الصورة العربية كما يطرحها العقل الاسلامي ؟ / 3
كتابات - حميد الشاكر
ج - ضرورة الصورة العربية اسلاميا :
عادة مايكون طرح العقل الاسلامي ورؤيته في او حول هذا الموضوع او ذاك ، طرحا هو بحاجة لنوع من التأمل الفكري - الاجتهاد - والذي يبحث دائما عن المبرر او العلة او الحكمة ..... من وراء هذه الرؤية او تلك النظرة او ذاك الموقف للمدرسة الاسلامية ، وذالك بأعتبار ان الاطروحة الاسلامية - كما يدعي المسلمون - أطروحة الاهية تتميز بالحكمة العالية في مشاريع ونظرات هذه المدرسة الالهية ، ففي رؤية كمثل الرؤية الاسلامية حول الوجود الانساني - مثلا - نجد ان هناك علل وحكمة ومبررات مطروحة اسلاميا بشأن هذا الوجود النوعي للكائن البشري ، فلماذا وجد هذا الانسان ؟. وماهي الحكمة من وجوده على هذه الارض ؟. وما هي العلة لتكريمه او استحقاقه لهذا الكرامة العالية في المنظور الاسلامي ؟....... الخ ، كل هذه محاور مهمة لايقنع العقل الانساني بصورة عامة الا عندما تشبع فكريا وفلسفيا بالاجابة عليها ؟.
وهكذا نجد ان العقل الاسلامي يطرح الرؤى الكونية والوجودية والعالمية والانسانية والنفسية والاجتماعية ...... ، بهذه الصور المعرفية المعمقة والتي ربما كان للعقل الانساني منها نصيب المعرفة الدقيقة مرة ، والوقوف والتحير والعجز عن الادراك مرة أخرى ، بالاضافة - ايضا - لدعوة العقل الاسلامي وعدم اكتفاءه بمجرد الطرح ، بل وزيادة دعوة هذا العقل وحثه العقل الانساني على التأمل والاجتهاد الفكري برؤاه المطروحة فكريا وفلسفيا؟.
ومن هنا كان لمنظومة ومفردات العقل الاسلامي في عملية انتخاب الامم والقوميات المعينة في حمل مسؤولية رسالته العالمية ، وجعلها محور وقناة لايصال تلك الرسالة الى الارض ، كان لهذه العملية - حتما - مبرراتها وعللها والحكمة الدائرة .... في فلك هذه العملية العالمية والانسانية والالهية في الوقت نفسه ؟.
وبعبارة اوضح واكثر اختصارا بالامكان طرح بعض المحاور التي من خلالها نصل الى فلسفة المدرسة الاسلامية ورؤيتها الفكرية حول موضوعة الصورة العربية كأمة تحمل هوية قومية وبكل ملامحها الفكرية والنفسية والفنية والاخلاقية .... ، وعلاقتها بالمشروع الرسالي الاسلامي ، وما تمثله هذه العلاقة من وجهة النظر الاسلامية ، ولنتسأل :
اولا : كيف نظرت المدرسة الاسلامية لموضوعة الانتخاب والاجتباء القومي او الاممي لرسالتها السماوية بصورة عامة ؟.
ثانيا : ماهي الضرورة القانونية التي تطرحها المدرسة الاسلامية او العقل الاسلامي للصورة العربية ؟.
ثالثا : ماهي الضرورة الفكرية والعقائدية للصورة القومية العربية في الفكر الاسلامي ؟.
.............................................
أ - ألصورة والرسالة :.........
يعلل الفكر الاسلامي موضوعة أنزال الكتب السماوية ، وارسال الانبياء والمصلحين الاجتماعيين ، بانها موضوعة كانت ردة فعل طبيعية لعملية وموضوع الاختلاف الانساني :(( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما أختلفوا فيه ،...../ 113 / البقرة )).
