حميد الشاكر
(( أشق الامور ليس دائما أن نحل المعضلات ))
(( بل هو - أحيانا - أن نطرحها ...../ روجيه غارودي / ماركسية القرن العشرين ))
...............(1)
ماهية الجماعة والمجتمع :-
ماهو المجتمع ؟.
هذا هوالسؤال الطبيعي - حقيقة - للدراسات الاجتماعية الانسانية ، والمدخل المعرفي لادراك اللبنات والاسس الاولى لبناء الجماعة او المجتمع الانساني ، فان معرفة الهوية الماهوية للمجتمع تساعدنا على معرفة او تصور العلائق والنظم التي تربط بين افراد المجتمع ، وعادة مايعّرف المجتمع على انه :( مجموعة افراد تستقر ببيئة معينة تحكمهم قواعد قانونية وتجمعهم رغبات واهداف مشتركة ) وهذا التعريف للمجتمع هو التعريف الاقرب للشمول والحصر (صياغة التعريف مني كاتب هذه السطور ) ، باعتبار انه التعريف الذي يجمع بين اللبنات الاساسية المادية لعملية التجمع وهي الافراد ، ويأخذ البعد المكاني الموحد لمفردات التجمع ، ويطرح مفهومي القانون والرغبة كاقنومي انصهار للحياة الجماعية ، فالقانون كرادع وضابط للسلوك الاجتماعي ، والرغبة كحالة توافق مع الجماعة ورضى بلعبة التجاور المكانية او الجغرافية للجماعة ؟.
ومن بعد هذا التعريف التقريبي يأخذ أطار التجمع او المجتمع اتجاهاته الطبيعية في عملية الرؤية والمنظور في السؤال عن مكونات التجمع والمجتمع ، وعن القوانين والاطر ، وعن كيفية وجود الظواهر الاجتماعية ، وعن ...... باقي التقسيمات التي تبحث في الهيئة والمنظومة الاجتماعية والجماعية؟.
والحقيقة ان معرفة واقعية لماهية المجتمع او التجمع سوف لن تتسنى بغير وجود رؤية تشرح وتفسّر وتوضح المركبات الاولية لهذا التجمع اوذاك من بني الانسان من منطلق ان ادراك المركبات او الاسس الذي يقوم عليها التجمع ستوفر لنا نوعا من القرب لمعرفة جذور هذه الظاهرة الاجتماعية او تلك ، ومن ثم التعامل مع هذه الظاهرة او تلك بنوع من المهنية العلمية لعلم الاجتماع بعيدا عن التنظير التجريدي والذي يرجع الظواهر بعملية خبط عشواء لااساس لها من الرؤية العلمية ؟.
ان من اول الاولويات لمثل ذالك الادراك الاجتماعي الواعي هو الرجوع قليلا لتاريخ التجمع الانساني ، فمما لاريب فيه ان الرؤية التاريخية تضع امامنا المسيرة الطبيعية للتكوين الاجتماعي ، فكيف تكّونت المنظومة الاجتماعية ؟ وماهي اللبنات الاساسية التي قام عليها التجمع ؟ وهل مازالت هذه الاسس الطبيعية للتكوّن الاجتماعي قائمة في العصر الحديث او ذوبتها معالم الحضارة الصناعية الجديدة ؟.........الخ ، كل ذاك سيرسم لنا اللوحة الاجتماعية الانسانية كما هي وكما ينبغي ان ننظر اليها بعين الواقع ، لنقيّم حركتها وندرس وجودها ونتعامل مع مفرداتها وظواهرها كما هي موجودة وليس كما نتصور هذا الوجود ومن بعد ذاك يحق لنا ان ننظّر لما ينبغي ان يكون عليه التجمع والجماعة، وماهي السبل التي تمكن التجمع او المجتمع من ان يخطو خطوة للامام في التطور او التقدم او التكامل الاجتماعي ، وكل هذا ستوفره النظرة التاريخية بالتدريج لمكونات التجمع وتراكيبه المعقدة ؟.
.................................(2)
تقسيم التجمع والمجتمع :-
يقسمّ المجتمع او التجمع الانساني عادة ، وحسب مايطرحه المفكر والاجتماعي الالماني المولد ( فرديناند تونيز / 1855 م) الى قسمين :
اولا : التجمع الطبيعي .
ثانيا : المجتمع الالي او الصناعي .
وتعريف التجمع الطبيعي هو : انه تجمع تلقائي اساسه العلاقات العضوية القائمة على العواطف وحسن المعاشرة والاندماج الطبيعي .
وله اركان ثلاثة تقيم من زاويته في الوجود وهي : آ- علاقات الدم ( القربة ) . ب - علاقات المكان . ج - علاقات الروح ( مشاعر ومقدسات ).
ولهذا التجمع الطبيعي قوانين او حلقات ثلاثة ، يقوم عليها التركيب الاجتماعي للتجمع الطبيعي وهي :
1 - قانون الاسرة : وشكله العملي السلطة الابوية بعد ان ذابت تأريخيا سلطة او سيطرة الام على ادارة الاسرة .
