((قالوا يأبانا ءانّا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب )) ******* لو فرض ان ابناء يعقوب جاءوا اباهم عشاء يبكون ولكنّ بعين حزينة وضمير ملتهب وقلب مكلوم وصوت خفيض ملئه الألم والتحسر ليقولوا ليعقوب كلمة (( يوسف )) فقط لاغير ، فهل كان ليفهم يعقوب عظم المصيبة وكبير الفاجعة بفقد صبيه المجتبى ذاك ؟. الجواب نعم ، يكفي جدا ان يعبر الانسان بصمته او ربما بصوته الخفيض الصادق عن مافي داخله من حزن وألم ومأساة لاتوصف عن الفقد والمصيبة ، لاسيما ان كان الذي أمامه حكيم ونبي بمنزلة يعقوب ع يفهم جيدا لغة المشاعرالصادقة ويدرك تماما رُقي حرقة الضمائر ، ويستوعب كثيرا حزن الصمت وعبرة الدمعة المخنوقة وكظم السرائر ... فهو صاحب كلمة (( فصبر جميل )) وهو يكتفي من صدق المشاعر بكلمة فحسب لتعبر عن حجم الكارثة !.
لكنّ في صورة ومشهد اخوة يوسف وابناء يعقوب الذي ينقله لنا النص القرءاني الكريم نرى حالة الغوغائية والتهستر العاطفي تصل الى حدود غاية في الاندفاع والانفعالية والتعبير عن الحزن ، فهم يأتون أباهم في عشية الليل المظلم حالهم حال السرّاق وقاطعي الطريق ومختلسي الفرصة يلطمون كما في بعض الروايات ويبكون بصوت عال اكثر مما يتصوره فكر نبي هادئ كيعقوب ، وقبل ان ينظر او يلتفت او يسأل يعقوب يبادر ابنائه بالقول والتبرير والعذر والتفسير بقولهم : (( يأبانا ءانا ذهبنا نستبق )) وكل هذا مرافقا للاصوات الباكية العالية والمزعجة ، وبلا مبرر يذكر حتى الان ، فماعلاقة البكاء واللطم بسباقهم وذهابهم ولعبهم وانبساطهم على اللحقيقة في الذهاب والسبق ؟.ثم جاءوا بقولهم :(( وتركنا يوسف عند متاعنا )) وبدا قليلا في هذه اللحظة ان ذهابهم ولعبهم وسبقهم وضحكهم اعقب تركهم ليوسف ليحفظ متاعهم ، وماذا بعدُ ؟.(( فأكله الذئب )) !.ألم يكن ليكفي القول ليعقوب مباشرة وبلا ذكر قصة طويلة من ذهاب وسبق وترك وغاية ترك ويوسف وأكل وذئب ...ألم يكن ليكفي القول ليعقوب :(( مات يوسف )) فحسب ليفهم هذا الشيخ وقوع قدر الله لاغير ؟.طبعا كان يكفي يعقوب تماما ان يفهم ويستوعب نزول قدر الله في يوسف لمجرد ذكر كلمتين فقط :(( مات يوسف )) وبعد ذالك ان شاء يعقوب ان يسأل فليسأل ويستبين من ابناءه مايشاء ، وربما يقول : كيف ؟. باعتبار ان يوسف صبي صغير وورود الموت عليه شيئ محتمل الا انه نوعا ما بعيد !. وهنا يحتاج الابناء ان يجيبوا لابقصة طويلة ومع نياح ونباح مزعج ، بل يكفي ان يقول احدهم :(( أكله ذئب )) !.وهل من الممكن ان يحتاج يعقوب لتبيان اكثر ولايسلّم لقدر الله الواقع باعتبار انه نبي يدرك انه اذا جاء قدر الله ووقع فلاحيطة تنفع ولاحرص حريص ؟.لا ... ليس من الممكن ذالك ، ولكنّ لنفرض ان يعقوب شك بالقصة و اراد ان يتجاوز قضية التسليم لقدر الله سبحانه النافذ ، ويلتفت الى السؤال الذي نراه لايصدر مطلقا من نبي باعتباره سؤال ملتفت الى قدرة وحفظ غير الله سبحانه وتعالى ، وسأل عن : واين كنتم انتم يابنائي اصحاب العصبة والحفظ من أكل الذئب ليوسف ؟.حتى مع فرض هذا السؤال من يعقوب ، فايضاً كان يكفي احدا من الاخوة الابناء ليعقوب وبلا انفعالات زائدة ان يقول مجيبا :(( يأبانا ذهبنا نستبق )) !.