الأربعاء، يناير 28، 2009

ابليس ذالك المخلوق المعقد ... رؤية قرءانية من اجل ثقافة دينية ‏- 4

كيف خلق ابليس ؟.‏وماعلاقته مع الانسان وماعلاقة الانسان معه ؟.‏عندما نفكر جميعا بعلاقة تقوم بين شيئين في عالمنا الانساني ، فاننا وبلا شعور ‏متردد نرى ان هناك عملية تقابل تقوم طبيعيا لهذه العلاقة المراد رصد فعالياتها في ‏هذه الحياة ، فهنا نحن امام مكانين ، ووجودين ، وحركتين .‏
هما من قاما بعملية انشاء تلك العلاقة المراد معرفتها هنا ، ومن ثم وبعد ذالك ومن ‏خلال ردات فعل كلا الطرفين نفهم ماهية هذه العلاقة وهل هي علاقة سلبية او ايجابية ‏‏.. متجانسة او متنافرة ،.. متناسقة او متضاربة ..... الخ ، وهذا كله نراه في حياتنا ‏الانسانية وحسب قوانينها الكونية والطبيعية !.‏لكن الامر مختلف نوعا ما في (( عالم الامر والخلقة )) الالهية المقدسة كما يسميه ‏المتدينون القائم على قانون (( كن فيكون )) الكلي ، حيث لا توجد هناك تراتبية ‏في الخلق ، ولاتقابلية حركية في علاقات الاشياء مع بعضها والبعض الاخر ، وليس ‏هناك عوامل ونواميس العالم الانساني الذي ندركه نحن البسطاء من بني ادم ، بل ‏هناك (( علاقة الوجود )) المباشر التي لاتبنى على الحركة بقدر بناءها على الوجود ‏الخلقي نفسه هذاوالذي يبلور عملية تسمى علاقة فيما بعد !؟.‏نعم تحدد علاقات اشياء العالم الخلقية في عالم الامر والخلقة الالهيين بمجرد ‏وجودها بقانون (( كن )) لتأخذ الاشياء صفاتها مباشرة من وجودها الفعلي الذي ‏يعطيها هذا الوجود ماهيتها وقابليتها وامكانياتها وعلاقاتها ...... مع الاخر الخلقي ‏الذي يتميز بنفس الصفات هنا ، وليكون نفس الوجود هو هو الماهية بنفس اللحظة ‏والهوية بنفس الوجود ، فالانسان وبمجرد وجوده الخلقي اكتسب هويته بالاضافة الى ‏علاقاته مع الاشياء الخلقية الاخرى ، وكذا باقي مخلوقات العالم الالهي العظيم من ‏ارض وسماء وجماد وحيوان وشيطان وملائكة ..... ومالاتعلمون ؟.‏في الفلسفة الوجودية (( لسارتر وغيره )) تدرّس موضوعة الوجود والماهية ‏للانسان وليطرح فيما بعد سؤال : هل الوجود الانساني هو من يخلق الماهية (( ‏الهوية )) الانسانية ؟.‏أم ان الماهية الانسانية سابقة للوجود الانساني وراسمة لملامحه وصفاته في هذا ‏العالم وما وجوده الا حركة ماشية على خطة الماهية هذه ؟.‏انه موضوع مختلف مما نحن بصدده لكنه متأثر بموضوعنا الاصلي الذي اشرنا اليه ‏في اختلاف القوانين بين ماهو الاهي وما هو عالمي انساني ، ولكنه يبقى في نفس ‏الرؤية التي ينبغي ان توضح بين ان يكون وجود الشيئ هو هو نفس ماهيته ، وبين ‏ان يخلق الشيئ وبعد فترة من الحركة والتطور تتبلور لديه الماهية والهوية والعلاقة ‏‏!.