(( أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وأنا له لحافظون )) ***** ما الشيئ الطبيعي وحسب انماط الحياة الاجتماعية البدوية الذي دفع يعقوب للسماح ليوسف ان يذهب مع اخوته يرتع ويلعب ؟. الشيئ الطبيعي بالنسبة ليعقوب كان رغبة ابناءه اصحاب العصبة بأن يصطحبوا معهم اخاهم الصغير للمراعي يرتع ويلعب وهم له من الناصحين في انفسهم والحافظين من عدوهم ؟. وهل كان هناك حراك شك او ريب يتحرك في صدر يعقوب تجاه هذا الطلب الاخوي لأخذ يوسف ؟. لوكان هناك مؤشرات خيانه ، او علامات مؤامرة على عنوان هذا الطلب لما سمح يعقوب مطلقا بأرسال يوسف الى المجهول !؟.
أذن ماهي الدواعي الاجتماعية الحقيقية التي ضغطت على يعقوب ليستسلم لارادة الاخوة الكبار ؟.وهل مجرد اللعب والرتع شيئ كافي لتعريض صبي لخطر الارض المذئبة في صحراء الشام الجنوبية الخطيرة ؟.الحقيقة انه ليس بأمكاننا فهم مداخل ومخارج تصرفات الوالد الحكيم يعقوب في مثل هذه الزوايا من حياته العائلية اذا لم نفهم اولا نمطية حياة البادية الاجتماعية وكيفية وظائف كل انسان في عضويتها ، وكذالك ليس بالامكان فهم وقوة طلب اخوة يوسف من ارسال يوسف معهم لمراعي البادية ، اذا لم نفهم ايضا لماذا ينبغي على يوسف الصبي ان يخرج معهم للمراعي والرتوع واللعب كذالك !.وعليه كان ولم يزل فهم نمطية اي حياة اجتماعية تطلعنا على فهم نمطية تفكير اي فرد من افراد هذا المجتمع ، ومن هنا تساءلنا : ما الشيئ الذي دفع وارغم يعقوب على ارسال صبيه العزيز جدا وجوهرته الثمينة في الحياة والذي يحزنه كثيرا فراقه لساعات الى ارض مذئبة وحلبات سباق ولهو يغفل فيها الحفيظ ويفرط فيها الناصح ؟.وفي نفس الاطار نتساءل : ما الشيئ في الحياة الاجتماعية البدوية لعائلة يعقوب وابنائه الذي اعطى دعم كبير لاخوة يوسف في مطلبهم ب :(( ارسله معنا غدا يرتع ويلعب ونحن له لحافظون ))؟. الواقع ان الشيئ الذي ارغم يعقوب على قبول طلب ابنائه بشأن يوسف هو : ان لحياة البداوة قوانين بشأن افرادها المنخرطين تحت أوامرها الاجتماعية العليا ، فلكل فرد عمله المناط به في حياة البادية ففي السلم الفرد البدوي اما مشتغل برعاية اسباب حياته وثروته الحيوانية والطبيعية ، واما انه يتهيئ من خلال التدريب الشاق على الدفاع والهجوم لصد الاعداء في حياة الصحراء ، وهكذا في الحرب فواجب الفرد البدوي منحصرا في دفع العدو والدفاع عن الاهل والثروة وحماية الوجود ، وهذه النمطية المعيشية لحياة البادية هي التي تطلعنا على حركة حياة عائلة يعقوب انذاك بشكلها الذي يفرض نمطيته وسلوكياته التربوية على جميع افراد الاجتماع البدوي ، ومن هنا كان الرجال في البوادي مدركين تماما لتقسيم نظم حياتهم الفردية والاجتماعية الاسرية المكبرّة ، أما الصبيان والجيل الذي يتهيئ للانظمام الى عصابة القبيلة فعليه ان يبدأ من سن معينة للتهيئ النفسي والجسدي الطبيعي لخشونة الرجولة وصعوبة العيش في الصحراء القاسية ليكون الصبية مهيئين طبيعيا على التكيّف ومن ثم الانتقال لحياة الحرب والسلم في قوانين البوادي المختلفة تماما عن قوانين التمدن وترف الابنية المدرية !.