الاثنين، فبراير 02، 2009

قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر-24


((فلمّا ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابات الجبّ ، وأوحينا اليه اليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لايشعرون )) ****** انتهى حوار وجدل ابناء يعقوب السابق مع ابيهم :(( قالوا يأبانا مالك لاتأمنا على يوسف وانا له لناصحون ، أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وانا له لحافظون ، قال اني ليحزنني ...)) الى انتقال النص لصورة :(( فلمّا ذهبوا به ..)) ليقول لنا النتيجة المتوصل اليها بين يعقوب وابنائه ، وهي : رضوخ او استسلام يعقوب لمطلب الابناء في ارسال يوسف معهم ليرتع ويلعب ويكونوا له من الحافظين !. وبالفعل اول افتتاحية النص تبدأ ب :(( فلمّا ذهبوا به ..)) ومن هنا حتى نهاية مفردات هذا النص سنلاحظ الانتقال في الخطاب القصصي من الفردية
الخطابية في (( قال قائل منهم )) وانتقالها بالكامل الى الجماعية في مشهد الاخوة ليبدأ بالقول وبصيغة الحكاية عن الجماعة المجمعين تماما على الامر :(( فلمّا ذهبوا به ..)) ، ثم بعد هذا القرار الجماعي في عملية الذهاب بيوسف ، يردف النص ايضا وبنفس لغة الخطاب الجماعية الصورة الاخرى من المشهد ليقول ايضا بنفس الاسلوب :(( وأجمعوا أن يجعلوه في غيابات الجبّ ..)) فياترى ماسرّ هذه الصيغة الخطابية في هذه المرحلة من القصة وانتقالها بشكل ملفت ومؤكد مرتين في نص واحد على حكاية الخطاب الجماعي ؟.السرّ واضح كما اعتقد وهو : ان النص القرءاني يريد القول وبقوّة الى ان قصة ابناء يعقوب (ومن هذه الخطوة وهي خطوة الذهاب بيوسف ،) بدأوا بالتوحد الكامل في اخذ القرارات النهائية لمصير يوسف في هذه الحياة ، ومن هنا كان اجماعهم واضح ومؤكد تماما كما نقله النص القرءاني المبارك ، فهم من وقت خروجهم بيوسف ع وحتى وصولهم الى طريق الصحراء كانوا على اجماع لاخلاف فيه ابداً على قرار الذهاب الاخير بيوسف ، ولهذا جاء الخطاب الناقل لصورة الاخوة على شاكلة :(( فلمّا ذهبوا به )) ليؤكد على ذهابهم او قرار ذهابهم الجماعي بيوسف وهم على عزم تام بفعل الجريمة !.اي وبمعنى آخر : انه كان قرار الذهاب قرارا اجماعيا لاخلاف عليه بين اخوة يوسف ، فليس هناك من له رأي نأخذ يوسف المسكين او لانأخذه كما حصل في اول مداولاتهم في مؤتمر الجريمة عندما قال احدهم (( اقتلوا يوسف ..)) وقال الاخر :(( لاتقتلوا يوسف ...)) هذا الجدل انتهى تماما في مرحلة :(( فلمّا ذهبوا به )) لتتحول المسؤولية الى مسؤولية جماعية بالتمام ، وليس لاحدهم منفذ في التملص من مسؤولية الذهاب بيوسف حتى وان كان ناكرا بقلبه جريمة الذهاب بطفل بريئ الى مقصلة الموت او الغيبة فما دام رضي بالذهاب فهو شريك بالجريمة وقراراتها الاخيرة الجماعية ، ولهذا أشرّ النص بحكاية الخطاب الجماعي الذي ليس فيه شبهة اختلاف تذكر ليقول :(( فلمّا ذهبوا به )) كلهم بلا اي اختلاف في قرارهم على الذهاب بيوسف لمصيره الاخير هذا ، وهذا مانعتقد انه جواب :(( لمّا )) الذي بحث عنه المفسرون كثيرا ليقولوا ان جواب (لمّا) محذوب وتقديره هكذا !.ثم وبعد هذه الصورة الاولية لخطاب (ذهبوا به ) جاءت الصورة الاخرى لتؤكد حكاية الخطاب والمسؤولية الجماعية لابناء يعقوب في اتخاذ القرارات النهائية لتنفيذ الجريمة ، ولكنّ بصورتها الثانية ، وهي صورة :(( وأجمعوا أن يجعلوه في غيابات الجبّ )) فهي صورة اخرى غير صورة وقرار الذهاب بيوسف ، بل هي صورة وقرار الاجماع الذي شملهم جميعا بجعل يوسف في غيابات اجبّ ، فهم كلهم وبلا خلاف وباغلبية مطلقة أجمعوا على ان يجعلوا يوسف في غيابات الجب وبلا ادنى معارضة من احد منهم او خلاف في الرأي !.