عن العدل في القوة والبحث عن الامان والحفظ في التدبير والشيطنة ، عند هذا يكون من حقي عندما أفقد (( الله )) من حياتي ومايمثل ، ان تظهرفي حياتي (( العصبة )) وماتمثل !.ومن هنا كانت العصبة بعدما غاب (( الله )) تماما من حياة ابناء يعقوب هي القوة وهي الحق وهي العزة وهي ........ الحافظ ايضا لحياة الانسان من مخاطر الدنيا الكثير ، وعليه جاء ردّ ابناء يعقوب على ابيهم بقوة :(( ونحن عصبة انا اذا لخاسرون )) ليدللوا على ايمانهم المطلق بالعصبية وجحودهم الكامل للألهية ، وليؤكدوا على حضور العصبية في حياتهم وغياب (( الله )) سبحانه عنها !.فهل يعني هذا استحالة اجتماع الله والعصبية في قلب انسان واحد ؟.يبدوا مما ذكرناه اويشير الى انه لااجتماع في قلب امرء واحد لعصبية تمثل العزة والقوة للمؤمنين بها ، وبين الله ممثل العزة والقوة والحق في قلوب المؤمنين به سبحانه ؟.صحيح نحن نعلم ان لااجتماع للشيطان والرحمن في قلب انسان ما ، فهل هي نفس المعادلة بين الله والعصبية القبلية ايضا ؟.أم ان العصبية لم ترتقي بعد لتكون شيطانا رجيما ؟.في نهاية قصة يوسف ع في الاية (100) ستجدون يوسف يصف ماجرى بينه وبين اخوته وكذا الاسباب التي ادت لهذه الفرقة والقسوة والاجرام وكل الكوارث بانها كلها عبارة عن :(( من بعد ان نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي )) وكذا نحن علمنا في بداية القصة انه لم ينزغ بين يوسف واخوته غير العصبية التي تمثلت كثيرا بقولهم :(( ونحن عصبة )) فهل كانت العصبة هي الشيطان الذي ذكره يوسف على اساس انها النازغ الحقيقي بينه وبين اخوته ؟.الجواب نعم : هي هي العصبية عندما تكون حكومة الشيطان وصولجانه واداة الفتنة وفرمانه .... تكون هي الشيطان ولكن بلباس آخر !.وكذا عندما ينبه الحكيم يعقوب يوسف الصديق وهو يقصّ عليه تأويل رؤياه من البداية حذره من الكيد !.ولكنّ من اي كيد حذر يعقوب يوسف ؟.من كيد اخوته على الحقيقة ؟.أو من كيد الشيطان ان الشيطان للانسان عدوٌ مبين ؟.بلى حذره من كيد الشيطان الذي استولى على اخوة يوسف من خلال العصبية الجاهلية ، ليجعلهم ينطقون بلسانه ويحامون عن سلطانه بلا ادراك منهم انهم يقولون (( ونحن شيطان )) بدلا من قولهم (( ونحن عصبة )) !.تأمل هذا :(( لئن أكله الذئب ونحن عصبة انا اذا لخاسرون )) وفكر بمدى ايمان ابناء يعقوب واعتدادهم بقوة العصبة ودفعها ، لابل تصرفها بالاقدار كيفما شاءت ، بلا ذكر حتى لاحتمال بسيط بفشل هذه العصبة او عجزها ، او على الاقل استثناء ماهو خارج عن سلطته بالقول (( انشاء الله )) أمام نبي بمنزلة يعقوب ؟.لكن شيئا من هذا لم يحصل ، والله غالب على امره !.
al_shaker@maktoob.com