(( قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ))ثانيا : تطلعنا هذه ال (( انا )) على زاوية اخرى من صفات هذا المخلوق المعقد الذي استحق بسببها حكم المحكمة الالهية المقدسة بالطرد واللعن والرجم والنفي الى الابد ، وهذه الزاوية الابليسية مختصرة في فكرة (( الفردية )) الانانية الابليسية !.ان الارادة الالهية المقدسة عندما انشأت الخلقة العالمية وبما فيها الانسان ، فانها
ارادت تركيبة الكون والعالم والانسان والوجود على اساس انها خلقة توافقية واشتراكية في التكامل ، فكل شيئ عابدا مطيعا مسبحا لله سبحانه وتعالى فالارض والسماء طائعتين لله سبحانه وتعالى وقائمتين بوظيفتيهما العالمية والكونية :(( فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين / 11/ فصلت )) وكذا الحجر والنبات والحيوان والملائكة وما لانعلم :(( وان من شيئ الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم / قرءان كريم )) وهذه العبادة الكونية هي الوجه الاخر للتكامل العالمية فالانسان محسن للطبيعة والطبيعة منتجة للسماء والكون متجاوب مع الاخر ....، ولافائدة عائدة مطلقا لله سبحانه من عبادة الاشياء كلها له وهو الغني الحميد ، وانما العائد راجع للمخلوقات نفسها عن طريق العبادة هنا ، او ان العبادة هي الخطة العملية للادارة السليمة لحركة الكون والعالم والانسان لتنتظم بمشروع اخذ وعطاء مستمر لهذه الخلقة ، فلا افساد للكون من خلال هذا البرنامج التعبدي التسبيحي ، ولاسفك للدماء حسب هذا المفهوم !.تمام : عندما تأتي الارض والسماء طواعية لله سبحانه فهذا يعني قبول الكون بشغل وظيفة العطاء للانسان المدير ، وكذا عندما تسبح مفردات الكون الصغيرة والكبيرة فانها تلعب الحركة بشكل ايجابي مسبح لله سبحانه لتتم اللوحة بابهى جمالياتها العظيمة في الخلقة والايجاد ، ولكن ورغم هذه التركيبة التي ارادها الله سبحانه وتعالى انفرد مخلوق من مخلوقات الله الكثيرة ليخرق النظام العام ويتمرد على الحركة الجماعية وليعلن العصيان على المشاركة والانتاج ولينظر للعالم وللانسان بعين الاعلى والاكبر والاحسن والاخير ليقول :(( انا خير منه ...)) عندئذ توقف العالم والكون والانسان امام هذا المشهد الغريب العجيب لهذا الكائن المعقد وهو ينطق كارثة (( انا )) !.لم تقل السماء (( انا )) ولم تقل الارض ولا الجبال ولا الانسان ولا الحيوان ولا ال ما من شيئ ولا الملائكة ..... لم تقل جريمة (( الانا )) هذه !.ماهذه ((الانا)) الابليسية التي فاجأت الكون والعالم والانسان والخلقة برمتها لتوقف المشهد الخلقي في محطة من محطات الخلق المستمرة ، ولتبلور مرحلة جديدة من مراحل الحركة الخلقية التي تضمنت حكم الاعدام على مخلوق من مخلوقات الله سبحانه الكثيرة الا وهو ابليس ؟.النص القرءاني يحدثنا عن (( نحن )) الملائكية الجماعية الاشتراكية في (( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ..)) ويحدثنا عن (( نحن )) الادمية :(( قالا ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين / قرءان كريم )) ويحدثنا عن الثنائية الارضية والسمائية في :(( اتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين )) ، ولكنه عند محطة اي النص القرءاني ابليس الشيطاني يحدثنا عن فردية عقدية وسياسية ورأسمالية ونفسية وروحية ، ليقول :(( انا )) بلا جماعة ولا مشاركة ولا آخر بالامكان الانفتاح عليه واشراكه في هذا الوجود الواسع ؟!.