الأربعاء، يناير 28، 2009

ابليس ذالك المخلوق المعقد ... رؤية قرءانية من اجل ثقافة دينية 6

(( قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ))‏ثانيا : تطلعنا هذه ال (( انا )) على زاوية اخرى من صفات هذا المخلوق المعقد الذي ‏استحق بسببها حكم المحكمة الالهية المقدسة بالطرد واللعن والرجم والنفي الى الابد ‏، وهذه الزاوية الابليسية مختصرة في فكرة (( الفردية )) الانانية الابليسية !.‏ان الارادة الالهية المقدسة عندما انشأت الخلقة العالمية وبما فيها الانسان ، فانها ‏
ارادت تركيبة الكون والعالم والانسان والوجود على اساس انها خلقة توافقية ‏واشتراكية في التكامل ، فكل شيئ عابدا مطيعا مسبحا لله سبحانه وتعالى فالارض ‏والسماء طائعتين لله سبحانه وتعالى وقائمتين بوظيفتيهما العالمية والكونية :(( فقال ‏لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين / 11/ فصلت )) وكذا الحجر ‏والنبات والحيوان والملائكة وما لانعلم :(( وان من شيئ الا يسبح بحمده ولكن ‏لاتفقهون تسبيحهم / قرءان كريم )) وهذه العبادة الكونية هي الوجه الاخر للتكامل ‏العالمية فالانسان محسن للطبيعة والطبيعة منتجة للسماء والكون متجاوب مع الاخر ‏‏....، ولافائدة عائدة مطلقا لله سبحانه من عبادة الاشياء كلها له وهو الغني الحميد ، ‏وانما العائد راجع للمخلوقات نفسها عن طريق العبادة هنا ، او ان العبادة هي الخطة ‏العملية للادارة السليمة لحركة الكون والعالم والانسان لتنتظم بمشروع اخذ وعطاء ‏مستمر لهذه الخلقة ، فلا افساد للكون من خلال هذا البرنامج التعبدي التسبيحي ، ‏ولاسفك للدماء حسب هذا المفهوم !.‏تمام : عندما تأتي الارض والسماء طواعية لله سبحانه فهذا يعني قبول الكون بشغل ‏وظيفة العطاء للانسان المدير ، وكذا عندما تسبح مفردات الكون الصغيرة والكبيرة ‏فانها تلعب الحركة بشكل ايجابي مسبح لله سبحانه لتتم اللوحة بابهى جمالياتها ‏العظيمة في الخلقة والايجاد ، ولكن ورغم هذه التركيبة التي ارادها الله سبحانه ‏وتعالى انفرد مخلوق من مخلوقات الله الكثيرة ليخرق النظام العام ويتمرد على ‏الحركة الجماعية وليعلن العصيان على المشاركة والانتاج ولينظر للعالم وللانسان ‏بعين الاعلى والاكبر والاحسن والاخير ليقول :(( انا خير منه ...)) عندئذ توقف العالم ‏والكون والانسان امام هذا المشهد الغريب العجيب لهذا الكائن المعقد وهو ينطق ‏كارثة (( انا )) !.‏لم تقل السماء (( انا )) ولم تقل الارض ولا الجبال ولا الانسان ولا الحيوان ولا ال ما ‏من شيئ ولا الملائكة ..... لم تقل جريمة (( الانا )) هذه !.‏ماهذه ((الانا)) الابليسية التي فاجأت الكون والعالم والانسان والخلقة برمتها لتوقف ‏المشهد الخلقي في محطة من محطات الخلق المستمرة ، ولتبلور مرحلة جديدة من ‏مراحل الحركة الخلقية التي تضمنت حكم الاعدام على مخلوق من مخلوقات الله ‏سبحانه الكثيرة الا وهو ابليس ؟.‏النص القرءاني يحدثنا عن (( نحن )) الملائكية الجماعية الاشتراكية في (( ونحن ‏نسبح بحمدك ونقدس لك ..)) ويحدثنا عن (( نحن )) الادمية :(( قالا ربنا ظلمنا ‏انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين / قرءان كريم )) ويحدثنا عن ‏الثنائية الارضية والسمائية في :(( اتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين )) ، ولكنه ‏عند محطة اي النص القرءاني ابليس الشيطاني يحدثنا عن فردية عقدية ‏وسياسية ورأسمالية ونفسية وروحية ، ليقول :(( انا )) بلا جماعة ولا مشاركة ولا ‏آخر بالامكان الانفتاح عليه واشراكه في هذا الوجود الواسع ؟!.