والان وبعد هذه الصورة من قوانين حياة البادية تتضح صورة طلب ابناء يعقوب من ابيهم في قولهم اولا :(( يابانا مالك لاتأمنّا على يوسف وانا له لحافظون )) باعتبار ان السؤال الاستنكاري جاء في اطاره البدوي والعصبوي القانوني الصحيح الذي يستهدف الانكار على الاب من زاوية قوانين المجتمع التي تعطي سلطة ادارة الشؤون في القبائل لاهل العصبة ، واخوة يوسف هم اهل العصبة (( ونحن عصبة )) وعليه فهم المسؤولون عن الكبار والصغار في حياة القبيلة ، بل وهم اصحاب الادارة الفعلية لشأن الاجتماع داخل القبيلة ، فهم مَن يدرك موقع فلان في لبنات المجتمع ، وصلاحه للحرب او للسلم ، او للرعي او الفروسية ... وهكذا ، يفهم اهل الادارة والعصبة امكانيات كل فرد في القبيلة والشأن الذي بامكانه ادارته من خلال التجربة والتدريب له ، ويوسف بن يعقوب على هذه النمطية التربوية صبي من صبيان القبيلة الكبرى ، ويجب ان يكون له دور في حياة البادية الصعبة المراس ، ولايهيئ يوسف لهذا الدور بوجود أب كيعقوب لايأمنه من الريح الداخلة في انفه ، فكيف لاهل العصبة البدوية ان يهيئوا طفل صغير لحياة اجتماعية قاسية جدا بوجود هذا الدلال الذي يصلح لحياة المدن الا انه مفسد لحياة البادية ، فجاء الاستنكار في محله تماما من قبل ابناء يعقوب ليقول :(( مالك لاتأمنا على يوسف )) وكأنما يريد ان يقول بما معنا : ان مثل هذه الرعاية المفرطة للصبي يوسف افساد له ولحياتنا القبلية الاجتماعية ، وموضوع انك ياوالدنا يعقوب تخشى على يوسف وتخاف عليه من كل شيئ حتى من انخراطه الطبيعي في حياتنا الاجتماعية ووجوب تعليمه وتلقينه وممارستها لحياة البادية .... كل هذا يجعل من يوسف عضويا غير فاعل في حياتنا البدوية ويعيقه من القيام باي وظيفة له في الحياة البدوية ؟.فكيف له ان يفهم كيفية الدفاع عن نفسه اذا لم نقم بتهيئته وتدريبه منذ الان ؟.وكيف له ان يتعلم رعاية الثروة والقيام على حفظها وطرق القيادة فيها ؟.وكيف لصبي ان يدرك طرق الصحراء ومداخلها ومخارجها والاقتداء بأثارها ؟.وكيف له في النهاية ان يصبح رجل بادية صلب وقوي ؟.كيف يكون كل ذالك ليوسف وانت تمنع عنه ياوالدنا المعرفة والادرام والممارسة والتدريب بأمساكك له بهذه الصورة ؟.ومن يقوم بكل هذه الوظائف الاجتماعية للصبي يوسف غير اخوته وعائلته ؟.فأذن :(( مالك لاتأمنا على يوسف وانا له من الناصحين )) فنحن نريد نصحه وفلاحه وتدريبه وفي النهاية تهيئته ليصبح رجلا يعتمد على نفسه في الحياة ؟.هذا هو المنطق الذي كان يفهمه اخوة يوسف في مطلبهم من ابيهم بضرورة الايمان والثقة بهم بشأن ادارة العائلة كلها ، كما انه نفس المنطق الذي يرغم يعقوب على السماح ليوسف ليذهب مع اخوته وكخطوة اولى لتهيئة صبي صغير في (( يرتع ويلعب وانا له لحافظون ))!.