‏على اي حال : الرؤية الاسلامية وباعتبار ان عظمتها انها فكرة الاهية (( تتناول عالم ‏الامر والخلقة الاعلى في جانب من رؤيتها الكونية )) مصاغة بلغة وقانون انساني ، ‏تقول : ان العالم يخلق كدفعة واحدة بالقانون الموجود بين هذه ال ( ك .. و .. ن )) ‏سماء وارض وانسان وابليس وملائكة وحيوان ...... ومالاتعلمون ، وفي لحظة ‏الوجود هذه اخذ كل وجود موقعه من الماهية تماما وترتبت جميع علائق الخلقة (( ‏بواحدة كلمح بالبصر )) لتكون علاقة وجود ارض وسماء بانسان على اساس (( ‏التسخير: فقال لها وللارض أئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين / 11/ فصلت )) ‏ولتكون علاقة ملائكة بادم (( اتجعل فيها من يفسد ويسفك الدماء ..)) وتكون علاقة ‏ابليس بانسان (( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) وهكذا باقي اعضاء ‏المجموعة الخلقية العالمية الاخرى بالنسبة لوجودها وبالنسبة لعلاقات بعضها مع ‏البعض الاخر ، وكل هذه الصورة قدمت لنا من خلال النص القرءاني المخاطب للعقل ‏البشري حسب قوانينه الفكرية والنفسية والانسانية ، لتترتب امام الانسان هذه الرؤية ‏القرءانية بشكل يفهم حيثياتها العلمية بصورة غير مهيئ لها اي شيئ اخر غير ‏القرءان الكريم ونصه المقدس العظيم هذا !.‏اذن : العلاقة التي يتحدث عنها القرءان بلغة الانسان وقانونه العالمي بين ابليس ‏والملائكة والانسان والارض والسماء ....الخ ، كل هذه وغيرها هي اتت على مبدأ (( ‏الوجود )) ولم تأتي على اسس ومبادئ وميكانيكة الطبيعة والكون وتراتبيته الزمانية ‏‏ المعروفة لدينا وهذه نقطة جوهرية لفهم عملية الخلق العامة وكيفية ابتدائها الفعلي ‏، ولنبتعد بعد ذالك في رؤيتنا للمشروع الخلقي او لنتخلص من الاغلال القانونية التي ‏تفرض على تصوراتنا نوع الحركة والمكانية التي تسيطر على انماط تفكيرنا الطبيعية ‏في هذه الحياة الانسانية ، فنحن هنا امام عالم مختلف عندما نريد التقاط لحظة الخلق ‏الاولى للاشياء العالمية ، لندرك من خلال الرؤية القرءانية : ان لاتراتبية مطلقا في ‏العملية الخلقية الكونية الاولى ، بل هناك (( دفعة )) موحدة (( سميه عملية انفجار ‏خلقي ليقترب المعنى لذهني وذهنك الانساني البطيئ )) هي التي ساهمت في ايجاد ‏العالم ككتلة موحدة من الخلق تضم داخل لوحتها كل الاسماء القرءانية المذكورة انفا ‏من انسان الى سماء ومن ملائكة الى شيطان ومن ارض الى حيوان ....الخ !.‏ان فهمنا جميعا هذه الرؤية ادركنا (( كيفية )) خلق ابليس وباقي الاشياء العالمية ‏الاخرى مضافا اليها نوع العلاقة التي ترتبت تلقائيا على هذا الوجود الكلي فيما بين ‏المخلوقات بعضها مع البعض الاخر !.‏صحيح : عندما يسرد لنا القرءان الكريم عملية الخلق الاولى فانه يتحدث بلغتنا ‏الانسانية وحسب مفهومنا الزماني والمكاني لنقرأ كل المشهد الخلقي على اساس لا ‏تنفر منه الذاكرة والعقل البشري ، ومن بعد ذالك تطرح الرؤية القرءانية العملية ‏بشكلها التراتبي الذي يضمن وضوح الصورة للانسان الخليفة من جهة ، وبلورة ‏القصة الى مشاهد مؤنسنة يستطيع الانسان الاستفادة منها اجتماعيا وانسانيا ايضا ، ‏لذالك جاءت لغة الايام في خلق السموات والارض :(( فقضهن سبع سموات في ‏يومين ...)) و :(( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين ...)) الخ . على ‏اعتبار تقريب وانسنة عملية الخلق الاولى التي تحرق عامل الزمان تماما بسرعة ‏مذهلة (( كلمح بالبصر )) ليصبح يوم