هل الفردية في عرف القانون الالهي المقدس جريمة لاتغتفر بينما تكون الجماعية الاشتراكية مسألة فيها نظر ؟.يبدو بوضوح ان الخروج على قانون الجماعة والتجمع والمشاركة التفاعلية مع الاخر الكوني ، هي من ضمن المحرمات ان لم ترتقي المسألة الى مستوى المقدسات الالهية والتي يعتبر الخروج على نظامها العام من ضمن العصيان المسلح المهدد للنظام الكوني هذا ، لذا جاءت الحكومة الالهية فورية عند سماع (( الانا )) الفردية الابليسية لتحكم عليه بالطرد واللعن والرجم المؤبد الذي يزيل وجوده الشرير عن حركة الاجتماع وامانها واطمأنانها الوجودي ، لهذا كانت (( الانا )) جريمة عالمية في القانون الالهي المقدس !.هل حقا ان هذه (( الانا )) الابليسية مهددة للنظام الكوني العام لذا جاءت الحكومة قاسية جدا ؟.أم ان الفردية كفكرة أسس لها ابليس الشيطاني عندما اعلن (( الانا )) الذاتية كوجود مستقل هي من اروع التمردات الخلقية التي انجبت الشعور بالذات ولذة عبادة الانا والالتفات للشخصية فحسب ؟.من وجهة النظر الاسلامية القرءانية ان هذه الفردية التي اسس لها ابليس في قانون الخلقة احدثت نقصا كونيا لم يزل العالم والكون والانسان يعانون من هذه الثغرة حتى وقتنا الحاضر فالمفرض كان هو ان الكون خلق ليتكامل فيما بينه والبين الاخر ، وهذا التكامل يقتضي ان يلتزم كل مخلوق بقانون :(( عدم الالتفات للفردية )) مطلقا باعتبار ان الخلقة قائمة على التكافل فيما بين المخلوقات جميعا ، وهذه الرؤية الجماعية هي التي تهيئ الارضية للتعايش السلمي بين موجودات العالم جميعها ، بعكس تماما الرؤية الفردية التي ستدخل الانا وما تأخذ اولا قبل ان تفكر بالاخر وما ستعطي اولا ، وما تنتجه هذه (( الفردية )) من عكس لنظام الخلقة يميز بين مخلوق واخر يفضي بالنتيجة الى رؤية المخلوق للمخلوق الاخر على اساس التفاضل وربما الخيرية في هذا الاطار لنصل الى نتائج هذه الفردية في (( انا خير منه ...)) وهنا تحدث الكارثة !؟.في النظام الجماعي الذي يلغي مصطلح الفردية (( الانا )) ليس هناك مدخل تفكير في عملية التمايز والتمييز بين خلقة واخرى ، فليس هناك ميزة لهذا المخلوق على الاخر مطلقا باعتبار ان الكل من منبع واحد (( الناس سواسية كاسنان المشط ... ولافضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى ...)) فادم مخلوق نفسه نفس ابليس ، وكذا الارض والسماء والملائكة ...، فكل هذه مخلوقات متساوية في النظام الجماعي الذي يقتل روح التفرد والانانية ، أما في النظام الفردي فالعكس هو الصحيح عندما تشخص الانانية وينظر لها على اساس الاستقلال والتميز في الخلقة فعندئذ ينظر كل مخلوق لذاته بفردية ولمصالحه كذالك ولكيانه حسب التبعية ، لنسأل : من الافضل النار ام الطين ؟.الكون كله لم يفكر بفرديته مطلقا ولا الملائكة ولا الانسان ولا الجبال ... ولكن ابليس فكر بفرديته كمميز خلقي فوقعت عليه اللعنة !.ولكن لماذا هذه اللعنة على الفردية الخلاقة ؟.اليس هناك تفاضل بين طاقة واخرى لمخلوقات الله سبحانه وتعالى ؟.