ان منطوق النص القرءاني الثاني لمقولة ابناء يعقوب في :(( أرسله معنا يرتع ويلعب وانا له لحافظون )) ايضا يصب بنفس دلالات النمطية الاجتماعية التربوية البدوية التي اشرنا اليها انفا ، فبعد الاستنكار على الاب يعقوب ع من قبل الابناء الاقوياء ، يأتي دور الابناء في شرح ماهية الاستنكار والطلب في سؤالهم الطبيعي ليقول :اولا :(( ارسله معنا )) وهي كلمة يفهم من معاكسها ان هناك امساك شديد ليوسف من قبل يعقوب ، فجاءت كلمة (( ارسله )) التي تدلل على اطلاق السراح والتحرر من القيود .... وماشاكل ، لتثير داخل دماغ يعقوب صورة الحبس والامساك والاعتقال لهذا الصبي الصغير يوسف ، مما يدفع الاب يعقوب باعادة النظر بامساكه الغريب هذا نوعا ما ، ويثير داخله الشفقة الابوية على صبي اسمه يوسف ، من جهة هو لابد ان يمارس الحياة بطبيعية كي يتأهل في هذه السن من العمر لينتقل الى مرحلة الشباب والرجولة ، ومن جهة اخرى فهو صبي يراد له اللعب للتمرّن على حياة البادية والرتوع للصحة والعافية ، وكلا المطلبين يدرك اي اب في هذه الدنيا انها من حقوق الاطفال والصبية الطبيعية ، فقرر يعقوب على الفور ضرورة القبول بالطلب وان كانت النفس تحزن لفراق هذا الصبي !.ثانيا :(( معنا )) وفي هذه المفردة ايضا معنىً ايحائي ليعقوب ، بأن الصبي يوسف سوف يكون في معية اخوته من العصبة الاشداء ، فلامبرر على هذا المنطق لقلق يعقوب او خوفه على يوسف ، وفيها ايضا اشارة من النص القرءاني : ان يعقوب عندما يسمع هذه الكلمة يطمئن اكثر على سلامة يوسف ، مما يدفعنا للاعتقاد انه وحتى هذه اللحظة كان يعقوب يعتقد في ابنائه الخير والحب لاخيهم يوسف ، بدليل (( معنا )) التي تؤكد ليعقوب : ان معية ابناءه في صالح يوسف وليس ضده ، مما دفعه للاطمئنان اكثر على الصبي ، ومما يشير الى ان الاخوة لم يقولوا هذه المعية ليوسف ان لم يكونوا على يقين انها فاعلة في مشاعر وعقل ابيهم العجوز يعقوب ، ولهذا قيل ليعقوب وكضمان له ((ارسله معنا ))!.ثالثا :(( غدا يرتع ويلعب )) وكأنما غاية الاخوة كانت في طلبهم من الاب يعقوب هي ليس تحميل يوسف مالاطاقة له من عمل الرجال في القبيلة ، وانما كان طلبهم لصالح يوسف نفسه باعتبار انه صبي يجب ان يهيئ للحياة بشكل عملي من خلال :اولا : (يرتع) بأن يتفكه من منتوجات البادية الزراعية والتي هي ليس بالطبع كفاكهة المدن الناعمة ، وانما هو تفكه من نوع آخر يعتمد على معرفة الزروع المفيدة لصحة الانسان من اعشاب البادية من الضار منها ، وكم هم اؤلئك من ابناء غير البادية الذين لايدركون من اعشاب الصحراء الضارة من النافعة فيقع المحذور ، بينما ابن البادية لابد ان يكون عليما بكل اصناف ثمار الصحراء ليميز بين الجيد والرديئ ، وكيف ليوسف الصبي بهذه المعرفة الا من خلال الممارسة والتجربة والخروج مع اخوته للرتوع واستذواق ثمار الصحراء والبادية ؟.وثانيا :(( يلعب )) واجمل المعرفة والادراك ماكان معه لعب ، او ان غاية لعب الصبيان لاكتشاف الحياة من حولهم ، وهو كما ترى ضرورة تربوية صالحة لكل زمان ومكان !.