وكذالك ايضا في محور التعليل والمبرر لعملية انزال الدساتير والقوانين والكتب ، وارسال القادة والمصلحين :( لقد أرسلنا رسلنا بالبينت وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ...../ 25 / الحديد )
وباعتبار ان عمليتي الارسال والقوانين - حسب المنظور الاسلامي - تتحرك بأطر أجتماعية ، فلا تخلو هذه العملية برمتها من الابعاد الاجتماعية لكل أمة يراد لها ان تكون منطلق وقاعدة هذا الاصلاح والتطوير الانساني او ذاك ، فلاريب من ان الفكرة الالهية السماوية هي فكرة وعلى امتداد الخط الانساني كانت ولم تزل فكرة انسانية عامة في اهدافها ومشروعها الاصلاحي ، ولكنها ومن الجانب الانتخابي والاصطفائي والابتدائي .... فكرة تبحث عن أمة لها توجهاتها الفكرية والنفسية والروحية ، ولها اخلاقياتها وتقاليدها وعاداتها ، ولها فنونها واساطيرها ....... ، والتي تميز هذه الامة عن غيرها من الامم والقوميات الاخرى بكل التفاصيل الدقيقة للمكون الاممي والقومي ، وعلى هذا الاساس كان التصور الاسلامي لعملية اجتباء أمة او قومية معينة لحمل مسؤولية الاصلاح الانساني ، يرتكز على بعدين :
1 - ان تكون هذه الامة مهيئة هيكليا وكاملة البناء القومي من ثقافة وبعد روحي وفني وسلوكي وجغرافي وعنصري ...الخ ، موحد لاستقبال حوامل الرسالة الالهية .
2 - ان تكون هذه الامة قابلة للانفتاح الانساني الاوسع في اساسيات صورتها القومية الانسانية - اي - لايكون بعدها القومي - الفكري والنفسي والروحي والاخلاقي ....الخ - عائقا لانفتاحها انسانيا باعتبار ان اهداف الرسالة السماوية اهدافا انسانية وليست جغرافوية ضيقة ؟.
من هذا كان للرسالات السماوية بعدين في عمليتها الاصلاحية : الاول هو عملية الاصلاح القومي الداخلي من : نقد لممارسة الامة وهويتها القومية من عقائد وافكار وفنون وسلوكيات ..... قومية محلية . ، والثاني : هو البعد الانساني الذي تتكفل هذه الامة بمسؤولية تبشيره وايصاله لباقي الامم والقوميات الانسانية الاخرى على أسس ومبادئ هذه الرسالة الالهية ؟.
ان اختلاف الوصفة السماوية وتغير معالم معالجاتها الانسانية تاريخيا ووصولها الى النموذج الاكمل في الاطروحة الاسلامية ، كان مداره اختلاف الامم وهوياتها القومية بايجابياتها وسلبياتها الداخلية ، فكان لهذه المراحل الرسالية ان تتنوع حسب تنوع الامم وما تحمله داخليا من اشكاليات فكرية ونفسية وروحية وفنية واسطورية وسلوكية وجغرافية .....، عالجتها الاطروحة السماوية هنا ، بصورة مختلفة قوميا عن هناك ، حتى الوصول الى أمة لها كل المكونات القومية - اخيرا - ووضع الاطروحة الاسلامية كل معالجاتها الفكرية .........، على اسس النموذج القومي العربي والمختلف بطبيعة مشاكله وصورته عن باقي القوميات والامم الاخرى بصورة نسبية .
ب - رسالة الصورة :...............
ولاريب في هذا المنعطف المعرفي ان نؤكد حقيقة : ان تبحث الرسالة السماوية عن مكون قومي يستوعب مبادئ واهداف الرسالة السماوية ، وذالك باعتبار ان هذه العملية ما هي الا حركة بدهية وطبيعية مثلت ولم تزل القناة القانونية ، والتي تسير وفق السنن التاريخية والقوانين الانسانية لاستيعاب حركة الرسالة والرسول والمرسل - اي - انه لابد من مكون قومي واممي يكون نقطة الانطلاق لهذه الرسالة السماوية الاصلاحية لباقي الانسانية عبر الاقنوم القومي والذي يمثل هوية الامة وممونات حركتها الفكرية والنفسية والفنية والاخلاقية والاسطورية والاقتصادية والسياسية ....الخ ؟.
عندئذ تكون الصورة العربية كأطار قومي مهيئ ، وكأمة لها من المميزات القومية الشيئ الكثير ، الاقنوم القابل لرسالة السماء والتي بدورها تبحث عن الاطار الذي يوفر لها السبيل الاوفق لاهداف الرسالة السماوية الخاتمة ؟.
ان التعبير الفكري الدقيق لعملية الالتقاء الرسالية السماوية و المنجز او النموذج القومي العربي - كممون لهوية أمة - هو التعبير القائل : بان هناك ضرورة قانونية حتمت ان تكون للرسالة السماوية اقنوم قومي يكون لها قاعدة ومنطلقا انسانيا ، وان كان هذا المنطلق القومي الانساني له المميزات التي تختلف في بنائه الاجتماعي والنفسي والفكري .... ، عن باقي القوميات الانسانية ؟.