كأنما النص القرءاني في نقله لهذين المشهدين اراد ان يقول : ان في قصة ابناء يعقوب مع اخيهم يوسف في مشهد الخروج من يعقوب والوصول الى مراتع البادية وساحات لعبها كما ذكر ابناء يعقوب لابيهم ، كانت فيها محطتي قرار نهائية لتنفيذ جريمة قتل او نفي يوسف والى الابد ، القرار الاول الذي كان بحاجة الى اجماع نهائي هو : الذهاب بيوسف الى مكان تنفيذ الاعدام الاغترابي او القتلي بيوسف ، والقرار الثاني هو قرار جعل يوسف في غيابات الجبّ ، وفي كلا القرارين الخطيرين كان الاجماع رهيبا عند أخوة يوسف !.فاذن : قوله سبحانه :(( فلمّا ذهبوا به )) اشارة للاجماع الحاصل في الراي لاخوة يوسف على الذهاب به ، مضافا اليه تحميل القرءان مسؤولية الذهاب بيوسف الى جميع ابناء يعقوب بلا استثناء حتى وان كان هناك من الذين شاركوا بالجريمة وهم لها كارهون !.أما قوله سبحانه :(( وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجبّ )) فهو تأكيد ثاني لمسؤولية مجموع ابناء يعقوب واجماعهم على فعل الجريمة ، مضافا اليه أجماعهم ايضا على جعل يوسف في غيابات الجبّ المظلمة ليلاقي مصيره هو : اما موتا وأما نجاة ولكن مع غربة ليلتقطه بعض السيارة المارين من الشام الى مصر غربا !.وفعلا ما أن انتهى الذهاب حتى القي بيوسف ع في غيابات الجبّ المظلمة ، وبينما كان يوسف بين سماء الجبّ وقعره المظلم تحولت حياة يوسف بنقلة نوعية عجيبة لاهي على بال احد ولاتخطر على قلب بشر !.في هذه اللحظة من رمي او القاء يوسف في غيابات الجبّ ، كان اخوة يوسف يفكرون بموته وحياته بعد هذا الالقاء الوحشي ، وربما كان يوسف ايضا معلقا بين سماء وارض لايعلم هل سينزل لقعر الجبّ حيّا او ميتا ،.... في هذه اللحظة بالذات كانت المفاجأة الاولى ليوسف وهي مفاجأة :(( وأوحينا اليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لايشعرون )) !.في لحظة السقوط ليوسف ينزل وحي الله سبحانه ليقذف في قلب يوسف كلمة الاطمئنان الكامل ليقول له بمامعناه : لاتخف دركا ولاتخشى ، ولسوف تنبئ اخوتك بأمرهم هذا !.الحقيقة انها صورة لو اجتمع على رسمها فناني العالم الانساني كله لما اجادو نحتها او رسمها بمثل هذه الكلمات القرءانية المعبرة فعلا ؟!.فما ان كانت الصورة القرءانية تشير الى :(( ان يجعلوه في غيابات الجبّ )) حتى اتت صورة الوحي الالهي هابطة ليوسف لتقول :(( وأوحينا اليه ..)) وكأنما الوحي هو يد القدرة الالهية التي امتدّت لتلقف يوسف وهو بين سماء وارض الجبّ ، لتنزله بهدوء وعلى سكينة مطلقة وهي تقول له :(( لتنبئنهم بأمرهم هذا )) فأي صورة بعد هذا التصوير القرءاني المعجز المنحوت بكلمات قرءانية صورته ( هذا النحت ) ظاهرة بكل لمساتها الفنية داخل اي فكر وضمير وروح ونفسي انسانية !.تصوروا معي : طفل بريئ يرمى به في جبّ ليس له ظلمة واحدة بل له غيابات عديدة للتدليل على عمقه وانه صاحب اكثر من غيابة واكثر من ظلمة عند النظر اليه من اعلى ، فهو لذالك بعيد القعر من الارض ، والذي يرمى به بحاجة الى وقت قصير جدا ليصل الى ارض الجبّ ، وفي اثناء اسقاط الطفل يوسف ع وفي لحظاته الاخيرة وهو مأخوذ بحرارة الروح المعلقة بين السماء والارض ، يلتفت فاذا لااسباب نجاة تذكر ، ولامعين يحضر ، ولا شيئ من علل الحياة تبقى ، فيسلم امره كله لله سبحانه وتعالى كأي انسان منّا يودع الحياة على الحقيقة ، فاذا الله سبحانه حاضرا عنده بوحيه ، واذا يد القدرة الالهية تصبح له حبل النزول المنقذ ، واذا عناية الرب الابدية تغمر الروح والقلب معا لتهدئ من الروعة ، واذا الاجتباء الالهي جاء وقته الان !.انها كانت عملية برمتها تشير الى اول صدق تأويل يعقوب لرؤيا يوسف ع عندما قال :(( وكذالك يجتبيك ربك ..)) فهل كان احدا في العالم ليفكر ان تكون اول خطوات اجتباء يوسف وهو في هذه الحالة ؟.ثم لماذا هذه الحالة ويوسف معلق بين سماء وارض وفي نزوله لقعر جبّ اسود كان الاجتباء ليوسف ع ؟.
al_shaker@maktoob.com