الان هناك من المفسرين من ذهب يمينا وشمالا ليتخبط بلا ادنى ادراك وفهم لمقاصد القرءان العظيم من نقل مفردة (( يلعب )) وانه كيف يجوز لنبي كيوسف ان يلعب ؟. او ان اخوة يوسف لايفهمون من الحياة الا اللعب فاعتقدوا ان يوسف يلعب !. ..... الخ كل هذا وغيره من عالم المحسوبين على اهل التفسير لاينبغي الالتفات اليه او احترامه !.لكن يبقى ان للمفردة القرءانية اي مفردة مكانها الاعجازي العظيم ، و (( يلعب )) وان كانت اتت على لسان ابناء يعقوب ونسبة اليهم ، الا انها كلمة تنم عن عقلاء حاولوا حياكة مؤامرة تستهدف انتزاع يوسف من ابيه الحريص عليه جدا ، فكان الرأي طرح مالاحجة ليعقوب برفضه ، فكانت (( يرتع ويلعب )) احد الادوات التي تخضع يعقوب للمطلب ، وعلى اي حال اللعب ليس هو بالشيئ السيئ للصبية بقدر ماهو الشيئ الطبيعي لتعرفهم على الحياة ، ويوسف على هذا المنطق بحاجة الى تربية اللعب الضرورية لاكتشافه حياة البادية التي يراد لها ان تكون الحاضن الاجتماعي الطبيعي له ، وعليه كصبي ان يدرك الحياة من حوله اولا ليداف عنها فيما بعد او الاصح يدافع فيها عن وجوده ووجود عائلة من خلال قوانين معروفة سلفا لديه ، وهذا ماكان من غاية لابناء يعقوب في كلمتهم لوالدهم بشأن يوسف (( ويلعب )) وهذا مايضطر والدا كيعقوب بالسماح ليوسف باللعب والذهاب مع اخوته للعب بحياة البادية !.رابعا :(( وانا له لحافظون )) وفي هذه الجملة وحدها ثلاث تأكيدات لغوية لاخوة يوسف تطرح امام الوالد يعقوب :الاول :(أنّ ) والذي تفيد القوّة ، قوة تأكيد الحبر للمبتدأ .ثانيا : ( ل ) اللام والتي تفيد التأكيد بالمطلق .ثالثا :( حافظون ) والتي تفيد الحفظ المباشر بالمنطوق .وعلى هذا لم يكن امام العجوز يعقوب الا الموافقة !ز
al_shaker@maktoob.com
أذن ماهي الدواعي الاجتماعية الحقيقية التي ضغطت على يعقوب ليستسلم لارادة الاخوة الكبار ؟.وهل مجرد اللعب والرتع شيئ كافي لتعريض صبي لخطر الارض المذئبة في صحراء الشام الجنوبية الخطيرة ؟.الحقيقة انه ليس بأمكاننا فهم مداخل ومخارج تصرفات الوالد الحكيم يعقوب في مثل هذه الزوايا من حياته العائلية اذا لم نفهم اولا نمطية حياة البادية الاجتماعية وكيفية وظائف كل انسان في عضويتها ، وكذالك ليس بالامكان فهم وقوة طلب اخوة يوسف من ارسال يوسف معهم لمراعي البادية ، اذا لم نفهم ايضا لماذا ينبغي على يوسف الصبي ان يخرج معهم للمراعي والرتوع واللعب كذالك !.وعليه كان ولم يزل فهم نمطية اي حياة اجتماعية تطلعنا على فهم نمطية تفكير اي فرد من افراد هذا المجتمع ، ومن هنا تساءلنا : ما الشيئ الذي دفع وارغم يعقوب على ارسال صبيه العزيز جدا وجوهرته الثمينة في الحياة والذي يحزنه كثيرا فراقه لساعات الى ارض مذئبة وحلبات سباق ولهو يغفل فيها الحفيظ ويفرط فيها الناصح ؟.