فمعروف ان الهيكلية او الصورة العربية بكل هيكلها القومي المعرفي والانساني والاسطوري ... ، هي صورة لها تعقيداتها الفكرية والنفسية الخاصة والتي لم تكن هي نفس التعقيدات والتشكيلات القومية الموجودة في القوميات الاخرى من العالم الانساني - فمثلا - كانت الاشكالية العقائدية العربية والمتبلورة بعبادة الارواح الحجرية والمسماة بعبادة الاوثان ، هي شبه عبادة قومية للصورة العربية ، وهي مختلفة بطبيعة الحال عن عبادة النار او عبادة الانسان او عبادة الحيوان .... ، والتي تكون هذه العبادات من مميزات الامم والشعوب والقوميات الانسانية الاخرى ، وطبيعي والحال هذه ان تهتم اطروحة السماء الاسلامية بالاشكالية المحلية القومية العربية اولا وتحاول معالجتها بصورة معمقة باعتبار ان هذه الاشكالية تمثل الاساس الذي ستنبني على تصوراته اطروحة السماء بشكل اساسي ، وعند المعالجة الجذرية لعبادة القومية العربية والوصول الى ارساء تصور عقائدي حضاري وناضج انسانيا تتحول هذه الامة الى مبشر بعبادة توحيدية تتميز بها هذه الصورة القومية الانسانية ....، وهذا يختلف عن المنعكس الذي عالجته رسالة السماء الاسلامية في عبادة النار او الانسان او الحيوان او الكواكب .....، والتي كانت بصورة او باخرى عبادات تتميز بها قوميات وامم هي خارجة عن الصورة العربية والبرنامج القومي العقائدي لهذه الصورة ؟.
وكذا يقال بأكثر المعالجات التي طرحتها وتطرحها اليوم هذه الرسالة الاسلامية الخالدة في معالجاتها الفكرية والعقائدية والفنية والسلوكية ... فان الطابع القومي للصورة العربية هو الطابع الابرز لمعالجات رسالة السماء ، بسبب ان هذه الصورة للقومية العربية هي الصورة والنموذج الذي مثل ويمثل النموذج المنتخب والمجتبى كمنطلق واساس لهذه الاطروحة الالهية المسماة بالاسلام ، واذا كانت الصور بهذا الشكل فلابد اولا من تدعيم القاعدة والصورة والاساس الذي سوف يكون منطلقا ومرجعا للاطروحة الاسلامية (( لايضركم من ضل اذا اهتديتم ../ 105 / المائدة ))
ج - ضرورة التلازم بين الصورة والرسالة ....................
عندما نذكر مصطلح ( تلازم ) فان أذهاننا ستميل الى تصور عملية التلازم على اساسين :
الاول : التلازم العّلي والمقصود به هو المصطلح القانوني الذي ينظر لعملية التلازم على اساس تلازم المعلول للعلة في قوانين ونواميس وسنن الطبيعة والانسان .
الثاني : التلازم الكاشف ، والمقصود به هنا المصطلح المعرفي ، والذي ينظر لعملية التلازم على أساس ان هناك معادلة بين قطبين الاول يمثل الكاشف والمبين والمحدد ... المعرفي للاخر ،ويتمثل هذا النوع من التلازم في العلوم الانسانية بصورة عامة ؟.
ولاريب هنا ان المقصود من ضرورة تلازم الصورة العربية بكل مقوماتها القومية مع النموذج والطرح الاسلامي هو القصد المعرفي بالنسبة للنظرة الاسلامية ،ولكن هناك رؤية من جانب اخر ترى ان تلازم الاسلام للصورة العربية هو - العكس - من نوع التلازم الاكثر والاعمق من مجرد التلازم المعرفي ، فالاسلام ورسالته السماوية مثل الروح بالاضافة لعملية انقاذ للصورة العربية بمكوناتها القومية ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ..../ 103 / آل عمران ).
فالخطاب الاسلامي هنا هو خطاب موجه لصورة عربية وهوية قومية محددة باشكاليات وتعقيدات صورتها الاجتماعية من تناقضات كانت ستؤدي الى انقراض أممي وقومي للصورة العربية لولا تدخل رسالة السماء للانقاذ من نار ومحرقة الحروب القبلية آنذاك ؟.
وعلى العموم تبقى الصورة العربية وتلازمها المعرفي للاطروحة الاسلامية لايقل أهمية عن التلازم العكسي بين الاسلام والصورة العربية بهويتها القومية ،فمما لاشك فيه ان التلازم المعرفي بين الصورة العربية والاسلام هو تلازم جوهري ، فلا ادراك - على هذه اللفته - صحيح ولافهم اصيل ولاتعقل مقبول ولا صورة واضحة للطرح العقائدي الاسلامي ... بدون الصورة العربية بكل تفاصيلها اللغوية او الفكرية او الاسطورية او التراثية او التاريخية او النفسية .......الخ ؟.