وبعد هذا كله فهل من المعقول على رجل كيعقوب ان يعود ويسأل كأي انسان عامّي اخذته المصيبة للهذيان ليسأل لاللأستفهام المنطقي ولكن يسأل لمجرد السؤال ويقول يعقوب : عندما ذهبتم للاستباق فاين كان الصبي يوسف عندئذ ؟.هل من المعقول ان يسأل يعقوب مثل هذا السؤال الذي ليس له حكمة الا القاء اللوم على اخوة يوسف في تفريطهم بحفظ يوسف والنصح له ؟. ليس من المعقول ان يسأل يعقوب مثل هذا السؤال الذي لايقدم ولايؤخر بوقوع الحدث كما روي من قبل ابنائه ، ولكنّ دعونا ننظر ليعقوب على اساس انه الاب الذي احترق قلبه تماما وتجاوز قضية الايمان بقدر الله والصبر على قضائه ، ثم عاد ليحاسب الابناء على تقصيرهم بحادثة أكل الذئب ليوسف ، وليقول لهم بطرف خفي : ألم تقولوا (( وانا له لحافظون )) ؟.وألم تذكروا لي قولكم :(( وأنّا له لناصحون )) فأين كنتم من يوسف واين كان هو منكم ؟.حتى على فرض هذا التنطع الذي لامبرر له في افتراض سؤال يعقوب لابنائه ، فكان يكفي ان يقول احدهم :(( تركنا يوسف عند متاعنا )) !.والان اذا كان يعقوب ليس بحاجة الى كل تلك القصة التي رواها ابنائه عن الذئب ويوسف والاستباق والذهاب والمتاع وترك يوسف والبكاء والصراخ والاتيان عشاءا في ظلمة الليل ..... الخ ، اذا كان يعقوب ليس بحاجة الى هذا كله ، فلماذا أصرّ الابناء على ذكر واظهار كل هذه القصة الدرامية الطويلة ؟.بمعنى اخر ماهي الغاية وماهو المقصد وماتلك الحكمة التي اراد النص القرءاني اخبارنا بها وهو ينقل لنا صورة اخوة يوسف وابناء يعقوب وهم يقومون بكل ماقاموا به امام ابيهم يعقوب الكريم ، مع فهمنا المسبق عقليا وفكريا وذهنيا ان يعقوب لم يكن بحاجة الى كل هذه المسرحية ليدرك ان ابنه يوسف قد اكله الذئب في البادية ؟.الحقيقة ان النص القرءاني ينقل بأمانه الواقع التاريخي للاقوام والانبياء والطواغيت والشعوب والامم ... التي يتحدث عنها ، وهذه الامانه التاريخية القرءانية تأخذ بنظر اعتبارها التقاط المواضع والمواقع والاحداث التاريخية والانسانية التي تمثل الغاية في استخلاص العبرة وفهم الحركة والانسان والتاريخ ، وعلى هذا كان نقل النص القرءاني لمشهد اخوة يوسف وهم يأتون لوالدهم يعقوب عشاء يبكون وهم يقولون :(( يأبانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب )) ليقول لنا هذا النص القرءاني : انظروا كيف تكون نمطية وسلوك من استولى عليه الشيطان وكان من الجاهلين ، فهو :اولا : يرى الناس كلهم وبمافيهم الانبياء والرسل واصحاب الحكمة كيعقوب عليه السلام ، يراهم مثله من اهل الجهل والحاجة للتبيين والتبيين الاكثر والمقدمة والتهيئة لادراك حقيقة موت انسان هنا او انسان هناك ، فأبناء يعقوب كانوا يتعاملون مع ابيهم نبي الله يعقوب ع كتعامل احدهم مع اي اعرابي من بادية الشام ، لابل ويروا عقلية يعقوب ورهافة ادراكه لاتختلف عن اي انسان اخر ، فهم لذالك قاسوا فهم وادراك يعقوب على باقي الجهلة من العوام وبسيطي الادراك ، و لذالك اعتقدوا بسهولة خداع يعقوب كلما كانت قصتهم طويلة واعذارهم متعددة الوجوه ، ولهذا هم لم يكتفوا بالقول ليعقوب :(( مات يوسف )) فحسب باعتبار ان هذه الكلمة تكفي ليدرك انسان كنبي الله يعقوب القصة من