اليس ابداع وحرية تضمن عملية الحركة والانسياب والانتاج تخلقها هذه الفردية ؟.اليس هناك اجتهاد وعمل وهناك ترهل وكسل هو الذي ينتج الافضل والفاضل والفاشل ؟.اليس هناك مصلحة ينبغي ان تحرك كل موجود على وفي هذا الكون الواسع لنجني بالنتيجة التطور والتكامل ومصلحة الجماعة ؟.في مورد الاجابة نعم كرم ابن ادم وفضل بعضهم على بعض !.ولكن هل يعلم عبّاد الفردية انه مع الافضلية هذه لاينبغي مطلقا ان ننظر للكفاءة على اساس انها مميز بل المفروض النظر اليها على اساس انها نعمة تستحق الشكر بان يعود الافضل ليكون خادما للاضعف وليس العكس !؟.صحيح هناك الذكي والغبي ، والقوي والضعيف ، والسماء والارض ، والانسان والملائكة .... يختلف كل واحد منها عن الاخر ، ولكن مايميز الرؤية الاسلامية القرءانية هو : انك كمخلوق مع انك موجود في نظام خلقة متكامل فعليك ان تنظر اولا للجماعة ومن بعد ذالك تلتفت الى الذات والانا لترى نفسك حلقة في سلسلة من الوجود المتكامل ، ولاترى نفسك فردا في كتلة مستقلة ، فليس هناك فقير الا بغنى غني ، وليس هناك غني الا بفقر فقير ، وليس هناك وجود الا بارض وسماء ، وليس هناك ارض وسماء الا بوجود كون وقانون .... وهكذا انت فرد في أمة وجماعة في فرد ، أما ان عكسنا المسألة لنرى اننا فرد بلا امة فهذه كارثة !.قال : انا خير منه ؟!.فردية ترى الانا الفردية من زاوية الشخصية القاتلة التي لاترى للجماعة اي وجود يذكر ؟.هي لاترى وجود للارض وفسادها ، ولا للسماء وتدميرها ، ولا للاخر ومتطلباته الطبيعية التي نظمت على اساس التكافل مع الاخر ، بل هي ترى (( الانا )) الفردية واحتياجاتها فحسب !.ولو فرض ان ابليس هذا بفرديته البغيضة طلب منه السجود للارض او للسماء او للملائكة باعتبار ان الخلقة الكونية تقتضي ان يخضع كل مخلوق للاخر لتسير الخلقة على اتم وجه واكمل مسيرة ، فهل كان ليقبل ابليس بلعبة السجود المتبادل بين الخلق هذه ؟.لا سوف لن يقبل ابليس الفردي بان يشاركه احد من الخلق في وجوده الذاتي ، فهو فرد تنتهي حرية او مسؤولية جميع الخلقة عندما يبدأ وجوده الناري هنا ؟.مشكلة حقا ان ينفرد مخلوق على نظام الخلقة ليعلن الاستقلال ، مع ان وجوده الناري هو مكمل للوجود الطيني في هذا الوجود ؟.مشكلة ان يعلن ابليس ال (( انا )) منعزلة عن الكون مع ان هذه الانا وجدت لتكون زاوية في بناء البيت العالمي ؟. حتما سيكون هناك نقصا في بناء الخلقة ان رفعنا حجر ابليس الناري هذا !؟.حقا سيكون هناك منعطفا ان طردنا ولعنّا ورجمنا هذا المخلوق المسمى ابليس من دورة العالم الخلقية التامة !.هل من الضروري طرد ولعن الفردية الابليسية تماما من وجودنا العالمي ام يمكن او بالامكان التعايش مع هذه الفردية ولو الى حين من الزمن ؟.وعلى اي حال ففي هذه الفردية شيئ ما ربما يكون مفيدا مع ادراكنا لوحشيتها الوجودية ؟.الحقيقة ان الذين يعشقون هذه الفردية الابليسية هم لايدركون مضمون هذه الانانية الفردية على الحقيقة ، ففردية ابليس ليست هي من نوع الفرديات القابلة لرؤية الاخر على اساس المساواة في الحقوق والواجبات الكونية والعالمية والانسانية ايضا ، لا ... هي وبالعكس تماما ترى ان الاخر السماوي والارضي والادمي والملائكي ومالاتعلمون هم من النوع الادنى خلقيا من الفردية الابليسية :(( قال انا خير منه ..)) !.