فالانسان العربي وبكل مقوماته القومية والتاريخية والنفسية .....، هو مكون اصيل للنص الاسلامي المقدس ، وكاشف جوهري لاهداف وحركة ومعنى ..... النص الاسلامي المحترم ؟.
ان النص الاسلامي العقائدي عادة مايذكر - كنموذج - اللسان العربي باعتباره لسانا مبينا لمقاصد واهداف النص الالهي المقدس ، كما يذكر وبنفس القوة الصورة العربية بصورة عامة باعتبارها الظرف القومي المنتخب والمجتبى لعملية الالتقاء بين السماء والارض ، وعليه وكما طرحنا سابقا ان اللسان او اللغة بغض النظر عن انها انعكاس طبيعي لكل المكونات القومية لاي شعب فكرية ونفسية وتراثية وسلوكية ..... ، فهي كذالك اذا لم تكن لغة حضارية وانسانية بامكانها ايصال الرسالة الالهية بكل دقة لما كانت لتصلح لأن تكون لغة منتخبة ومجتباة لرسالة الاهية خاتمة لجميع الرسالات السماوية ، ونافذة أخيرة من خلالها يتعرف الانسان بصورة عامة على وحي السماء الاخير ؟.
نعم وكذالك عندما يقال ان الانسان العربي هو الاخر يمتلك الممونات الروحية الانسانية والفكرية والنفسية ..... التي تؤهله لأن يكون معادلة مقبولة في عالم الاخلاق والتقاليد والطبائع ... للانفتاح الانساني العام ، فكما ان لغته انعكاسا لواقعه في الحياة ، فكذا نموذجه انعكاسا لنفسيته وافكاره وفلسفته واسطورته وتراثه ....الخ .
الغرض هو القول : ان الصورة العربية من خلال انها واقع لغوي بالنسبة للاطروحة السماوية الالهية الخاتمة المسماة بالاسلام (انا انزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون /2 / يوسف ) ومن خلال انها مرتكز قومي يضم كل الاخلاق والسلوك والتصورات والاساطير العربية بالنسبة للطرح الاسلامي (ولقد انزلنا اليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون ، وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما اخرين ./10 - 11 / الانبياء ) و ( وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون ./ 44 / الزخرف ) وباعتبار ان هذه الصورة العربية واقع حكم في الاطروحة الاسلامية ( وكذالك انزلناه حكما عربيا ./37 / الرعد ) ......الخ ، فان كل هذه المحاور العربية والمنعكسة في الاطروحة الاسلامية تجعل وترشح الصورة العربية كضرورة تلازم معرفي ممتاز للصورة الاسلامية ولاريب - عندئذ - انه لاصورة اسلامية بدون صورة عربية مقابلة ؟.
انه - حقا - من الغريب على اي انسان يريد فهما دقيقا وادراكا واعيا لاطروحة السماء الاسلامية ، وهو بعيدا عن الصورة العربية بكامل تفاصيلها القومية ، سواء كانت نفسية او فكرية او روحية او سلوكية ....الخ ، فمن الصعب والحال هذه ان ندرك مفاهيم القران - الناطق الرسمي للسان السماء - ان لم نتمكن من معرفة اسرار اللسان العربي ؟.
ولكنه من الاصعب ان ندرك مشروع الاطروحة الاسلامية ككل ان لم نمتلك روحية ونفسية ومشاعر وتصورات وذوق واخلاق وتقاليد ..... الانسان العربي ؟.
ان الادراك الحقيقي لمقاصد الاطروحة الاسلامية لايتمثل بكل عمقه ونحن نمتلك قوانين اللسان العربي فحسب ، فربما امتلك الاعجمي قوانين اللسان العربي كلها الا انه كان بعيدا عن روح الانسان العربي واساليب تفكيره وممونات مشاعره واحا سيسه ...، فحتما في هذه الصورة لايتمكن ذاك الانسان الاعجمي ( المشاعر والاحاسيس والاساليب الفكرية ) والعربي اللسان فقط ان يدرك بعمق ويفهم بواقعية ويتعقل بصدق ... روح النص الاسلامي ومشاعرة وتقاليد ه واعرافه العربية ؟.
ان الصورة العربية وبهذه المناحي المعرفية تصبح فعلا ضرورة معرفية للطرح الاسلامي ، وقديما قيل : ان القومية اطار روحها الاسلام ولكن العقل الاسلامي يقول : ان الاسلام اطار روحه القومية العربية ؟.
