الاثنين، فبراير 02، 2009

قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر-5


( اذ قال يوسف لأبيه يأبت انّي رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) ******** هنا تبدأ الخطوة الاولى لقصة يوسف الكريم ابن يعقوب الكريم ابن اسحاق الكريم عليهم السلام جميعا وعلى نبينا محمد واله الطيبين وصحابته المنتجبين الصلاة واتم التسليم ، تبدأ قصته برؤية او بحلم - سنستخدم مفردة حلم بمعنى دافع نفسي هنا - ستكون ويكون هو الخريطة المستقبلية كلها لحياة هذا الصبي ابن نبي الله يعقوب ع ، وعادة مايكون لأي انسان منّا
في مرحلة الطفولة والصبى الخيالات النظيفة الواسعة في رؤيته للحياة ، فخيال الاطفال وكذا احلامهم ورؤياهم المنامية تحدد موهبتهم في هذه الدنيا وتدللّ على قوة ذاكرتهم العقلية حول العالم ، وخصوبة نفوسهم النّدية للانفتاح على الانسان ، والاحلام والرؤي ايضا جزء من اجزاء الخيال الواسع الذي يرتقي بالانسان صغيرا كان او كبيرا نحو التطلع واستشراف المستقبل والنظر اليه بتفائل او ربما يرتقي الخيال بصاحبه ليصبح دافعا عظيما نحو السعي للوصول الى تحقيق الامال الكبيرة في هذا الاجتماع الانساني الضيق والصغير !.وهكذا عندما يخبرنا النص القرءاني الكريم في قصة يوسف وفي أول ظهور له على مسرح الحدث القرءاني في حوار يجمع السؤال والغرابة مع الابوة والعطف والحنان والتربية في قالب من المفاجأ ، ليقول يوسف ع :(( اذ قال يوسف لأبيه يأبت أنّي رايت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين )) !.يوسف الصديق يرى في منامه ان أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدة له بمعنى او اخر !.ان الفتى يوسف ع يذهب بخياله اللاهوتي في عالم الرؤيا لا ليتعلق في السماء كباقي الصبية منّا في احلامهم ورؤاهم البريئة ليحلقوا طائرين في السماء ليقفوا على القمر او يصلوا للشمس او ليلامسوا كواكب الكون البعيدة .... لا وأنما لتهبط الشمس ومافيها من نور والقمر ومافيه من ضياء واحد عشر كوكبا وما يتمنعن به من علو لتسجد ليوسف في هذه الارض وعلى ثرى هذه البسيطة !.انه مشهد نادرا مايحدث في رؤيا وخيال احد منّا ولكن هل هناك فرق في خيال الانسان ورؤاه المنامية عالية القيمة بين ان يحلق اي احد منّا في رؤياه ليعلو في السماء ، وبين ان يرى في منامه ان السماء تحلق اليه لتسجد عند رجليه ؟.نعم هناك فرق واضح تماما بين ان احلق في منامي المتواضع الايحاءات في ليلة هادئة من ليالي التلقي والانفتاح وانا المتطلع للتلحيق لعالم المجهول ، وبين ان يأتي عالم المجهول لي ويسجد عند اعتاب قدماي المتواضعتين المنزلة ، فالرؤيا الاولى تظهر مافي نفسي من تطلع للحركة ونهوض بالخيال والسير فيه الى اعلى قمة الهرم السماوي ، فهو مجهود فكري شخصي يبذله المتطلع نحو التحليق بعيدا والرقي ابعد في السماء الواسعة ، أمّا ان أنا او انت رأيت في منامي انني لاابذل جهدا فكريا خياليا شخصيا يذكر لاصل لافاق السماء والتطلعات البعيدة ، بل ان تلك الافاق العالية والكواكب الراقية والشمس الدافئة والقمر المنير تأتي لي عنوة وبلا جهد السفر الطويل ، فعندها ادرك انه : بدلا من الجري وراء القدر لتحقيق الامال ، فسوف يجري القدر نحوي لثني الوسادة وتهيئة سجاد الريح لتحملني بعيدا جدا الى اعالي السماء !.