اي بمعنى ان الفردية لاترضى بان تكون متساوية في الحقوق والواجبات مع الاخر الخلقي وهنا المشكلة !.هناك من يؤمن بالفردية على اساس وان كان ناقصا الا انه يبقى نوعا ما لاوحشيا وهي الفردية التي تقول : بوجودي المستقل مع ضمان حقوق الوجود المستقل للاخرين ؟.هنا نحن امام فردية انعزالية غير جماعية انانية غير تكاملية وحشية غير انسانية منفتحة على التعايش مع الاخر بشعور واحساس انساني متبادل ولكنه مع ذالك فردية مقبولة نوعا ما ، أما ان صادفنا فردية ترى الافضلية والخيرية لها من دون باقي الخلق جميعا :(( انا خير منه ..)) فعندئذ ندرك اننا امام فردية اقصائية للاخر غير معترفة بوجوده الخيّر وهنا المأساة ، وهي ان نكون امام رؤية لاتعترف بوجود الخيرية للاخر كما هي لنفس الذات الفردية !.نعم هناك من ينظر لفرديته او قوميته او امته على اساس انها من الامم الراقية والمميزة على باقي الامم الاخرى ، مما يدفع بهذه الفردية الشخصية او العنصرية او القومية الى النظر من علي للاخر الموجود في نفس العالم ، بهذا نكون امام موجود معتدي على الخلقة وليس نحن امام موجود رافض فحسب للتعايش مع الاخر الخلقي !.هكذا عقلية ابليس الفردية عندما اعلنت (( انا )) قبالة الانسان الطيني ، فهي لم تكتفي بعدم احترام المخلوق الاخر فحسب وانما اندفعت لرؤيته على اساس انه الاحقر والادون وكذا الشرير في هذه الخلقة قبالة الخيّر الناري الذي هو ابليس ، والذي لاينبغي مطلقا ان يكون هو وادم في نفس الحيز الخلقي ؟.الاعجب والاغرب من هذا كله في التركيبة الفكرية الابليسية الشيطانية التي نفهمها من هذه ال (( انا )) الاجرامية ، هي : ان فردية ابليس هذه تفوقت حتى على الجنس الناري نفسه والذي منه خلق ابليس الشيطاني بذاته ، فهو ولشدة ما اعتقلته الانانية الفردية ، ولقوة ما حبسته هذه الانانية العبادية ، هو نسي تماما ان يذكر حتى ابناء جنسه في الخطاب الاستقلالي له عن السجود لادم ، فحتى الذاكرة فقدها هذا الابليس وهو ملتفت الى فرديته البغيضة بعكس باقي المخلوقات في نحن القومية او الجنسية الملائكية في :(( ونحن نسبح بحمدك ..)) او الادمية في :(( ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا ...)) حتى على هذا المستوى لم يذكر ابليس ابناء جنس النار معه ليقول :(( نحن خير منهم خلقتنا من نار وخلقتهم من طين ....)) مثلا ، حتى على هذا المستوى لم يفكر ابليس اشراك ابناء جلدته من مخلوقات النار ليكونوا في مضمون خطابه الفكري ، مما يطلعنا اخيرا ان تلك (( الانا )) الابليسية كانت من الوحشية والتمرد بشكل لايهيئ تماما اي تعايش مع الاخر حتى وان كان ناريا من نفس جوهر ابليس ومن ذاتيته القومية هنا !.ان ابليس مخلوق حقا يستحق الطرد واللعن والرجم من قبل الله سبحانه وتعالى ، ليس لانه انقص شيئا في ملكوت الله سبحانه ، وليس لانه لم يلتفت للامر الالهي المقدس فحسب ، وليس لانه تافه وحقير وقبيح جدا ، وليس لانه غبي ومتكبر ولايعرف قيمة نفسه فقط ....... ولكنه يستحق اللعن والطرد الالهي لان الله سبحانه هو اقوى نصير لحقوق خلقه وهو اعظم مدافع عن كراماتهم ، وهو القائم على تدبير مملكتهم واقامة العدل والمساواة بينهم ، فلو لم يكن الله طرد ولعن ورجم ابليس اللعين لكان هناك خلل في العدالة الالهية الحقة سبحانه !.هذه هي الفردية التي اودت بابليس الى الهاوية ؟!.