كتابات - حميد الشاكر
ج - ضرورة الصورة العربية اسلاميا :
عادة مايكون طرح العقل الاسلامي ورؤيته في او حول هذا الموضوع او ذاك ، طرحا هو بحاجة لنوع من التأمل الفكري - الاجتهاد - والذي يبحث دائما عن المبرر او العلة او الحكمة ..... من وراء هذه الرؤية او تلك النظرة او ذاك الموقف للمدرسة الاسلامية ، وذالك بأعتبار ان الاطروحة الاسلامية - كما يدعي المسلمون - أطروحة الاهية تتميز بالحكمة العالية في مشاريع ونظرات هذه المدرسة الالهية ، ففي رؤية كمثل الرؤية الاسلامية حول الوجود الانساني - مثلا - نجد ان هناك علل وحكمة ومبررات مطروحة اسلاميا بشأن هذا الوجود النوعي للكائن البشري ، فلماذا وجد هذا الانسان ؟. وماهي الحكمة من وجوده على هذه الارض ؟. وما هي العلة لتكريمه او استحقاقه لهذا الكرامة العالية في المنظور الاسلامي ؟....... الخ ، كل هذه محاور مهمة لايقنع العقل الانساني بصورة عامة الا عندما تشبع فكريا وفلسفيا بالاجابة عليها ؟.
وهكذا نجد ان العقل الاسلامي يطرح الرؤى الكونية والوجودية والعالمية والانسانية والنفسية والاجتماعية ...... ، بهذه الصور المعرفية المعمقة والتي ربما كان للعقل الانساني منها نصيب المعرفة الدقيقة مرة ، والوقوف والتحير والعجز عن الادراك مرة أخرى ، بالاضافة - ايضا - لدعوة العقل الاسلامي وعدم اكتفاءه بمجرد الطرح ، بل وزيادة دعوة هذا العقل وحثه العقل الانساني على التأمل والاجتهاد الفكري برؤاه المطروحة فكريا وفلسفيا؟.
ومن هنا كان لمنظومة ومفردات العقل الاسلامي في عملية انتخاب الامم والقوميات المعينة في حمل مسؤولية رسالته العالمية ، وجعلها محور وقناة لايصال تلك الرسالة الى الارض ، كان لهذه العملية - حتما - مبرراتها وعللها والحكمة الدائرة .... في فلك هذه العملية العالمية والانسانية والالهية في الوقت نفسه ؟.
وبعبارة اوضح واكثر اختصارا بالامكان طرح بعض المحاور التي من خلالها نصل الى فلسفة المدرسة الاسلامية ورؤيتها الفكرية حول موضوعة الصورة العربية كأمة تحمل هوية قومية وبكل ملامحها الفكرية والنفسية والفنية والاخلاقية .... ، وعلاقتها بالمشروع الرسالي الاسلامي ، وما تمثله هذه العلاقة من وجهة النظر الاسلامية ، ولنتسأل :
اولا : كيف نظرت المدرسة الاسلامية لموضوعة الانتخاب والاجتباء القومي او الاممي لرسالتها السماوية بصورة عامة ؟.
ثانيا : ماهي الضرورة القانونية التي تطرحها المدرسة الاسلامية او العقل الاسلامي للصورة العربية ؟.
ثالثا : ماهي الضرورة الفكرية والعقائدية للصورة القومية العربية في الفكر الاسلامي ؟.
.............................................
أ - ألصورة والرسالة :.........
يعلل الفكر الاسلامي موضوعة أنزال الكتب السماوية ، وارسال الانبياء والمصلحين الاجتماعيين ، بانها موضوعة كانت ردة فعل طبيعية لعملية وموضوع الاختلاف الانساني :(( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما أختلفوا فيه ،...../ 113 / البقرة )).