الاول الى الاخر ، ومن ثم ان كان لديه اي سؤال فهو اولى بالسؤال كمثل : كيف ؟. لا .... بل ارتأوا ان يعقوب بحاجة اولا لبيان القصة وثانيا لسبب ترك يوسف وثالثا كيفية موته ، ورابعا اتهامه بعدم قدرته على تصديقهم بقولهم :(( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )).... وهكذا يبين لنا هذا النص القرءاني وضاعة تفكير ابناء يعقوب وكيفية رؤيتهم لهذا الاب الكريم يعقوب عليه السلام والتعامل معه كبدوي جاهل بحاجة الى المزيد ثم المزيد من التبيان والشرح لقصة الذئب ويوسف !.ثانيا : عندما نقرأ قصة هذا المشهد وكيفية حرص الابناء على نقل الصورة الكاملة وبتفاصيل هي لاتعني بالضرورة والدهم يعقوب ، كأنما ندرك ان صاحب القصص المكذوبة او الجرائم الخطيرة هو بحاجة الى حياكة كذبته وجريمته بشكل متكامل كي لاتترك منفذا لاحتمال شك يتسرب لمصداقية الاكذوبة !.بمعنى اخر : كأن صاحب الجريمة المحترف بحاجة الى تأمل دقيق في حياكة جريمته بالتمام ، بحيث انه يأخذ جميع الاحتمالات الممكنة في حسابه ، فهو ( مثلا ) مُقدم على جريمة قتل او تغييب ليوسف بن يعقوب ع ، فاولا يفكر المجرم بالاسباب والدوافع لهذه الجريمة : لماذا يجب ان يقتل او ينفى يوسف ؟. الجواب : يخلُ لكم وجه ابيكم !. وكيف تتم عملية استدراج الضحية لمسرح الجريمة ان كان من الصعب تنفيذها امام والده يعقوب ؟. بحجة : ارسله معنا غدا يرتع ويلعب !. ومتى تكون نقطة الصفر في تنفيذ الجريمة ؟. عند لحظة : وأجمعوا ان يجعلوه في غيابات الجب !. وماهي القصة التي نعود بها لوالد يوسف لاقناعه ؟. نقول له : يابانا انا ذهبنا نستبق ؟. فأن سأل : واين تركتم يوسف ؟. نقول له : عند متاعنا !. ولماذا تركتم يوسف عند متاعكم ؟. نقول له خشية عليه من ضرر الاستباق والخوف عليه من مسابقة الرجال وخشونتهم !. فأن سأل يعقوب وكيف مات يوسف ؟. أكله الذئب !. فأن لم تكن هذه الحياكة للقصة في تغييب يوسف مقنعة لوالده يعقوب نقول له :(( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )) وبعد ذالك لنرى ما عند العجوز من قوة ليفعل !..... وهكذا ، فكل صاحب جريمة يضع في دماغه جميع احتمالات السؤال والجواب لتكون قصته واحدة امام العدالة وكي لايضرب بعضها والبعض الاخر ، وهذا بعكس الصادق البريئ ناقل الحقيقة والواقع عندما يأتي بالموضوع من جزئيه الى كليه ، فهو ليس بحاجة الى تدبير وتفكير ولا الى تأمل وسؤال وجواب وتطويل ، ولو كان بالفعل ذئبٌ ما اكل يعقوب لاكتفى اخوته بالقول :(( مات يوسف )) وكفى !.ان الفرق كما نقله هذا النص القرءاني لنا في قصة ابناء يعقوب بين الجريمة والحقيقة في القصة ، ان قصة الحقيقة تبدأ من الاساس بكلمة الحقيقة (( مات يوسف )) فحسب ثم اي شيئ يطرأ على هذه الكلمة فهو بناء على حقيقة صلبة لاتضارب بين جزئياتها المتعددة ، بعكس قصة الجريمة المبنية على الكذب ، فيسبقها التفكير والتدبير والتخطيط والحذر ....، وبعد ذالك كله هي تبدأ من الكلّي الى الجزئي في القصة بحيث ان فاجأها سؤال غير مدروس هنا او سؤال ليس بالحسبان هناك يكشف كذب القصة الكاذبة برمتها بسبب ان المخطط الكاذب التفت لكل شيئ ونسي هذا الزاوية من ثوب الاكذوبة فبانت العورة !.ولهذا احتاج ابناء يعقوب لسرد قصة الذهاب والاستباق وترك يوسف واكل الذئب له كاملة شاملة بلا مبرر او سؤال من يعقوب نفسه ليؤكدوا لنا ان المؤامرة تحاك بالجملة بينما الحقيقة تبدأ بكلمة بسيطة وواقعية !.ثالثا : هل يوحي النص ان يعقوب اقتنع بقصة ابنائه المكذوبة حول يوسف واخوته ؟.أم ان مفردات المشهد تدلل على ان هناك شيئ خاطئ يتحرك داخل الحكاية ؟.