‏هل الفردية في عرف القانون الالهي المقدس جريمة لاتغتفر بينما تكون الجماعية ‏الاشتراكية مسألة فيها نظر ؟.‏يبدو بوضوح ان الخروج على قانون الجماعة والتجمع والمشاركة التفاعلية مع ‏الاخر الكوني ، هي من ضمن المحرمات ان لم ترتقي المسألة الى مستوى المقدسات ‏الالهية والتي يعتبر الخروج على نظامها العام من ضمن العصيان المسلح المهدد ‏للنظام الكوني هذا ، لذا جاءت الحكومة الالهية فورية عند سماع (( الانا )) الفردية ‏الابليسية لتحكم عليه بالطرد واللعن والرجم المؤبد الذي يزيل وجوده الشرير عن ‏حركة الاجتماع وامانها واطمأنانها الوجودي ، لهذا كانت (( الانا )) جريمة عالمية ‏في القانون الالهي المقدس !.‏هل حقا ان هذه (( الانا )) الابليسية مهددة للنظام الكوني العام لذا جاءت الحكومة ‏قاسية جدا ؟.‏أم ان الفردية كفكرة أسس لها ابليس الشيطاني عندما اعلن (( الانا )) الذاتية كوجود ‏مستقل هي من اروع التمردات الخلقية التي انجبت الشعور بالذات ولذة عبادة الانا ‏والالتفات للشخصية فحسب ؟.‏من وجهة النظر الاسلامية القرءانية ان هذه الفردية التي اسس لها ابليس في قانون ‏الخلقة احدثت نقصا كونيا لم يزل العالم والكون والانسان يعانون من هذه الثغرة حتى ‏وقتنا الحاضر فالمفرض كان هو ان الكون خلق ليتكامل فيما بينه والبين الاخر ، وهذا ‏التكامل يقتضي ان يلتزم كل مخلوق بقانون :(( عدم الالتفات للفردية )) مطلقا ‏باعتبار ان الخلقة قائمة على التكافل فيما بين المخلوقات جميعا ، وهذه الرؤية ‏الجماعية هي التي تهيئ الارضية للتعايش السلمي بين موجودات العالم جميعها ، ‏بعكس تماما الرؤية الفردية التي ستدخل الانا وما تأخذ اولا قبل ان تفكر بالاخر وما ‏ستعطي اولا ، وما تنتجه هذه (( الفردية )) من عكس لنظام الخلقة يميز بين مخلوق ‏واخر يفضي بالنتيجة الى رؤية المخلوق للمخلوق الاخر على اساس التفاضل وربما ‏الخيرية في هذا الاطار لنصل الى نتائج هذه الفردية في (( انا خير منه ...)) وهنا ‏تحدث الكارثة !؟.‏في النظام الجماعي الذي يلغي مصطلح الفردية (( الانا )) ليس هناك مدخل تفكير في ‏عملية التمايز والتمييز بين خلقة واخرى ، فليس هناك ميزة لهذا المخلوق على الاخر ‏مطلقا باعتبار ان الكل من منبع واحد (( الناس سواسية كاسنان المشط ... ولافضل ‏لعربي على اعجمي الا بالتقوى ...)) فادم مخلوق نفسه نفس ابليس ، وكذا الارض ‏والسماء والملائكة ...، فكل هذه مخلوقات متساوية في النظام الجماعي الذي يقتل ‏روح التفرد والانانية ، أما في النظام الفردي فالعكس هو الصحيح عندما تشخص ‏الانانية وينظر لها على اساس الاستقلال والتميز في الخلقة فعندئذ ينظر كل مخلوق ‏لذاته بفردية ولمصالحه كذالك ولكيانه حسب التبعية ، لنسأل : من الافضل النار ام ‏الطين ؟.‏الكون كله لم يفكر بفرديته مطلقا ولا الملائكة ولا الانسان ولا الجبال ... ولكن ابليس ‏فكر بفرديته كمميز خلقي فوقعت عليه اللعنة !.‏ولكن لماذا هذه اللعنة على الفردية الخلاقة ؟.‏اليس هناك تفاضل بين طاقة واخرى لمخلوقات الله سبحانه وتعالى ؟.‏اليس ابداع وحرية تضمن عملية الحركة والانسياب والانتاج تخلقها هذه الفردية ؟.