العالم الامري الخلقي :(( ويوم عند ربك بالف ‏سنة مما تعدون )) وقوله سبحانه :(( ويوم عند ربك بخمسين الف سنة مما تعدون ‏‏)) فافهم ذالك بوضوح ليتسنى لك فهم الفاصله بين هذا العالم الامري الخلقي ‏المختلف بكلية قانونه الضوئي ، وبين فاصلة (( فاهبطوا منها جميعا / قرءان كريم ‏‏)) التي فصلت الانسان والارض والسماء وابليس والحيوان .... وباقي الاشياء ‏العالمية عن ذالك العالم الى عالمنا الانساني المعاش التي تتحكم فيه قوانين الزمان ‏والمكان ويوم الاربعة والعشرين ساعة المحدودة هذه !.‏ان الكثير منا ربما يتساءل عن سر التشنج المبكر في العلاقة الادمية الانسانية من ‏جهة والعلاقة الابليسية الشيطانية من جهة اخرى وحسب ماتطرحه الرؤية القرءانية ‏بالخصوص ، وليقول : لماذا وبمجرد وجود هذا الانسان في العالم انهالت عليه ‏النظرات السلبية من اكثر من جانب ، وليتهم من الوجود الملائكي انه مخلوق (( فاسد ‏وسفاك دماء )) وليعترض عليه من الوجود الابليسي انه انسان (( طيني )) لاخير ‏فيه ولاميزة تذكر ليوجد بهذه الصفة ؟.‏ولماذا عندما أتت الحكومة الالهية على هذه العلاقة كان نصيب ابليس الطرد واللعن ‏والغضب الالهي المطلق عليه ، بينما رأينا الكيفية التي اتى بها الحكم الالهي حنونا ‏على اسألة الملائكة حول الوجود الانساني هنا ؟.‏ان العلاقة التي قامت بين ابليس والانسان بصورة خاصة وكما ذكرناه انفا ، هي ‏ليست علاقة حركة ، وانما انحصرت فقط بعلاقة الوجود اي ان وجود الكائن ‏المسمى انسانا ، وتزامنه اللحظي الكلي مع الوجود الابليسي الشيطاني بلور العلاقة ‏الجوهرية على اساس الرفض المطلق من قبل ابليس للمخلوق الاخر المسمى ادم او ‏انسان ، فكانت الذاتية والجوهرية الابليسية وبخلقتها الاصلية (( النارية )) جوهرية ‏وذاتية بالنقيض تماما مع جوهرية وذاتية المخلوق الاخر المسمى انسانا ، فانتجت ‏هذه الضدية الذاتية علاقة :(( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) اما ‏العلاقة التي رسمها الوجود الملائكي مع الوجود الانساني فكانت علاقة وظيفية ‏وليست علاقة ذاتية ، لذالك جاءت العلاقة ليست تقريرية حكميا متنافرة ..، بل جاءت ‏تساءلية استفهامية استشعارية تعارفية تقاربية بين الملائكة والمخلوق المسمى ‏انسانا :(( قال اني جاعل في الارض خليفة ، قالوا اتجعل فيها من يفسد ويسفك ‏الدماء ونحن بهذا السؤال نسبح بحمدك ونقدس لك ..)) عند هذا تبينت ملامح ‏العلاقة الاولية بين الانسان من جهة وبين باقي الموجودات الكونية من الجهة ‏الاخرى ، علاقة توتر ورفض ومناقضة شديدة بين الوجود الابليسي الشيطاني من ‏جهة والوجود الانساني من الجهة الاخرة ، وعلاقة تعارف واستفهام وتسخير ‏وتجاوب .... بين الوجود الانساني وباقي الوجود الكوني والعالمي من الجهة الاخرى ‏‏!.‏انها علاقة يبنيها وجود الشيئ وليس حركته وردة فعله كما نحن نألفه في عالمنا ‏الانساني المعاش هنا في عالم الميكانيكة والطبيعة والزمان والمكان والقانون !.