ارادت تركيبة الكون والعالم والانسان والوجود على اساس انها خلقة توافقية واشتراكية في التكامل ، فكل شيئ عابدا مطيعا مسبحا لله سبحانه وتعالى فالارض والسماء طائعتين لله سبحانه وتعالى وقائمتين بوظيفتيهما العالمية والكونية :(( فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين / 11/ فصلت )) وكذا الحجر والنبات والحيوان والملائكة وما لانعلم :(( وان من شيئ الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم / قرءان كريم )) وهذه العبادة الكونية هي الوجه الاخر للتكامل العالمية فالانسان محسن للطبيعة والطبيعة منتجة للسماء والكون متجاوب مع الاخر ....، ولافائدة عائدة مطلقا لله سبحانه من عبادة الاشياء كلها له وهو الغني الحميد ، وانما العائد راجع للمخلوقات نفسها عن طريق العبادة هنا ، او ان العبادة هي الخطة العملية للادارة السليمة لحركة الكون والعالم والانسان لتنتظم بمشروع اخذ وعطاء مستمر لهذه الخلقة ، فلا افساد للكون من خلال هذا البرنامج التعبدي التسبيحي ، ولاسفك للدماء حسب هذا المفهوم !.تمام : عندما تأتي الارض والسماء طواعية لله سبحانه فهذا يعني قبول الكون بشغل وظيفة العطاء للانسان المدير ، وكذا عندما تسبح مفردات الكون الصغيرة والكبيرة فانها تلعب الحركة بشكل ايجابي مسبح لله سبحانه لتتم اللوحة بابهى جمالياتها العظيمة في الخلقة والايجاد ، ولكن ورغم هذه التركيبة التي ارادها الله سبحانه وتعالى انفرد مخلوق من مخلوقات الله الكثيرة ليخرق النظام العام ويتمرد على الحركة الجماعية وليعلن العصيان على المشاركة والانتاج ولينظر للعالم وللانسان بعين الاعلى والاكبر والاحسن والاخير ليقول :(( انا خير منه ...)) عندئذ توقف العالم والكون والانسان امام هذا المشهد الغريب العجيب لهذا الكائن المعقد وهو ينطق كارثة (( انا )) !.لم تقل السماء (( انا )) ولم تقل الارض ولا الجبال ولا الانسان ولا الحيوان ولا ال ما من شيئ ولا الملائكة ..... لم تقل جريمة (( الانا )) هذه !.ماهذه ((الانا)) الابليسية التي فاجأت الكون والعالم والانسان والخلقة برمتها لتوقف المشهد الخلقي في محطة من محطات الخلق المستمرة ، ولتبلور مرحلة جديدة من مراحل الحركة الخلقية التي تضمنت حكم الاعدام على مخلوق من مخلوقات الله سبحانه الكثيرة الا وهو ابليس ؟.النص القرءاني يحدثنا عن (( نحن )) الملائكية الجماعية الاشتراكية في (( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ..)) ويحدثنا عن (( نحن )) الادمية :(( قالا ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين / قرءان كريم )) ويحدثنا عن الثنائية الارضية والسمائية في :(( اتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين )) ، ولكنه عند محطة اي النص القرءاني ابليس الشيطاني يحدثنا عن فردية عقدية وسياسية ورأسمالية ونفسية وروحية ، ليقول :(( انا )) بلا جماعة ولا مشاركة ولا آخر بالامكان الانفتاح عليه واشراكه في هذا الوجود الواسع ؟!.