وكذالك ايضا في محور التعليل والمبرر لعملية انزال الدساتير والقوانين والكتب ، وارسال القادة والمصلحين :( لقد أرسلنا رسلنا بالبينت وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ...../ 25 / الحديد )
وباعتبار ان عمليتي الارسال والقوانين - حسب المنظور الاسلامي - تتحرك بأطر أجتماعية ، فلا تخلو هذه العملية برمتها من الابعاد الاجتماعية لكل أمة يراد لها ان تكون منطلق وقاعدة هذا الاصلاح والتطوير الانساني او ذاك ، فلاريب من ان الفكرة الالهية السماوية هي فكرة وعلى امتداد الخط الانساني كانت ولم تزل فكرة انسانية عامة في اهدافها ومشروعها الاصلاحي ، ولكنها ومن الجانب الانتخابي والاصطفائي والابتدائي .... فكرة تبحث عن أمة لها توجهاتها الفكرية والنفسية والروحية ، ولها اخلاقياتها وتقاليدها وعاداتها ، ولها فنونها واساطيرها ....... ، والتي تميز هذه الامة عن غيرها من الامم والقوميات الاخرى بكل التفاصيل الدقيقة للمكون الاممي والقومي ، وعلى هذا الاساس كان التصور الاسلامي لعملية اجتباء أمة او قومية معينة لحمل مسؤولية الاصلاح الانساني ، يرتكز على بعدين :
1 - ان تكون هذه الامة مهيئة هيكليا وكاملة البناء القومي من ثقافة وبعد روحي وفني وسلوكي وجغرافي وعنصري ...الخ ، موحد لاستقبال حوامل الرسالة الالهية .
2 - ان تكون هذه الامة قابلة للانفتاح الانساني الاوسع في اساسيات صورتها القومية الانسانية - اي - لايكون بعدها القومي - الفكري والنفسي والروحي والاخلاقي ....الخ - عائقا لانفتاحها انسانيا باعتبار ان اهداف الرسالة السماوية اهدافا انسانية وليست جغرافوية ضيقة ؟.
من هذا كان للرسالات السماوية بعدين في عمليتها الاصلاحية : الاول هو عملية الاصلاح القومي الداخلي من : نقد لممارسة الامة وهويتها القومية من عقائد وافكار وفنون وسلوكيات ..... قومية محلية . ، والثاني : هو البعد الانساني الذي تتكفل هذه الامة بمسؤولية تبشيره وايصاله لباقي الامم والقوميات الانسانية الاخرى على أسس ومبادئ هذه الرسالة الالهية ؟.
ان اختلاف الوصفة السماوية وتغير معالم معالجاتها الانسانية تاريخيا ووصولها الى النموذج الاكمل في الاطروحة الاسلامية ، كان مداره اختلاف الامم وهوياتها القومية بايجابياتها وسلبياتها الداخلية ، فكان لهذه المراحل الرسالية ان تتنوع حسب تنوع الامم وما تحمله داخليا من اشكاليات فكرية ونفسية وروحية وفنية واسطورية وسلوكية وجغرافية .....، عالجتها الاطروحة السماوية هنا ، بصورة مختلفة قوميا عن هناك ، حتى الوصول الى أمة لها كل المكونات القومية - اخيرا - ووضع الاطروحة الاسلامية كل معالجاتها الفكرية .........، على اسس النموذج القومي العربي والمختلف بطبيعة مشاكله وصورته عن باقي القوميات والامم الاخرى بصورة نسبية .
ب - رسالة الصورة :...............
ولاريب في هذا المنعطف المعرفي ان نؤكد حقيقة : ان تبحث الرسالة السماوية عن مكون قومي يستوعب مبادئ واهداف الرسالة السماوية ، وذالك باعتبار ان هذه العملية ما هي الا حركة بدهية وطبيعية مثلت ولم تزل القناة القانونية ، والتي تسير وفق السنن التاريخية والقوانين الانسانية لاستيعاب حركة الرسالة والرسول والمرسل - اي - انه لابد من مكون قومي واممي يكون نقطة الانطلاق لهذه الرسالة السماوية الاصلاحية لباقي الانسانية عبر الاقنوم القومي والذي يمثل هوية الامة وممونات حركتها الفكرية والنفسية والفنية والاخلاقية والاسطورية والاقتصادية والسياسية ....الخ ؟.
عندئذ تكون الصورة العربية كأطار قومي مهيئ ، وكأمة لها من المميزات القومية الشيئ الكثير ، الاقنوم القابل لرسالة السماء والتي بدورها تبحث عن الاطار الذي يوفر لها السبيل الاوفق لاهداف الرسالة السماوية الخاتمة ؟.
ان التعبير الفكري الدقيق لعملية الالتقاء الرسالية السماوية و المنجز او النموذج القومي العربي - كممون لهوية أمة - هو التعبير القائل : بان هناك ضرورة قانونية حتمت ان تكون للرسالة السماوية اقنوم قومي يكون لها قاعدة ومنطلقا انسانيا ، وان كان هذا المنطلق القومي الانساني له المميزات التي تختلف في بنائه الاجتماعي والنفسي والفكري .... ، عن باقي القوميات الانسانية ؟.