‏انها علاقة رسمتها يد الخلقة الالهية في لحظة ايجاد العالم الكلي ، عندما قررت ان ‏ترسم لوحة يكون الانسان سيد الوانها الرحمانية وليكون الاخر العالمي جزءا متمما ‏لهذا الوجود الخلقي الكامل !.‏نعم : يعرف جميع المؤمنين بالاسلام والقرءان ان لله سبحانه الخالق المبدع صفات ‏كمالية لاتحصى ولاتعد لهذا الاله الكامل ، لكنهم ايضا يعرفون ان لهذا الاله العظيم ‏تسع وتسعين صفة هذه لتقريب المعنى الى الذهن البشري فحسب كانت ولم تزل ‏هي صفاته الكمالية والجمالية ...الخ ، ومن خلالها نتعرف بشيئ بسيط على صفات ‏خالقنا العظيم سبحانه وتعالى ، ومن ثم ندرك مفاهيم ان يكون (( خالقا )) على اساس ‏ان وجوده المقدس هو الخلق والابداع والانشاء والعطاء والفيض الاكثر من كثير ، ‏وعليه فعندما اتساءل عن خالقي ب : لماذا هو يخلق هذا ؟. فانني ادرك ضآلة ‏تفكيري وسذاجته عندما تخبرني صفته (( الخالق )) بانه هو الخالق ولو لم يخلق لما ‏استحق صفة الخالق هذه !.‏تمام : ان الله سبحانه وجوده فيض وعطاء وخلق دائم ودائم ولحظي وكلي ....الخ ، ‏وكما ان عالمي الانساني هذا المكون من العالم الكلي هو جزء بسيط جدا من عملية ‏الخلق والانشاء والابداع الالهية الغير منتهية او محدودة الزمان والمكان ، كذالك ‏خلق عالمي هو قطرة وربما اصغر في بحر وربما اكبر خلق الله سبحانه وتعالى لما ‏لانعلم من خلق واسع وواسع جدا !؟.‏هذه الصفات الالهية المقدسة والتي يحدثنا عنها القرءان هي هوية تعارف بين الله ‏سبحانه والانسان ، كما انها وبنفس اللحظة الوان اللوحة الخلقية العامة ، فصفة ‏العلم والتنزيه هي لون الملائكة ، وصفة الرحمة والرأفة والعفو هي لون الانسان ، ‏وصفة الغضب والانتقام والشدة هي لون ابليس الشيطاني !.‏بكل تأكيد ان ابليس خلقا من مخلوقات الله سبحانه وتعالى ، ولكن بكل تأكيد ايضا ان ‏هذا المخلوق رسم وجوده بريشة صفة الغضب والانتقام والشدة ... وباقي الصفات ‏الالهية الجبارة والجليلة ، ليصبح وجود ابليس بحد ذاته وجوهريته الحيوية هي ‏القسوة والتكبر والتمرد والغضب والانتقام ، مما انعكس بعلاقة لاتوافقية مع المخلوق ‏الطيني الانساني الذي وجد من فوهات صفات الله سبحانه الرحمانية الرؤفة الرحيمة ‏العفوة التائبة .... وباقي صفات الجمال والرحمة الالهية ، وهنا لابد من الاستنتاج ان ‏العلاقة الابليسية الانسانية ستؤول حتما الى التناقض والندية والتوتر فيما بين ذاتية ‏الصفات الالهية الرحمانية التي انتجت الانسان مع صفات الذات المقدسة الغضبية ‏والانتقامية التي انتجت ابليس الشيطان ، والله سبحانه مع انه الرحمان الرحيم الا ‏انه وبنفس اللحظة المنتقم الجبار سبحانه والذي يعاقب بالنار الابليسية الحارقة !؟.‏يذكر في علم العرفان الاسلامي ، ان الانسان الذي يتخذ الشيطان ابليس وليّا من دون ‏الله سبحانه لايحتاج الى عقاب ليعذبه ولكن كفاية جدا عليه العذاب الذي يشعر به ‏وهو مع علاقة مع ابليس الشيطاني هذا باعتبار ان وجود ابليس نفسه هو حالة ‏تعذيب للانسان مستمرة او هو ممارسه فعلية لغضب الله وانتقامه على الانسان ‏بمجرد ولايته للشيطان ، وهذا صحيح !.