هل الفردية في عرف القانون الالهي المقدس جريمة لاتغتفر بينما تكون الجماعية الاشتراكية مسألة فيها نظر ؟.يبدو بوضوح ان الخروج على قانون الجماعة والتجمع والمشاركة التفاعلية مع الاخر الكوني ، هي من ضمن المحرمات ان لم ترتقي المسألة الى مستوى المقدسات الالهية والتي يعتبر الخروج على نظامها العام من ضمن العصيان المسلح المهدد للنظام الكوني هذا ، لذا جاءت الحكومة الالهية فورية عند سماع (( الانا )) الفردية الابليسية لتحكم عليه بالطرد واللعن والرجم المؤبد الذي يزيل وجوده الشرير عن حركة الاجتماع وامانها واطمأنانها الوجودي ، لهذا كانت (( الانا )) جريمة عالمية في القانون الالهي المقدس !.هل حقا ان هذه (( الانا )) الابليسية مهددة للنظام الكوني العام لذا جاءت الحكومة قاسية جدا ؟.أم ان الفردية كفكرة أسس لها ابليس الشيطاني عندما اعلن (( الانا )) الذاتية كوجود مستقل هي من اروع التمردات الخلقية التي انجبت الشعور بالذات ولذة عبادة الانا والالتفات للشخصية فحسب ؟.من وجهة النظر الاسلامية القرءانية ان هذه الفردية التي اسس لها ابليس في قانون الخلقة احدثت نقصا كونيا لم يزل العالم والكون والانسان يعانون من هذه الثغرة حتى وقتنا الحاضر فالمفرض كان هو ان الكون خلق ليتكامل فيما بينه والبين الاخر ، وهذا التكامل يقتضي ان يلتزم كل مخلوق بقانون :(( عدم الالتفات للفردية )) مطلقا باعتبار ان الخلقة قائمة على التكافل فيما بين المخلوقات جميعا ، وهذه الرؤية الجماعية هي التي تهيئ الارضية للتعايش السلمي بين موجودات العالم جميعها ، بعكس تماما الرؤية الفردية التي ستدخل الانا وما تأخذ اولا قبل ان تفكر بالاخر وما ستعطي اولا ، وما تنتجه هذه (( الفردية )) من عكس لنظام الخلقة يميز بين مخلوق واخر يفضي بالنتيجة الى رؤية المخلوق للمخلوق الاخر على اساس التفاضل وربما الخيرية في هذا الاطار لنصل الى نتائج هذه الفردية في (( انا خير منه ...)) وهنا تحدث الكارثة !؟.في النظام الجماعي الذي يلغي مصطلح الفردية (( الانا )) ليس هناك مدخل تفكير في عملية التمايز والتمييز بين خلقة واخرى ، فليس هناك ميزة لهذا المخلوق على الاخر مطلقا باعتبار ان الكل من منبع واحد (( الناس سواسية كاسنان المشط ... ولافضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى ...)) فادم مخلوق نفسه نفس ابليس ، وكذا الارض والسماء والملائكة ...، فكل هذه مخلوقات متساوية في النظام الجماعي الذي يقتل روح التفرد والانانية ، أما في النظام الفردي فالعكس هو الصحيح عندما تشخص الانانية وينظر لها على اساس الاستقلال والتميز في الخلقة فعندئذ ينظر كل مخلوق لذاته بفردية ولمصالحه كذالك ولكيانه حسب التبعية ، لنسأل : من الافضل النار ام الطين ؟.الكون كله لم يفكر بفرديته مطلقا ولا الملائكة ولا الانسان ولا الجبال ... ولكن ابليس فكر بفرديته كمميز خلقي فوقعت عليه اللعنة !.ولكن لماذا هذه اللعنة على الفردية الخلاقة ؟.اليس هناك تفاضل بين طاقة واخرى لمخلوقات الله سبحانه وتعالى ؟.اليس ابداع وحرية تضمن عملية الحركة والانسياب والانتاج تخلقها هذه الفردية ؟.اليس هناك اجتهاد وعمل وهناك ترهل وكسل هو الذي ينتج الافضل والفاضل والفاشل ؟.