وفي نفس الاطار نتساءل : ما الشيئ في الحياة الاجتماعية البدوية لعائلة يعقوب وابنائه الذي اعطى دعم كبير لاخوة يوسف في مطلبهم ب :(( ارسله معنا غدا يرتع ويلعب ونحن له لحافظون ))؟. الواقع ان الشيئ الذي ارغم يعقوب على قبول طلب ابنائه بشأن يوسف هو : ان لحياة البداوة قوانين بشأن افرادها المنخرطين تحت أوامرها الاجتماعية العليا ، فلكل فرد عمله المناط به في حياة البادية ففي السلم الفرد البدوي اما مشتغل برعاية اسباب حياته وثروته الحيوانية والطبيعية ، واما انه يتهيئ من خلال التدريب الشاق على الدفاع والهجوم لصد الاعداء في حياة الصحراء ، وهكذا في الحرب فواجب الفرد البدوي منحصرا في دفع العدو والدفاع عن الاهل والثروة وحماية الوجود ، وهذه النمطية المعيشية لحياة البادية هي التي تطلعنا على حركة حياة عائلة يعقوب انذاك بشكلها الذي يفرض نمطيته وسلوكياته التربوية على جميع افراد الاجتماع البدوي ، ومن هنا كان الرجال في البوادي مدركين تماما لتقسيم نظم حياتهم الفردية والاجتماعية الاسرية المكبرّة ، أما الصبيان والجيل الذي يتهيئ للانظمام الى عصابة القبيلة فعليه ان يبدأ من سن معينة للتهيئ النفسي والجسدي الطبيعي لخشونة الرجولة وصعوبة العيش في الصحراء القاسية ليكون الصبية مهيئين طبيعيا على التكيّف ومن ثم الانتقال لحياة الحرب والسلم في قوانين البوادي المختلفة تماما عن قوانين التمدن وترف الابنية المدرية !.والان وبعد هذه الصورة من قوانين حياة البادية تتضح صورة طلب ابناء يعقوب من ابيهم في قولهم اولا :(( يابانا مالك لاتأمنّا على يوسف وانا له لحافظون )) باعتبار ان السؤال الاستنكاري جاء في اطاره البدوي والعصبوي القانوني الصحيح الذي يستهدف الانكار على الاب من زاوية قوانين المجتمع التي تعطي سلطة ادارة الشؤون في القبائل لاهل العصبة ، واخوة يوسف هم اهل العصبة (( ونحن عصبة )) وعليه فهم المسؤولون عن الكبار والصغار في حياة القبيلة ، بل وهم اصحاب الادارة الفعلية لشأن الاجتماع داخل القبيلة ، فهم مَن يدرك موقع فلان في لبنات المجتمع ، وصلاحه للحرب او للسلم ، او للرعي او الفروسية ... وهكذا ، يفهم اهل الادارة والعصبة امكانيات كل فرد في القبيلة والشأن الذي بامكانه ادارته من خلال التجربة والتدريب له ، ويوسف بن يعقوب على هذه النمطية التربوية صبي من صبيان القبيلة الكبرى ، ويجب ان يكون له دور في حياة البادية الصعبة المراس ، ولايهيئ يوسف لهذا الدور بوجود أب كيعقوب لايأمنه من الريح الداخلة في انفه ، فكيف لاهل العصبة البدوية ان يهيئوا طفل صغير لحياة اجتماعية قاسية جدا بوجود هذا الدلال الذي يصلح لحياة المدن الا انه مفسد لحياة البادية ، فجاء الاستنكار في محله تماما من قبل ابناء يعقوب ليقول :(( مالك لاتأمنا على يوسف )) وكأنما يريد ان يقول بما معنا : ان مثل هذه الرعاية المفرطة للصبي يوسف افساد له ولحياتنا القبلية الاجتماعية ، وموضوع انك ياوالدنا يعقوب تخشى على يوسف وتخاف عليه من كل شيئ حتى من انخراطه الطبيعي في حياتنا الاجتماعية ووجوب تعليمه وتلقينه وممارستها لحياة البادية .... كل هذا يجعل من يوسف عضويا غير فاعل في حياتنا البدوية ويعيقه من القيام باي وظيفة له في الحياة البدوية ؟.