‏كذا عندما يغضب الله على المخلوق الابليسي المخلوق هو بالاساس من صفة الغضب ‏والانتقام الالهي ، فماهي العملية الا غضب على غضب وانتقام على انتقام ، وليست ‏هي عملية غضب على رحمة او انتقام على علم ونظافة ، وهنا تتبين ربما الصورة ‏لفهم الاتي :‏ان ابليس خلق بوجود قابل ومستقبل للطرد واللعن والغضب والانتقام منه ، لتعتدل ‏كفة الميزان في لوحة الخلقة الكونية ، وما وجوده الا غضب محض وانتقام صافي ‏وتكبر جوهري وذاتي ووجودي فحسب ، لذا كانت الحكومة الالهية بالطرد عادلة ‏تماما عندما حكمت على المخلوق الناري ابليس بالطرد المطلق من الرحمة الالهية ، ‏باعتبار انها حاكمت الجوهر والوجود والذات الابليسية المتمردة التي ليست لوجودها ‏اصلاح يرتجى ، وهذا بعكس الحكومة الالهية على تساؤل الملائكة واستفهامهم عن ‏الانسان في (( اتجعل فيها من يفسد ويسفك الدماء )) !؟.‏تمام : ان خلقة وجود الانسان اثارت الوجود الابليسي وابرزت كل صفاته وماهيته ‏الوجودية لتتبلور بشكل عدم انصياعه للامر الالهي بالسجود لادم عندما قال الله ‏سبحانه :(( واذ قال ربك للملئكة اني خالق بشرا من صلصل من حمأ مسنون ، فأذا ‏سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد الملئكة كلهم اجمعون ، الا ‏ابليس أبى أن يكون مع الساجدين ، قال ياابليس مالك ألاتكون مع الساجدين ، قال لم ‏أكن لآسجد لبشر خلقته من صلصل من حماء مسنون ، قال فاخرج منها فانك رجيم ‏‏.../ قرءان كريم ))‏هي الذاتية والوجود ..، الخلقة والكيان الابليسي لاتسمح له لاتقبل منه ان يسجد لادم ‏يحيه يرحب به ، او يقيم العلاقة التوافقية معه :(( لم أكن لاسجد لبشر خلقته من ‏صلصل من حمأ مسنون )) لم يكن ليفكر او لم يكن ليستطيع ان يغير وجوده الغضبي ‏المتكبر بان يسجد لبشر او ليرحب به او ليحيه في وجوده الجديد الانساني ، مع ان ‏الكون كله والعالم برمته حيا بعضه البعض بميلاد خلق جديد اسمه العالم والانسان ‏والملائكة والارض وابليس والارض والسماء .... ولكنه ومع ذالك انفردت الذاتية ‏الوجودية لابليس بان لاتتوافق مع مخلوقات العالم الجديد لاسيما ادم او الانسان ‏الطيني الذي يبدو ان عنصره لم يكن ليعجب ذوق ابليس وفاعليته الطينية المسنونة ‏اذت من الوجود الابليسي هذا ؟.‏شيئ جميل جدا ان تطرد صفة الانتقام والغضب والتكبر والحقد من الخلقة العالمية ‏اليس كذالك ؟.‏ولكن طرد هذه الصفات المرعبة لايعني الغاء وجودها من العالم ، ونعم ربما يكفي ان ‏نحذر من هذه الصفات وندعى الى اجتناب الوقوع في شباكها ، ونؤمن ان (( التكبر ‏رداء الله سبحانه ملعون من لبسه غير الله تعالى )) باعتبار ان الدعوة الى التواضع ‏هي دعوة الى التوافق بين مخلوقات العالم الكونية ، والله سبحانه خلق العالم ليتوافق ‏ويتعايش ويتجانس ويتخادم ويتحاب ... فيما بينه والبن الاخر ، اما ان وجد مخلوق ‏يعشق صفة التمرد ويمارس لعبة التكبر على المخلوقات الاخرى التي لاتفرق عن ‏خلقته شيئ ، فنحن مدعوون جميعا لطرد هذا المخلوق ولعنه ورجمه كي لايفسد ‏علينا مملكة التاخي والتوافق العالمية هذه ؟.