اليس هناك مصلحة ينبغي ان تحرك كل موجود على وفي هذا الكون الواسع لنجني بالنتيجة التطور والتكامل ومصلحة الجماعة ؟.في مورد الاجابة نعم كرم ابن ادم وفضل بعضهم على بعض !.ولكن هل يعلم عبّاد الفردية انه مع الافضلية هذه لاينبغي مطلقا ان ننظر للكفاءة على اساس انها مميز بل المفروض النظر اليها على اساس انها نعمة تستحق الشكر بان يعود الافضل ليكون خادما للاضعف وليس العكس !؟.صحيح هناك الذكي والغبي ، والقوي والضعيف ، والسماء والارض ، والانسان والملائكة .... يختلف كل واحد منها عن الاخر ، ولكن مايميز الرؤية الاسلامية القرءانية هو : انك كمخلوق مع انك موجود في نظام خلقة متكامل فعليك ان تنظر اولا للجماعة ومن بعد ذالك تلتفت الى الذات والانا لترى نفسك حلقة في سلسلة من الوجود المتكامل ، ولاترى نفسك فردا في كتلة مستقلة ، فليس هناك فقير الا بغنى غني ، وليس هناك غني الا بفقر فقير ، وليس هناك وجود الا بارض وسماء ، وليس هناك ارض وسماء الا بوجود كون وقانون .... وهكذا انت فرد في أمة وجماعة في فرد ، أما ان عكسنا المسألة لنرى اننا فرد بلا امة فهذه كارثة !.قال : انا خير منه ؟!.فردية ترى الانا الفردية من زاوية الشخصية القاتلة التي لاترى للجماعة اي وجود يذكر ؟.هي لاترى وجود للارض وفسادها ، ولا للسماء وتدميرها ، ولا للاخر ومتطلباته الطبيعية التي نظمت على اساس التكافل مع الاخر ، بل هي ترى (( الانا )) الفردية واحتياجاتها فحسب !.ولو فرض ان ابليس هذا بفرديته البغيضة طلب منه السجود للارض او للسماء او للملائكة باعتبار ان الخلقة الكونية تقتضي ان يخضع كل مخلوق للاخر لتسير الخلقة على اتم وجه واكمل مسيرة ، فهل كان ليقبل ابليس بلعبة السجود المتبادل بين الخلق هذه ؟.لا سوف لن يقبل ابليس الفردي بان يشاركه احد من الخلق في وجوده الذاتي ، فهو فرد تنتهي حرية او مسؤولية جميع الخلقة عندما يبدأ وجوده الناري هنا ؟.مشكلة حقا ان ينفرد مخلوق على نظام الخلقة ليعلن الاستقلال ، مع ان وجوده الناري هو مكمل للوجود الطيني في هذا الوجود ؟.مشكلة ان يعلن ابليس ال (( انا )) منعزلة عن الكون مع ان هذه الانا وجدت لتكون زاوية في بناء البيت العالمي ؟. حتما سيكون هناك نقصا في بناء الخلقة ان رفعنا حجر ابليس الناري هذا !؟.حقا سيكون هناك منعطفا ان طردنا ولعنّا ورجمنا هذا المخلوق المسمى ابليس من دورة العالم الخلقية التامة !.هل من الضروري طرد ولعن الفردية الابليسية تماما من وجودنا العالمي ام يمكن او بالامكان التعايش مع هذه الفردية ولو الى حين من الزمن ؟.وعلى اي حال ففي هذه الفردية شيئ ما ربما يكون مفيدا مع ادراكنا لوحشيتها الوجودية ؟.الحقيقة ان الذين يعشقون هذه الفردية الابليسية هم لايدركون مضمون هذه الانانية الفردية على الحقيقة ، ففردية ابليس ليست هي من نوع الفرديات القابلة لرؤية الاخر على اساس المساواة في الحقوق والواجبات الكونية والعالمية والانسانية ايضا ، لا ... هي وبالعكس تماما ترى ان الاخر السماوي والارضي والادمي والملائكي ومالاتعلمون هم من النوع الادنى خلقيا من الفردية الابليسية :(( قال انا خير منه ..)) !.اي بمعنى ان الفردية لاترضى بان تكون متساوية في الحقوق والواجبات مع الاخر الخلقي وهنا المشكلة !.