فكيف له ان يفهم كيفية الدفاع عن نفسه اذا لم نقم بتهيئته وتدريبه منذ الان ؟.وكيف له ان يتعلم رعاية الثروة والقيام على حفظها وطرق القيادة فيها ؟.وكيف لصبي ان يدرك طرق الصحراء ومداخلها ومخارجها والاقتداء بأثارها ؟.وكيف له في النهاية ان يصبح رجل بادية صلب وقوي ؟.كيف يكون كل ذالك ليوسف وانت تمنع عنه ياوالدنا المعرفة والادرام والممارسة والتدريب بأمساكك له بهذه الصورة ؟.ومن يقوم بكل هذه الوظائف الاجتماعية للصبي يوسف غير اخوته وعائلته ؟.فأذن :(( مالك لاتأمنا على يوسف وانا له من الناصحين )) فنحن نريد نصحه وفلاحه وتدريبه وفي النهاية تهيئته ليصبح رجلا يعتمد على نفسه في الحياة ؟.هذا هو المنطق الذي كان يفهمه اخوة يوسف في مطلبهم من ابيهم بضرورة الايمان والثقة بهم بشأن ادارة العائلة كلها ، كما انه نفس المنطق الذي يرغم يعقوب على السماح ليوسف ليذهب مع اخوته وكخطوة اولى لتهيئة صبي صغير في (( يرتع ويلعب وانا له لحافظون ))!.ان منطوق النص القرءاني الثاني لمقولة ابناء يعقوب في :(( أرسله معنا يرتع ويلعب وانا له لحافظون )) ايضا يصب بنفس دلالات النمطية الاجتماعية التربوية البدوية التي اشرنا اليها انفا ، فبعد الاستنكار على الاب يعقوب ع من قبل الابناء الاقوياء ، يأتي دور الابناء في شرح ماهية الاستنكار والطلب في سؤالهم الطبيعي ليقول :اولا :(( ارسله معنا )) وهي كلمة يفهم من معاكسها ان هناك امساك شديد ليوسف من قبل يعقوب ، فجاءت كلمة (( ارسله )) التي تدلل على اطلاق السراح والتحرر من القيود .... وماشاكل ، لتثير داخل دماغ يعقوب صورة الحبس والامساك والاعتقال لهذا الصبي الصغير يوسف ، مما يدفع الاب يعقوب باعادة النظر بامساكه الغريب هذا نوعا ما ، ويثير داخله الشفقة الابوية على صبي اسمه يوسف ، من جهة هو لابد ان يمارس الحياة بطبيعية كي يتأهل في هذه السن من العمر لينتقل الى مرحلة الشباب والرجولة ، ومن جهة اخرى فهو صبي يراد له اللعب للتمرّن على حياة البادية والرتوع للصحة والعافية ، وكلا المطلبين يدرك اي اب في هذه الدنيا انها من حقوق الاطفال والصبية الطبيعية ، فقرر يعقوب على الفور ضرورة القبول بالطلب وان كانت النفس تحزن لفراق هذا الصبي !.ثانيا :(( معنا )) وفي هذه المفردة ايضا معنىً ايحائي ليعقوب ، بأن الصبي يوسف سوف يكون في معية اخوته من العصبة الاشداء ، فلامبرر على هذا المنطق لقلق يعقوب او خوفه على يوسف ، وفيها ايضا اشارة من النص القرءاني : ان يعقوب عندما يسمع هذه الكلمة يطمئن اكثر على سلامة يوسف ، مما يدفعنا للاعتقاد انه وحتى هذه اللحظة كان يعقوب يعتقد في ابنائه الخير والحب لاخيهم يوسف ، بدليل (( معنا )) التي تؤكد ليعقوب : ان معية ابناءه في صالح يوسف وليس ضده ، مما دفعه للاطمئنان اكثر على الصبي ، ومما يشير الى ان الاخوة لم يقولوا هذه المعية ليوسف ان لم يكونوا على يقين انها فاعلة في مشاعر وعقل ابيهم العجوز يعقوب ، ولهذا قيل ليعقوب وكضمان له ((ارسله معنا ))!.