al_shaker@maktoob.com
لكنّ في صورة ومشهد اخوة يوسف وابناء يعقوب الذي ينقله لنا النص القرءاني الكريم نرى حالة الغوغائية والتهستر العاطفي تصل الى حدود غاية في الاندفاع والانفعالية والتعبير عن الحزن ، فهم يأتون أباهم في عشية الليل المظلم حالهم حال السرّاق وقاطعي الطريق ومختلسي الفرصة يلطمون كما في بعض الروايات ويبكون بصوت عال اكثر مما يتصوره فكر نبي هادئ كيعقوب ، وقبل ان ينظر او يلتفت او يسأل يعقوب يبادر ابنائه بالقول والتبرير والعذر والتفسير بقولهم : (( يأبانا ءانا ذهبنا نستبق )) وكل هذا مرافقا للاصوات الباكية العالية والمزعجة ، وبلا مبرر يذكر حتى الان ، فماعلاقة البكاء واللطم بسباقهم وذهابهم ولعبهم وانبساطهم على اللحقيقة في الذهاب والسبق ؟.ثم جاءوا بقولهم :(( وتركنا يوسف عند متاعنا )) وبدا قليلا في هذه اللحظة ان ذهابهم ولعبهم وسبقهم وضحكهم اعقب تركهم ليوسف ليحفظ متاعهم ، وماذا بعدُ ؟.(( فأكله الذئب )) !.ألم يكن ليكفي القول ليعقوب مباشرة وبلا ذكر قصة طويلة من ذهاب وسبق وترك وغاية ترك ويوسف وأكل وذئب ...ألم يكن ليكفي القول ليعقوب :(( مات يوسف )) فحسب ليفهم هذا الشيخ وقوع قدر الله لاغير ؟.طبعا كان يكفي يعقوب تماما ان يفهم ويستوعب نزول قدر الله في يوسف لمجرد ذكر كلمتين فقط :(( مات يوسف )) وبعد ذالك ان شاء يعقوب ان يسأل فليسأل ويستبين من ابناءه مايشاء ، وربما يقول : كيف ؟. باعتبار ان يوسف صبي صغير وورود الموت عليه شيئ محتمل الا انه نوعا ما بعيد !. وهنا يحتاج الابناء ان يجيبوا لابقصة طويلة ومع نياح ونباح مزعج ، بل يكفي ان يقول احدهم :(( أكله ذئب )) !.وهل من الممكن ان يحتاج يعقوب لتبيان اكثر ولايسلّم لقدر الله الواقع باعتبار انه نبي يدرك انه اذا جاء قدر الله ووقع فلاحيطة تنفع ولاحرص حريص ؟.لا ... ليس من الممكن ذالك ، ولكنّ لنفرض ان يعقوب شك بالقصة و اراد ان يتجاوز قضية التسليم لقدر الله سبحانه النافذ ، ويلتفت الى السؤال الذي نراه لايصدر مطلقا من نبي باعتباره سؤال ملتفت الى قدرة وحفظ غير الله سبحانه وتعالى ، وسأل عن : واين كنتم انتم يابنائي اصحاب العصبة والحفظ من أكل الذئب ليوسف ؟.حتى مع فرض هذا السؤال من يعقوب ، فايضاً كان يكفي احدا من الاخوة الابناء ليعقوب وبلا انفعالات زائدة ان يقول مجيبا :(( يأبانا ذهبنا نستبق )) !.وبعد هذا كله فهل من المعقول على رجل كيعقوب ان يعود ويسأل كأي انسان عامّي اخذته المصيبة للهذيان ليسأل لاللأستفهام المنطقي ولكن يسأل لمجرد السؤال ويقول يعقوب : عندما ذهبتم للاستباق فاين كان الصبي يوسف عندئذ ؟.