‏اليس هناك اجتهاد وعمل وهناك ترهل وكسل هو الذي ينتج الافضل والفاضل والفاشل ‏؟.‏اليس هناك مصلحة ينبغي ان تحرك كل موجود على وفي هذا الكون الواسع لنجني ‏بالنتيجة التطور والتكامل ومصلحة الجماعة ؟.‏في مورد الاجابة نعم كرم ابن ادم وفضل بعضهم على بعض !.‏ولكن هل يعلم عبّاد الفردية انه مع الافضلية هذه لاينبغي مطلقا ان ننظر للكفاءة على ‏اساس انها مميز بل المفروض النظر اليها على اساس انها نعمة تستحق الشكر بان ‏يعود الافضل ليكون خادما للاضعف وليس العكس !؟.‏صحيح هناك الذكي والغبي ، والقوي والضعيف ، والسماء والارض ، والانسان ‏والملائكة .... يختلف كل واحد منها عن الاخر ، ولكن مايميز الرؤية الاسلامية ‏القرءانية هو : انك كمخلوق مع انك موجود في نظام خلقة متكامل فعليك ان تنظر ‏اولا للجماعة ومن بعد ذالك تلتفت الى الذات والانا لترى نفسك حلقة في سلسلة من ‏الوجود المتكامل ، ولاترى نفسك فردا في كتلة مستقلة ، فليس هناك فقير الا بغنى ‏غني ، وليس هناك غني الا بفقر فقير ، وليس هناك وجود الا بارض وسماء ، وليس ‏هناك ارض وسماء الا بوجود كون وقانون .... وهكذا انت فرد في أمة وجماعة في ‏فرد ، أما ان عكسنا المسألة لنرى اننا فرد بلا امة فهذه كارثة !.‏قال : انا خير منه ؟!.‏فردية ترى الانا الفردية من زاوية الشخصية القاتلة التي لاترى للجماعة اي وجود ‏يذكر ؟.‏هي لاترى وجود للارض وفسادها ، ولا للسماء وتدميرها ، ولا للاخر ومتطلباته ‏الطبيعية التي نظمت على اساس التكافل مع الاخر ، بل هي ترى (( الانا )) الفردية ‏واحتياجاتها فحسب !.‏ولو فرض ان ابليس هذا بفرديته البغيضة طلب منه السجود للارض او للسماء او ‏للملائكة باعتبار ان الخلقة الكونية تقتضي ان يخضع كل مخلوق للاخر لتسير الخلقة ‏على اتم وجه واكمل مسيرة ، فهل كان ليقبل ابليس بلعبة السجود المتبادل بين الخلق ‏هذه ؟.‏لا سوف لن يقبل ابليس الفردي بان يشاركه احد من الخلق في وجوده الذاتي ، فهو ‏فرد تنتهي حرية او مسؤولية جميع الخلقة عندما يبدأ وجوده الناري هنا ؟.‏مشكلة حقا ان ينفرد مخلوق على نظام الخلقة ليعلن الاستقلال ، مع ان وجوده الناري ‏هو مكمل للوجود الطيني في هذا الوجود ؟.‏مشكلة ان يعلن ابليس ال (( انا )) منعزلة عن الكون مع ان هذه الانا وجدت لتكون ‏زاوية في بناء البيت العالمي ؟. ‏حتما سيكون هناك نقصا في بناء الخلقة ان رفعنا حجر ابليس الناري هذا !؟.‏حقا سيكون هناك منعطفا ان طردنا ولعنّا ورجمنا هذا المخلوق المسمى ابليس من ‏دورة العالم الخلقية التامة !.‏هل من الضروري طرد ولعن الفردية الابليسية تماما من وجودنا العالمي ام يمكن او ‏بالامكان التعايش مع هذه الفردية ولو الى حين من الزمن ؟.‏وعلى اي حال ففي هذه الفردية شيئ ما ربما يكون مفيدا مع ادراكنا لوحشيتها ‏الوجودية ؟.‏الحقيقة ان الذين يعشقون هذه الفردية الابليسية هم لايدركون مضمون هذه الانانية ‏الفردية على الحقيقة ، ففردية ابليس ليست هي من نوع الفرديات القابلة لرؤية الاخر ‏على اساس المساواة في الحقوق والواجبات الكونية والعالمية والانسانية ايضا ، لا ‏‏... هي وبالعكس تماما ترى ان الاخر السماوي والارضي والادمي والملائكي ‏ومالاتعلمون هم من النوع الادنى خلقيا من الفردية الابليسية :(( قال انا خير منه ..)) ‏‏!.