فمعروف ان الهيكلية او الصورة العربية بكل هيكلها القومي المعرفي والانساني والاسطوري ... ، هي صورة لها تعقيداتها الفكرية والنفسية الخاصة والتي لم تكن هي نفس التعقيدات والتشكيلات القومية الموجودة في القوميات الاخرى من العالم الانساني - فمثلا - كانت الاشكالية العقائدية العربية والمتبلورة بعبادة الارواح الحجرية والمسماة بعبادة الاوثان ، هي شبه عبادة قومية للصورة العربية ، وهي مختلفة بطبيعة الحال عن عبادة النار او عبادة الانسان او عبادة الحيوان .... ، والتي تكون هذه العبادات من مميزات الامم والشعوب والقوميات الانسانية الاخرى ، وطبيعي والحال هذه ان تهتم اطروحة السماء الاسلامية بالاشكالية المحلية القومية العربية اولا وتحاول معالجتها بصورة معمقة باعتبار ان هذه الاشكالية تمثل الاساس الذي ستنبني على تصوراته اطروحة السماء بشكل اساسي ، وعند المعالجة الجذرية لعبادة القومية العربية والوصول الى ارساء تصور عقائدي حضاري وناضج انسانيا تتحول هذه الامة الى مبشر بعبادة توحيدية تتميز بها هذه الصورة القومية الانسانية ....، وهذا يختلف عن المنعكس الذي عالجته رسالة السماء الاسلامية في عبادة النار او الانسان او الحيوان او الكواكب .....، والتي كانت بصورة او باخرى عبادات تتميز بها قوميات وامم هي خارجة عن الصورة العربية والبرنامج القومي العقائدي لهذه الصورة ؟.
وكذا يقال بأكثر المعالجات التي طرحتها وتطرحها اليوم هذه الرسالة الاسلامية الخالدة في معالجاتها الفكرية والعقائدية والفنية والسلوكية ... فان الطابع القومي للصورة العربية هو الطابع الابرز لمعالجات رسالة السماء ، بسبب ان هذه الصورة للقومية العربية هي الصورة والنموذج الذي مثل ويمثل النموذج المنتخب والمجتبى كمنطلق واساس لهذه الاطروحة الالهية المسماة بالاسلام ، واذا كانت الصور بهذا الشكل فلابد اولا من تدعيم القاعدة والصورة والاساس الذي سوف يكون منطلقا ومرجعا للاطروحة الاسلامية (( لايضركم من ضل اذا اهتديتم ../ 105 / المائدة ))
ج - ضرورة التلازم بين الصورة والرسالة ....................
عندما نذكر مصطلح ( تلازم ) فان أذهاننا ستميل الى تصور عملية التلازم على اساسين :
الاول : التلازم العّلي والمقصود به هو المصطلح القانوني الذي ينظر لعملية التلازم على اساس تلازم المعلول للعلة في قوانين ونواميس وسنن الطبيعة والانسان .
الثاني : التلازم الكاشف ، والمقصود به هنا المصطلح المعرفي ، والذي ينظر لعملية التلازم على أساس ان هناك معادلة بين قطبين الاول يمثل الكاشف والمبين والمحدد ... المعرفي للاخر ،ويتمثل هذا النوع من التلازم في العلوم الانسانية بصورة عامة ؟.
ولاريب هنا ان المقصود من ضرورة تلازم الصورة العربية بكل مقوماتها القومية مع النموذج والطرح الاسلامي هو القصد المعرفي بالنسبة للنظرة الاسلامية ،ولكن هناك رؤية من جانب اخر ترى ان تلازم الاسلام للصورة العربية هو - العكس - من نوع التلازم الاكثر والاعمق من مجرد التلازم المعرفي ، فالاسلام ورسالته السماوية مثل الروح بالاضافة لعملية انقاذ للصورة العربية بمكوناتها القومية ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ..../ 103 / آل عمران ).
فالخطاب الاسلامي هنا هو خطاب موجه لصورة عربية وهوية قومية محددة باشكاليات وتعقيدات صورتها الاجتماعية من تناقضات كانت ستؤدي الى انقراض أممي وقومي للصورة العربية لولا تدخل رسالة السماء للانقاذ من نار ومحرقة الحروب القبلية آنذاك ؟.
وعلى العموم تبقى الصورة العربية وتلازمها المعرفي للاطروحة الاسلامية لايقل أهمية عن التلازم العكسي بين الاسلام والصورة العربية بهويتها القومية ،فمما لاشك فيه ان التلازم المعرفي بين الصورة العربية والاسلام هو تلازم جوهري ، فلا ادراك - على هذه اللفته - صحيح ولافهم اصيل ولاتعقل مقبول ولا صورة واضحة للطرح العقائدي الاسلامي ... بدون الصورة العربية بكل تفاصيلها اللغوية او الفكرية او الاسطورية او التراثية او التاريخية او النفسية .......الخ ؟.