هل من المعقول ان يسأل يعقوب مثل هذا السؤال الذي ليس له حكمة الا القاء اللوم على اخوة يوسف في تفريطهم بحفظ يوسف والنصح له ؟. ليس من المعقول ان يسأل يعقوب مثل هذا السؤال الذي لايقدم ولايؤخر بوقوع الحدث كما روي من قبل ابنائه ، ولكنّ دعونا ننظر ليعقوب على اساس انه الاب الذي احترق قلبه تماما وتجاوز قضية الايمان بقدر الله والصبر على قضائه ، ثم عاد ليحاسب الابناء على تقصيرهم بحادثة أكل الذئب ليوسف ، وليقول لهم بطرف خفي : ألم تقولوا (( وانا له لحافظون )) ؟.وألم تذكروا لي قولكم :(( وأنّا له لناصحون )) فأين كنتم من يوسف واين كان هو منكم ؟.حتى على فرض هذا التنطع الذي لامبرر له في افتراض سؤال يعقوب لابنائه ، فكان يكفي ان يقول احدهم :(( تركنا يوسف عند متاعنا )) !.والان اذا كان يعقوب ليس بحاجة الى كل تلك القصة التي رواها ابنائه عن الذئب ويوسف والاستباق والذهاب والمتاع وترك يوسف والبكاء والصراخ والاتيان عشاءا في ظلمة الليل ..... الخ ، اذا كان يعقوب ليس بحاجة الى هذا كله ، فلماذا أصرّ الابناء على ذكر واظهار كل هذه القصة الدرامية الطويلة ؟.بمعنى اخر ماهي الغاية وماهو المقصد وماتلك الحكمة التي اراد النص القرءاني اخبارنا بها وهو ينقل لنا صورة اخوة يوسف وابناء يعقوب وهم يقومون بكل ماقاموا به امام ابيهم يعقوب الكريم ، مع فهمنا المسبق عقليا وفكريا وذهنيا ان يعقوب لم يكن بحاجة الى كل هذه المسرحية ليدرك ان ابنه يوسف قد اكله الذئب في البادية ؟.الحقيقة ان النص القرءاني ينقل بأمانه الواقع التاريخي للاقوام والانبياء والطواغيت والشعوب والامم ... التي يتحدث عنها ، وهذه الامانه التاريخية القرءانية تأخذ بنظر اعتبارها التقاط المواضع والمواقع والاحداث التاريخية والانسانية التي تمثل الغاية في استخلاص العبرة وفهم الحركة والانسان والتاريخ ، وعلى هذا كان نقل النص القرءاني لمشهد اخوة يوسف وهم يأتون لوالدهم يعقوب عشاء يبكون وهم يقولون :(( يأبانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب )) ليقول لنا هذا النص القرءاني : انظروا كيف تكون نمطية وسلوك من استولى عليه الشيطان وكان من الجاهلين ، فهو :اولا : يرى الناس كلهم وبمافيهم الانبياء والرسل واصحاب الحكمة كيعقوب عليه السلام ، يراهم مثله من اهل الجهل والحاجة للتبيين والتبيين الاكثر والمقدمة والتهيئة لادراك حقيقة موت انسان هنا او انسان هناك ، فأبناء يعقوب كانوا يتعاملون مع ابيهم نبي الله يعقوب ع كتعامل احدهم مع اي اعرابي من بادية الشام ، لابل ويروا عقلية يعقوب ورهافة ادراكه لاتختلف عن اي انسان اخر ، فهم لذالك قاسوا فهم وادراك يعقوب على باقي الجهلة من العوام وبسيطي الادراك ، و لذالك اعتقدوا بسهولة خداع يعقوب كلما كانت قصتهم طويلة واعذارهم متعددة الوجوه ، ولهذا هم لم يكتفوا بالقول ليعقوب :(( مات يوسف )) فحسب باعتبار ان هذه الكلمة تكفي ليدرك انسان كنبي الله يعقوب القصة من الاول الى الاخر ، ومن ثم ان كان لديه اي سؤال فهو اولى بالسؤال كمثل : كيف ؟. لا .... بل ارتأوا ان يعقوب بحاجة اولا لبيان القصة وثانيا لسبب ترك يوسف وثالثا كيفية موته ، ورابعا اتهامه بعدم قدرته على تصديقهم بقولهم :(( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )).... وهكذا يبين لنا هذا النص القرءاني وضاعة تفكير ابناء يعقوب وكيفية رؤيتهم لهذا الاب الكريم يعقوب عليه السلام والتعامل معه كبدوي جاهل بحاجة الى المزيد ثم المزيد من التبيان والشرح لقصة الذئب ويوسف !.