ثالثا :(( غدا يرتع ويلعب )) وكأنما غاية الاخوة كانت في طلبهم من الاب يعقوب هي ليس تحميل يوسف مالاطاقة له من عمل الرجال في القبيلة ، وانما كان طلبهم لصالح يوسف نفسه باعتبار انه صبي يجب ان يهيئ للحياة بشكل عملي من خلال :اولا : (يرتع) بأن يتفكه من منتوجات البادية الزراعية والتي هي ليس بالطبع كفاكهة المدن الناعمة ، وانما هو تفكه من نوع آخر يعتمد على معرفة الزروع المفيدة لصحة الانسان من اعشاب البادية من الضار منها ، وكم هم اؤلئك من ابناء غير البادية الذين لايدركون من اعشاب الصحراء الضارة من النافعة فيقع المحذور ، بينما ابن البادية لابد ان يكون عليما بكل اصناف ثمار الصحراء ليميز بين الجيد والرديئ ، وكيف ليوسف الصبي بهذه المعرفة الا من خلال الممارسة والتجربة والخروج مع اخوته للرتوع واستذواق ثمار الصحراء والبادية ؟.وثانيا :(( يلعب )) واجمل المعرفة والادراك ماكان معه لعب ، او ان غاية لعب الصبيان لاكتشاف الحياة من حولهم ، وهو كما ترى ضرورة تربوية صالحة لكل زمان ومكان !.الان هناك من المفسرين من ذهب يمينا وشمالا ليتخبط بلا ادنى ادراك وفهم لمقاصد القرءان العظيم من نقل مفردة (( يلعب )) وانه كيف يجوز لنبي كيوسف ان يلعب ؟. او ان اخوة يوسف لايفهمون من الحياة الا اللعب فاعتقدوا ان يوسف يلعب !. ..... الخ كل هذا وغيره من عالم المحسوبين على اهل التفسير لاينبغي الالتفات اليه او احترامه !.لكن يبقى ان للمفردة القرءانية اي مفردة مكانها الاعجازي العظيم ، و (( يلعب )) وان كانت اتت على لسان ابناء يعقوب ونسبة اليهم ، الا انها كلمة تنم عن عقلاء حاولوا حياكة مؤامرة تستهدف انتزاع يوسف من ابيه الحريص عليه جدا ، فكان الرأي طرح مالاحجة ليعقوب برفضه ، فكانت (( يرتع ويلعب )) احد الادوات التي تخضع يعقوب للمطلب ، وعلى اي حال اللعب ليس هو بالشيئ السيئ للصبية بقدر ماهو الشيئ الطبيعي لتعرفهم على الحياة ، ويوسف على هذا المنطق بحاجة الى تربية اللعب الضرورية لاكتشافه حياة البادية التي يراد لها ان تكون الحاضن الاجتماعي الطبيعي له ، وعليه كصبي ان يدرك الحياة من حوله اولا ليداف عنها فيما بعد او الاصح يدافع فيها عن وجوده ووجود عائلة من خلال قوانين معروفة سلفا لديه ، وهذا ماكان من غاية لابناء يعقوب في كلمتهم لوالدهم بشأن يوسف (( ويلعب )) وهذا مايضطر والدا كيعقوب بالسماح ليوسف باللعب والذهاب مع اخوته للعب بحياة البادية !.رابعا :(( وانا له لحافظون )) وفي هذه الجملة وحدها ثلاث تأكيدات لغوية لاخوة يوسف تطرح امام الوالد يعقوب :الاول :(أنّ ) والذي تفيد القوّة ، قوة تأكيد الحبر للمبتدأ .ثانيا : ( ل ) اللام والتي تفيد التأكيد بالمطلق .ثالثا :( حافظون ) والتي تفيد الحفظ المباشر بالمنطوق .وعلى هذا لم يكن امام العجوز يعقوب الا الموافقة !ز
al_shaker@maktoob.com