فالانسان العربي وبكل مقوماته القومية والتاريخية والنفسية .....، هو مكون اصيل للنص الاسلامي المقدس ، وكاشف جوهري لاهداف وحركة ومعنى ..... النص الاسلامي المحترم ؟.
ان النص الاسلامي العقائدي عادة مايذكر - كنموذج - اللسان العربي باعتباره لسانا مبينا لمقاصد واهداف النص الالهي المقدس ، كما يذكر وبنفس القوة الصورة العربية بصورة عامة باعتبارها الظرف القومي المنتخب والمجتبى لعملية الالتقاء بين السماء والارض ، وعليه وكما طرحنا سابقا ان اللسان او اللغة بغض النظر عن انها انعكاس طبيعي لكل المكونات القومية لاي شعب فكرية ونفسية وتراثية وسلوكية ..... ، فهي كذالك اذا لم تكن لغة حضارية وانسانية بامكانها ايصال الرسالة الالهية بكل دقة لما كانت لتصلح لأن تكون لغة منتخبة ومجتباة لرسالة الاهية خاتمة لجميع الرسالات السماوية ، ونافذة أخيرة من خلالها يتعرف الانسان بصورة عامة على وحي السماء الاخير ؟.
نعم وكذالك عندما يقال ان الانسان العربي هو الاخر يمتلك الممونات الروحية الانسانية والفكرية والنفسية ..... التي تؤهله لأن يكون معادلة مقبولة في عالم الاخلاق والتقاليد والطبائع ... للانفتاح الانساني العام ، فكما ان لغته انعكاسا لواقعه في الحياة ، فكذا نموذجه انعكاسا لنفسيته وافكاره وفلسفته واسطورته وتراثه ....الخ .
الغرض هو القول : ان الصورة العربية من خلال انها واقع لغوي بالنسبة للاطروحة السماوية الالهية الخاتمة المسماة بالاسلام (انا انزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون /2 / يوسف ) ومن خلال انها مرتكز قومي يضم كل الاخلاق والسلوك والتصورات والاساطير العربية بالنسبة للطرح الاسلامي (ولقد انزلنا اليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون ، وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما اخرين ./10 - 11 / الانبياء ) و ( وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون ./ 44 / الزخرف ) وباعتبار ان هذه الصورة العربية واقع حكم في الاطروحة الاسلامية ( وكذالك انزلناه حكما عربيا ./37 / الرعد ) ......الخ ، فان كل هذه المحاور العربية والمنعكسة في الاطروحة الاسلامية تجعل وترشح الصورة العربية كضرورة تلازم معرفي ممتاز للصورة الاسلامية ولاريب - عندئذ - انه لاصورة اسلامية بدون صورة عربية مقابلة ؟.
انه - حقا - من الغريب على اي انسان يريد فهما دقيقا وادراكا واعيا لاطروحة السماء الاسلامية ، وهو بعيدا عن الصورة العربية بكامل تفاصيلها القومية ، سواء كانت نفسية او فكرية او روحية او سلوكية ....الخ ، فمن الصعب والحال هذه ان ندرك مفاهيم القران - الناطق الرسمي للسان السماء - ان لم نتمكن من معرفة اسرار اللسان العربي ؟.
ولكنه من الاصعب ان ندرك مشروع الاطروحة الاسلامية ككل ان لم نمتلك روحية ونفسية ومشاعر وتصورات وذوق واخلاق وتقاليد ..... الانسان العربي ؟.
ان الادراك الحقيقي لمقاصد الاطروحة الاسلامية لايتمثل بكل عمقه ونحن نمتلك قوانين اللسان العربي فحسب ، فربما امتلك الاعجمي قوانين اللسان العربي كلها الا انه كان بعيدا عن روح الانسان العربي واساليب تفكيره وممونات مشاعره واحا سيسه ...، فحتما في هذه الصورة لايتمكن ذاك الانسان الاعجمي ( المشاعر والاحاسيس والاساليب الفكرية ) والعربي اللسان فقط ان يدرك بعمق ويفهم بواقعية ويتعقل بصدق ... روح النص الاسلامي ومشاعرة وتقاليد ه واعرافه العربية ؟.
ان الصورة العربية وبهذه المناحي المعرفية تصبح فعلا ضرورة معرفية للطرح الاسلامي ، وقديما قيل : ان القومية اطار روحها الاسلام ولكن العقل الاسلامي يقول : ان الاسلام اطار روحه القومية العربية ؟.