انها فكرة لاحت من اول وهله لنا في رؤيا يوسف الصديق وهو يسأل ابيه الشيخ الكبير والنبي العظيم وصاحب التجربة البليغة عن تأويله لرؤياه التي يبدو انها تدلل على شيئ ما لايدركه يوسف ع بعد ، الا انه يدرك في داخله ان هذه الرؤيا شديدة العمق وكثيرة الرمّزية ، وكبيرة المعنى في نفس الوقت ، فما معنى ان تأتي السماء العالية بما فيها من كواكب وشمس وقمر لتسجد بتحية ملكية ليوسف الصغير ؟.في ثنايا الحديث عن قصة يوسف واغراضها الدلالية يذكر العلامة محمد حسين الطباطبائي في اول سطر من تفسيره ( الميزان في تفسير القرءان ) لقصة يوسف ان :( غرض السورة بيان ولاية الله لعبده الذي أخلص ايمانه له تعالى ) وهذا الغرض الذي ذكره العلامة الطباطبائي في تفسيره العظيم المنزلة له اشارة فيما ذكرناه من ايحائية رؤيا يوسف الصديق ع عندما رأى ان السماء ومافيها وبدلا من ان يحلق هو للطواف في عالم الكون المجهول ، جاء هذا الكون بجلّ كواكبه الخطيرة لتسجد عند اعتاب اقدامه الشريفة ، وكأنما تريد الرؤية القول لنا وبصراحة : ان هناك من يسعى للوصول الى تحقيق بعض احلامه في هذه الدنيا الهزيلة في كدّ وتعب ، وهناك من يسعى القدر له ليأتي اليه صاغرا بتحية ووقار ، ويوسف ع قدم الاخلاص والايمان بالله سبحانه والعمل بطاعته جلّت قدرته ، لتأتي بعد ذالك ولاية الله العظيمة وقدره النافذ ليرعى هو يوسف ويأخذ بيديه ويذلل له الاسباب الكلية ليصل القدر الى يوسف ع بدلا من وصول يوسف لقدره المحتوم !.نعم وكذالك من ضمن ايحاءات رؤيا يوسف الكريم ع التي تطالعنا من هنا وهناك ونحن نتأمل بداية قصة يوسف التي بدأت ب (رؤيا ) ليوسف رآها في منامه علينا ان نسأل : لماذا بدأت قصة وحياة يوسف العظيم برؤية ؟.كان بالامكان بدايتها في اي زاوية من زوايا حياة هذا الفتى الغريب الاطوار يوسف الصديق ع !.في زاوية العبادة !.او زاوية التأمل !.او زاوية التربية وطاعة الوالدين او زاوية !.......الخ ، كل هذه زوايا قابلة للبداية في حياة اي شخصية كارزمية الوجود وغريبة الحركة ، ولكن لماذا يوسف الصديق ع وكثير من الانبياء والقادة الرساليين في التاريخ تبدأ قصة حياتهم الشريفة برؤيا تسمى نبوة او تنبئ فيما بعد ؟.هل بسبب ان ليوسف وكذا باقي الانبياء مشاريع عظيمة في هذه الحياة المتحركة ولذالك كانت الرؤية بداية حلم للتطلع الى المستقبل البعيد ؟.أم بسبب ان حركة الانبياء والرسل العظماء يجب ان تبتدأ بحلم ورؤية يسعى هذا الرسول او ذاك ليحقق تأويلها على ارض الواقع بكل اصرار وحزم ؟.ان الجواب ان كان هذا او ذاك ، فيكفي ان نعلم ان حياة الانسان العظيم تبتدأ او ينبغي ان تبدأ بحلم يشكل الدافع له نحو الحركة والاصرار للوصول الى هذا الحلم الكبير ، وبرؤيا تعطيه الزخم الكامل والايمان المطلق بقدر الله الذي يصوغ هذا الانسان كيفما شاء في هذه الدنيا !.ان ليوسف العظيم وكما سوف تقصه قصته فيما بعد طريق طويل جدا وشاق في هذه الحياة ، وهو بحاجة واقعية لحلم كبير ورؤيا متطلعة تفهمه ومنذ البداية بقدره المحتوم ليكون القدر هو المربي الاول ليوسف الانسان ع ، كما انه يجب علينا نحن البشر العاديين ان نربي ابنائنا على صناعة احلامهم ولابأس بتشكيل رؤياهم لمستقبلهم المجهول لنزرع داخل اطفالنا قدرهم ومجهولهم المستقبلي بدلا من ان يزرع المجهول قدره في حياة ابنائنا في الحياة !.(( اذ قال يوسف لأبيه يأبت اني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ))