الاثنين، فبراير 02، 2009

قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر 3


( لقد كان في يوسف وأخوته ءايت للسائلين / 7 / يوسف ) هذه الاية السابعة من سورة يوسف ع ، وكان الحق علينا ان نأتي بالاية الرابعة من السورة اذا اردنا الترتيب والتسلسل عندما تناولنا الايات الثلاث الاول في هذه القصة العظيمة ، فقد انتهينا عند قوله سبحانه :(( نحن نقص عليك أحسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرءان وان كنت من قبله لمن الغافلين )) وهي تردُّ على من يشككّ بنبوة محمد ص وانه يفتري هذا القرءان من عند نفسه ، وكان حق السياق القرءاني الطبيعي والتلقائي ان
تأتي الاية السابعة بعد هذه الاية باعتبار ان سياق الاية السابعة جاء ليرد على من سأل في سبب نزول الاية عن :( ال يعقوب وسبب انتقالهم من الشام الى مصر ) فكانت الاية السابعة تجيب على السائلين ب :(( لقد كان في يوسف واخوته ءايت للسائلين )) ففي قصة يوسف اجوبة وبراهين دامغة وحجج عالية القيمة للذين سألوا عن صدق الرسول الاعظم محمد بن عبد الله ص من جهة ، وفي القصة ايات على حال محمد ص مع قومه وكيف ان الحسد هو عامل عدم الايمان بنبوة العظيم محمد ص كما كانت العقد النفسية هي عامل الاحقاد والكراهية بين يوسف ع واخوته لاغير !.ولكننّا قد اشرنا في بحوث سابقة في تناول الكلمة ((أقرأ)) بأن من مميزات الاسلوب القرءاني انه اسلوب الاهي وليس اسلوبا بشريا طبيعيا لنطالب بحق الترتيب الطبيعي في سرده القرءاني ، فالقرءان كلام الله سبحانه وتعالى الذي ليس كمثله شيئ ، واسلوب كلامه سبحانه من المتوقع ان يكون اسلوبا مختلفا عن اساليب البشر الطبيعية والعادية ، ولهذا نجد التقديم والتأخير واردا كثيرا في النص القرءاني الكريم ، فربما كان ماحقه التقديم ان يؤخر في الاسلوب القرءاني ، وماحقه التأخير يكون له العكس في القرءان ... وهكذا ، ومَن اراد فهم الاسلوب القراني في خطاباته العميقة فعليه ان يدرك هذه النقطة بالذات لفهم النص القرءاني وادراك انه مع انه نص لايلتزم بالتراتبية والاساليب الطبيعية العادية في كلام البشر ، الا انه مع ذالك من ارقى الخطابات الواضحة ، واتم البيانات التامة ، بل انه المعجز الذي خالف الخطاب البشري بالترتيب ، ومع ذالك تفوق على التراتبية والطبيعية بالوضوح والبيان والتعقلن !.ومن هنا كان للاية السابعة في سورة يوسف ع ان تكون في اول الافتتاح لانها المحور الذي يجيب على اسألة السائلين ، ولكن النص القرءاني أخر الجواب ليطرح حججه هو ، اولا : في ان هذا الكتاب صاحب الايات البينة للعالمين ، وثانيا : انه منزل بلغة عربية مقروءة لأناس لايوقفهم عن التعقل الا عقدهم النفسية الصغيرة ، وثالثا : انه وحي ربانّي يقصّ احسن القصص من خلال العظيم محمد ص الذي كان غير ملتفت اصلا لهذه الحوادث التاريخية او مفكرا في صياغتها الاسطورية ...الخ !.نعم جاء الجواب لاهل السؤال متأخرا حسب النمط السلوكي لاساليب القرءان الكريم ليؤكد عدم التزامه بنظام الخطاب البشري الذي يحتمّ على المتكلم ان يرتّب خطابه ليفهمه السامع المتلقي ، ولكن ما يريده الاسلوب القرءاني هذا ايضا هو القول للانسان نفسه : انه لو كان القرءان مفترا كما يعتقد الكفار والمنافقين من اهل التوراة والانجيل انذاك ، وانه من كلام البشر لأتت اساليبه حسب نظام الكلام البشري الطبيعي والعادي في التراتبية ودوالية السياق ، ولكن العالم البشري كله يرى ويسمع وينطق الكلام القرءاني بنظام وقانون مختلف عن سياقات ونظم الكلام البشري الطبيعي ، وانه السياق الوحيد الذي يقدم في الكلام ويؤخر بشكل كبير وملفت للنظر كثيرا ، ومع ذالك هو اكثر بيانا ووضوحا وايصالا للمعنى وافهاما للسامع من جميع كلام البشر المنظم والمرتب حسب قوانين الكلام الاجتماعي الانساني العام !.أليس هذا دليلا على ان القرءان صياغة لابشرية وانه صياغة ربانّية ليس كمثلها شيئ اعجازية فوق الانسانية ؟.نحن العرب وغيرنا من باقي البشر ندرس لغاتنا البشرية حسب قواعدها ونظم قوانينها الكلامية ، فهناك مبتدأ وخبر وهنا فاعل ومفعول ، واخر جار ومجرور ، وثالث ....الخ ، ومن الصعب ان اردتَ ان تتحدث لاي انسان اخر ، ان تنتقل من صورة كلامية الى اخرى بلا ملامح ربط تجعل ذهن السامع متابعا لفكرتك التي تريد ايصالها له ، أما ان اردت افتتاح حديثك عن سؤال ما بشيئ مختلف عن جواب السؤال فسيضل السامع في حيرة مماتقول بالفعل بسبب ان النظام والقانون اللغوي للغتنا البشرية تحتّم الجواب فورا على سؤال السائل لتكون هناك نقطة التقاء وتواصل وتفاهم بين المتكلم والمتلقي هذا !.أما في الاساليب القرءانية الاعجازية فالأمر مختلف تماما ، ومع انه مختلف نظما وقانونا وتراتبية في الكلام ، ومع ذالك هو الاوضح معنا والاشدّ بيانا ، والاكثر فهما لجميع البشر !.وعليه كان سبب تأخير جواب أسألة السائلين في سورة يوسف الى الاية السابعة في قوله سبحانه :(( لقد كان لكم في يوسف واخوته ءايت للسائلين )) من هذا المنطلق في الاسلوب القرءاني الخطابي المختلف عن نظام وقانون واساليب البشر الخطابية هنا ، بالاضافة الى انه مع اختلاف هذه النمطية القرءانية المختلفة ، ففي الاية مع تأخرها ترتيبيا في نظام التخاطب دورا تقوله في ترتيبها المتأخر ايضا لتؤكد : ان في قصة يوسف وأخوته دلائل وبراهين وحجج وصور واشكاليات ومعالم وافكار .....الخ لجميع السائلين عربا مشركين كانوا ام يهود واهل كتاب ، اعاجم اللسان كانوا ام عربا أقحاح ، رسل وانبياء أم عامة وعوام ، سادة مفكرين وعلماء أم جهلة وضيقي افق وطالبي حياة فحسب .... فلكل منهم نصيبه من الاي في قصة يوسف ع !.
al_shaker@maktoob.com