‏اي بمعنى ان الفردية لاترضى بان تكون متساوية في الحقوق والواجبات مع الاخر ‏الخلقي وهنا المشكلة !.‏هناك من يؤمن بالفردية على اساس وان كان ناقصا الا انه يبقى نوعا ما لاوحشيا ‏وهي الفردية التي تقول : بوجودي المستقل مع ضمان حقوق الوجود المستقل ‏للاخرين ؟.‏هنا نحن امام فردية انعزالية غير جماعية انانية غير تكاملية وحشية غير انسانية ‏منفتحة على التعايش مع الاخر بشعور واحساس انساني متبادل ولكنه مع ذالك فردية ‏مقبولة نوعا ما ، أما ان صادفنا فردية ترى الافضلية والخيرية لها من دون باقي ‏الخلق جميعا :(( انا خير منه ..)) فعندئذ ندرك اننا امام فردية اقصائية للاخر غير ‏معترفة بوجوده الخيّر وهنا المأساة ، وهي ان نكون امام رؤية لاتعترف بوجود ‏الخيرية للاخر كما هي لنفس الذات الفردية !.‏نعم هناك من ينظر لفرديته او قوميته او امته على اساس انها من الامم الراقية ‏والمميزة على باقي الامم الاخرى ، مما يدفع بهذه الفردية الشخصية او العنصرية او ‏القومية الى النظر من علي للاخر الموجود في نفس العالم ، بهذا نكون امام موجود ‏معتدي على الخلقة وليس نحن امام موجود رافض فحسب للتعايش مع الاخر الخلقي ‏‏!.‏هكذا عقلية ابليس الفردية عندما اعلنت (( انا )) قبالة الانسان الطيني ، فهي لم ‏تكتفي بعدم احترام المخلوق الاخر فحسب وانما اندفعت لرؤيته على اساس انه ‏الاحقر والادون وكذا الشرير في هذه الخلقة قبالة الخيّر الناري الذي هو ابليس ، ‏والذي لاينبغي مطلقا ان يكون هو وادم في نفس الحيز الخلقي ؟.‏الاعجب والاغرب من هذا كله في التركيبة الفكرية الابليسية الشيطانية التي نفهمها ‏من هذه ال (( انا )) الاجرامية ، هي : ان فردية ابليس هذه تفوقت حتى على الجنس ‏الناري نفسه والذي منه خلق ابليس الشيطاني بذاته ، فهو ولشدة ما اعتقلته الانانية ‏الفردية ، ولقوة ما حبسته هذه الانانية العبادية ، هو نسي تماما ان يذكر حتى ابناء ‏جنسه في الخطاب الاستقلالي له عن السجود لادم ، فحتى الذاكرة فقدها هذا الابليس ‏وهو ملتفت الى فرديته البغيضة بعكس باقي المخلوقات في نحن القومية او الجنسية ‏الملائكية في :(( ونحن نسبح بحمدك ..)) او الادمية في :(( ظلمنا انفسنا وان لم ‏تغفر لنا ...)) حتى على هذا المستوى لم يذكر ابليس ابناء جنس النار معه ليقول :(( ‏نحن خير منهم خلقتنا من نار وخلقتهم من طين ....)) مثلا ، حتى على هذا المستوى ‏لم يفكر ابليس اشراك ابناء جلدته من مخلوقات النار ليكونوا في مضمون خطابه ‏الفكري ، مما يطلعنا اخيرا ان تلك (( الانا )) الابليسية كانت من الوحشية والتمرد ‏بشكل لايهيئ تماما اي تعايش مع الاخر حتى وان كان ناريا من نفس جوهر ابليس ‏ومن ذاتيته القومية هنا !.‏ان ابليس مخلوق حقا يستحق الطرد واللعن والرجم من قبل الله سبحانه وتعالى ، ‏ليس لانه انقص شيئا في ملكوت الله سبحانه ، وليس لانه لم يلتفت للامر الالهي ‏المقدس فحسب ، وليس لانه تافه وحقير وقبيح جدا ، وليس لانه غبي ومتكبر ‏ولايعرف قيمة نفسه فقط ....... ولكنه يستحق اللعن والطرد الالهي لان الله سبحانه ‏هو اقوى نصير لحقوق خلقه وهو اعظم مدافع عن كراماتهم ، وهو القائم على تدبير ‏مملكتهم واقامة العدل والمساواة بينهم ، فلو لم يكن الله طرد ولعن ورجم ابليس ‏اللعين لكان هناك خلل في العدالة الالهية الحقة سبحانه !.‏هذه هي الفردية التي اودت بابليس الى الهاوية ؟!.‏