ثانيا : عندما نقرأ قصة هذا المشهد وكيفية حرص الابناء على نقل الصورة الكاملة وبتفاصيل هي لاتعني بالضرورة والدهم يعقوب ، كأنما ندرك ان صاحب القصص المكذوبة او الجرائم الخطيرة هو بحاجة الى حياكة كذبته وجريمته بشكل متكامل كي لاتترك منفذا لاحتمال شك يتسرب لمصداقية الاكذوبة !.بمعنى اخر : كأن صاحب الجريمة المحترف بحاجة الى تأمل دقيق في حياكة جريمته بالتمام ، بحيث انه يأخذ جميع الاحتمالات الممكنة في حسابه ، فهو ( مثلا ) مُقدم على جريمة قتل او تغييب ليوسف بن يعقوب ع ، فاولا يفكر المجرم بالاسباب والدوافع لهذه الجريمة : لماذا يجب ان يقتل او ينفى يوسف ؟. الجواب : يخلُ لكم وجه ابيكم !. وكيف تتم عملية استدراج الضحية لمسرح الجريمة ان كان من الصعب تنفيذها امام والده يعقوب ؟. بحجة : ارسله معنا غدا يرتع ويلعب !. ومتى تكون نقطة الصفر في تنفيذ الجريمة ؟. عند لحظة : وأجمعوا ان يجعلوه في غيابات الجب !. وماهي القصة التي نعود بها لوالد يوسف لاقناعه ؟. نقول له : يابانا انا ذهبنا نستبق ؟. فأن سأل : واين تركتم يوسف ؟. نقول له : عند متاعنا !. ولماذا تركتم يوسف عند متاعكم ؟. نقول له خشية عليه من ضرر الاستباق والخوف عليه من مسابقة الرجال وخشونتهم !. فأن سأل يعقوب وكيف مات يوسف ؟. أكله الذئب !. فأن لم تكن هذه الحياكة للقصة في تغييب يوسف مقنعة لوالده يعقوب نقول له :(( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )) وبعد ذالك لنرى ما عند العجوز من قوة ليفعل !..... وهكذا ، فكل صاحب جريمة يضع في دماغه جميع احتمالات السؤال والجواب لتكون قصته واحدة امام العدالة وكي لايضرب بعضها والبعض الاخر ، وهذا بعكس الصادق البريئ ناقل الحقيقة والواقع عندما يأتي بالموضوع من جزئيه الى كليه ، فهو ليس بحاجة الى تدبير وتفكير ولا الى تأمل وسؤال وجواب وتطويل ، ولو كان بالفعل ذئبٌ ما اكل يعقوب لاكتفى اخوته بالقول :(( مات يوسف )) وكفى !.ان الفرق كما نقله هذا النص القرءاني لنا في قصة ابناء يعقوب بين الجريمة والحقيقة في القصة ، ان قصة الحقيقة تبدأ من الاساس بكلمة الحقيقة (( مات يوسف )) فحسب ثم اي شيئ يطرأ على هذه الكلمة فهو بناء على حقيقة صلبة لاتضارب بين جزئياتها المتعددة ، بعكس قصة الجريمة المبنية على الكذب ، فيسبقها التفكير والتدبير والتخطيط والحذر ....، وبعد ذالك كله هي تبدأ من الكلّي الى الجزئي في القصة بحيث ان فاجأها سؤال غير مدروس هنا او سؤال ليس بالحسبان هناك يكشف كذب القصة الكاذبة برمتها بسبب ان المخطط الكاذب التفت لكل شيئ ونسي هذا الزاوية من ثوب الاكذوبة فبانت العورة !.ولهذا احتاج ابناء يعقوب لسرد قصة الذهاب والاستباق وترك يوسف واكل الذئب له كاملة شاملة بلا مبرر او سؤال من يعقوب نفسه ليؤكدوا لنا ان المؤامرة تحاك بالجملة بينما الحقيقة تبدأ بكلمة بسيطة وواقعية !.ثالثا : هل يوحي النص ان يعقوب اقتنع بقصة ابنائه المكذوبة حول يوسف واخوته ؟.أم ان مفردات المشهد تدلل على ان هناك شيئ خاطئ يتحرك داخل الحكاية ؟.
al_shaker@maktoob.com