هناك من يؤمن بالفردية على اساس وان كان ناقصا الا انه يبقى نوعا ما لاوحشيا وهي الفردية التي تقول : بوجودي المستقل مع ضمان حقوق الوجود المستقل للاخرين ؟.هنا نحن امام فردية انعزالية غير جماعية انانية غير تكاملية وحشية غير انسانية منفتحة على التعايش مع الاخر بشعور واحساس انساني متبادل ولكنه مع ذالك فردية مقبولة نوعا ما ، أما ان صادفنا فردية ترى الافضلية والخيرية لها من دون باقي الخلق جميعا :(( انا خير منه ..)) فعندئذ ندرك اننا امام فردية اقصائية للاخر غير معترفة بوجوده الخيّر وهنا المأساة ، وهي ان نكون امام رؤية لاتعترف بوجود الخيرية للاخر كما هي لنفس الذات الفردية !.نعم هناك من ينظر لفرديته او قوميته او امته على اساس انها من الامم الراقية والمميزة على باقي الامم الاخرى ، مما يدفع بهذه الفردية الشخصية او العنصرية او القومية الى النظر من علي للاخر الموجود في نفس العالم ، بهذا نكون امام موجود معتدي على الخلقة وليس نحن امام موجود رافض فحسب للتعايش مع الاخر الخلقي !.هكذا عقلية ابليس الفردية عندما اعلنت (( انا )) قبالة الانسان الطيني ، فهي لم تكتفي بعدم احترام المخلوق الاخر فحسب وانما اندفعت لرؤيته على اساس انه الاحقر والادون وكذا الشرير في هذه الخلقة قبالة الخيّر الناري الذي هو ابليس ، والذي لاينبغي مطلقا ان يكون هو وادم في نفس الحيز الخلقي ؟.الاعجب والاغرب من هذا كله في التركيبة الفكرية الابليسية الشيطانية التي نفهمها من هذه ال (( انا )) الاجرامية ، هي : ان فردية ابليس هذه تفوقت حتى على الجنس الناري نفسه والذي منه خلق ابليس الشيطاني بذاته ، فهو ولشدة ما اعتقلته الانانية الفردية ، ولقوة ما حبسته هذه الانانية العبادية ، هو نسي تماما ان يذكر حتى ابناء جنسه في الخطاب الاستقلالي له عن السجود لادم ، فحتى الذاكرة فقدها هذا الابليس وهو ملتفت الى فرديته البغيضة بعكس باقي المخلوقات في نحن القومية او الجنسية الملائكية في :(( ونحن نسبح بحمدك ..)) او الادمية في :(( ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا ...)) حتى على هذا المستوى لم يذكر ابليس ابناء جنس النار معه ليقول :(( نحن خير منهم خلقتنا من نار وخلقتهم من طين ....)) مثلا ، حتى على هذا المستوى لم يفكر ابليس اشراك ابناء جلدته من مخلوقات النار ليكونوا في مضمون خطابه الفكري ، مما يطلعنا اخيرا ان تلك (( الانا )) الابليسية كانت من الوحشية والتمرد بشكل لايهيئ تماما اي تعايش مع الاخر حتى وان كان ناريا من نفس جوهر ابليس ومن ذاتيته القومية هنا !.ان ابليس مخلوق حقا يستحق الطرد واللعن والرجم من قبل الله سبحانه وتعالى ، ليس لانه انقص شيئا في ملكوت الله سبحانه ، وليس لانه لم يلتفت للامر الالهي المقدس فحسب ، وليس لانه تافه وحقير وقبيح جدا ، وليس لانه غبي ومتكبر ولايعرف قيمة نفسه فقط ....... ولكنه يستحق اللعن والطرد الالهي لان الله سبحانه هو اقوى نصير لحقوق خلقه وهو اعظم مدافع عن كراماتهم ، وهو القائم على تدبير مملكتهم واقامة العدل والمساواة بينهم ، فلو لم يكن الله طرد ولعن ورجم ابليس اللعين لكان هناك خلل في العدالة الالهية الحقة سبحانه !.هذه هي الفردية التي اودت بابليس الى الهاوية ؟!.