‏ان علاقة الانسان وكما يرسمها القرءان الكريم مع الاخر الكوني والعالمي ، ‏باستثناء ابليس الشيطاني المعقد كانت علاقة ودية وسلسة وتوافقية ، وسرعان ما ‏انعكس وجود الانسان على الوجود الكوني والعالمي الاخر بصورة ايجابية تماما ، ‏وحتى العلاقة الابتدائية التي رسمت لنا قرءانيا على اساس انها استفهام ملائكي (( ‏اتجعل فيها من يفسد ...)) حتى هذه سرعان ما تحولت الى علاقة ودية تماما عندما ‏اكد الخالق سبحانه وتعالى للملائكة : ان الانسان هذا وجد بضميمةانه يملك (( ‏الاسماء كلها )) ولم يحلق مجردا بنزواته وصفاته الضعيفة كي يماري الفساد وسفك ‏الدماء على طول الخط !.‏لا ... انما الانسان بوجوده الجيد يصبح جيدا ورحمانيا وفاعلا عندما يلتزن بخطة ‏العمل المخلوقة معه من شرائع واتباع للرسل والانبياء والائمة والكتب والشرائع ‏السماوية ، عندئذ يكون الانسان بدلا من ان يكون مفسدا يكون مصلحا ، وبدلا من ان ‏يكون قاتلا يكون محييا للنفس والارض والسماء ومعمرا للعالم ، وصحيح عندما نأخذ ‏الوجود الانساني منفصلا عن وجوده الشرعي القرءاني الارشادي الاخلاقي المحمدي ‏العلوي .....الخ يكون وجودا اجراميا مفسدا ، اما ان اخذنا وجود الانسان مع الاسماء ‏التي علمها الله له واكتسبها بمجهوده الانساني عندئذ سيكون وجود الانسان عظيما ‏حقا ، وهنا تبلورت العلاقة الملائكية مع الانسان بعد فهم هذه الحقيقة الانسانية ‏بقولهم (( سبحانك لاعلم لنا الا ماعلمتنا انك انت العليم الحكيم )) والفرق ضوئي بين ‏‏(( انا خير منه )) وبين (( فسجد الملاءكة كلهم اجمعون )) بلا ادنى تردد من الخلقة ‏او الفطرة او الوجود القابل للطاعة الالهية والتعايش السلمي مع العالم بكل ودية !.‏الخلاصة : هي ان العلاقة التي اقيمت بين ابليس اللعين من جهة وبين الله سبحانه ‏والانسان من جهة اخرى ، علاقة خلقها الوجود الذاتي لهذا المخلوق المعقد المسمى ‏ابليس والمخلوق البسيط المسمى انسانا ، وبالتاكيد نحن نفهم مغزى الروايات ‏والنصوص التي تؤنسن هذه العلاقة لترتقي بها الى نوع من الحكاية الاجتماعية ‏لتصبح درسا من ضمن الدروس الكثيرة التي يستفيد منها الانسان في حياته الفردية ‏والاسرية والاجتماعية هذه ، كالتي تروى لعبادة ابليس لالاف من السنين ووصوله ‏الى مرتبة الملائكة في العبادة وغير ذالك الكثير ، ولكننا نفهم من خلال رؤيتنا ‏المتواضعة هذه ان الحكاية اعمق من ذالك وانها ترجع بجذورها الى لغة الوجود اكثر ‏من رجوعها الى لغة الاجتماع الانساني لذا تقرر ان نرى الزاوية الفعلية للعملية ‏الخلقية وليست الزاوية الاجتماعية الانسانية المؤنسنة فحسب والتي سوف ندخل ‏اليها بسؤال : ماهي الخطيئة التي تضمنت مقولة ابليس العلائقية مع ادم في قوله :(( ‏انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) ؟.‏وسوف نتناول محاور عشرة انشاء الله تعالى تدلل على فساد عقيدة هذا المخلوق ‏المسمى ابليس وفساد وجوده وفساد نظرته وعدم قابلية انسجامها واتلافها مع ‏الوجود الكوني والعالمي ككل ، لنصل الى نتيجة : ان من عظم رحمة الله بالعالم ‏والانسان انه طرد ولعن ابليس تماما وجعله من المرجومين الى الابد !.‏