2 - قانون الجماعة : وشكله العملي القانون العرفي ، وهو عبارة عن تنظيم لعلاقات بين الاسر المشتركة في المكان والدم ، والذي ينشأ منها . عادات وتقاليد اجتماعية تكوّن في مجموعها مايسمى بالعرف ، تكون غايته ( اي القانون العرفي ) حفظ السلام القائم وهو - حسب تعريف شيشرون المشرّع الروماني - القانون الغير مكتوب والذي تلقيناه عن الطبيعة ومن مصادرها .
3 - قانون الاقليم : وشكله العملي القانون الديني القائم على القيم الخلقية من جهة والتطابق الاندماجي بين القانون والاخلاق من جهة اخرى .
اما مايتعلق بالمجتمع الالي الصناعي فيمكن تعريفه بانه : المجتمع القائم على العلاقات العقلية المفكرة في تدبير المصالح ، والناظرة الى حسابات المنفعة في الربح والخسارة ؟.
ولهذا المجتمع قانون واحد يمثل اساسه ومدار حركته وعلائق اركانه وهو :
1 - قانون الموازنة الحسابية بين الوسائل والاغراض : وهو قانون ينظر للافراد على اساس انهم وحدات مجردة قائمة على عملية (تعاقد ) بين هذه الوحدات التي يتكون منها المجتمع ، ولذالك تنمو في مثل هذا المجتمع وتنتعش اوجه النشاط النفعي كالتبادل والتجارة ، وهذا التبادل يمثل من هنا او هناك رباط العلاقة بين افراد المجتمع الالي سواء كانت هناك مشاعر وعواطف وروابط دم بين تلك الوحدات الفردية للمجتمع ، او كانت هناك عداءات واحقاد وضغائن ....الخ ؟.
ولعل البعض عندما تمرّ عليه مصطلحات من قبيل ( تجمع طبيعي ) او ( اجتماع آلي او سياسي ) يتبادر الى ذهنه ان هناك تمايزا في التقسيم بين مجتمع له مميزات التفكير والتدبير ....، وبين مجتمع او اجتماع لم يزل في الاطوار البدائية من الحياة الانسانية المركبة على اقانيم ( الاسرة .. القبيلة .. التجمع ) والحق ان مثل هذه التقسيمات العلمية لم تستهدف تلك المناحي من التقييم اللاعلمي ، وانما استهدفة القول : ان هناك تجمعات تقوم على عوامل طبيعية تلقائية متدرجة في النمو ، وهناك تجمعات ركبت ومنذ البداية على فكرة الاجتماع الالي الصناعي والذي تكون فيه معادلة الحاجة اقوى من معادلة العواطف والمشاعر الطبيعية الانسانية ؟.
او ربما يستشكل البعض الاخر على هذا التقسيم الاجتماعي باعتباره تقسيما له خصوصية تاريخية ، استطاع التطور التكنلوجي الحضاري الصناعي من تذويب مفردات ذالك التقسيم الطبيعي للتكوّن الاجتماعي ، ليصبح المجتمع فرديا صناعيا تجاريا كنتيجة طبيعية للتطور الانساني ، وما مقولة التجمع الطبيعي الا تعبير واضح عن التأخر الصناعي التكنلوجي والذي هو تقدم او تأخر سيكون الاساس والقاعدة لتشكيل علائق اي مجتمع حديث ؟.
والحقيقة ان هذا الاشكال ايضا غير دقيق ، فالتراتبية الجماعية للتجمع الطبيعي لم يكن المراد منها القول : بانها تراتبية تأريخية ، وما التقدم الصناعي والتطور الحضاري ...، الا مفردات بامكانها القضاء نهائيا على مقولة : المجتمع الطبيعي بتراتبيته التلقائية وتشكيلته الانسانية ، وانما كان القصد بمصطلح ( التجمع الطبيعي ) هو التأكيد على هذه التركيبة الاجتماعية الفطرية فحسب ، ولاعلاقة للتطور التكنلوجي او الحضاري بعلاقات التجمع الفطري الانساني ، فمجتمع - مثلا - كالمجتمع الياباني هو مجتمع دخل في طور المجتمع الصناعي والتجاري والحضاري منذ زمن في العصر الحديث ولكنه مع ذالك يقسّم من المجتمعات الطبيعية التي تقوم على اقانيم ( الاسرة .. الجماعة.. الاقليم ) مما يدلل على ان الطبيعية في التراتبية الاجتماعية ليس لها علاقة تناقض وجدل مع الصناعة والتقدم والتطور الحضاري بحيث لاتكون الاولى اذا وجدت الثانية ، او ان المجتمع الالي الصناعي السياسي هو النقيض الطبيعي للمجتمع او التجمع الطبيعي الفطري التلقائي ، بل ان المعادلة المراد اثباتها ونهائيا هي : ان هناك مجتمعات قامت ولم تزل على الفردية وقاعدة المنفعة والحاجة الاجتماعية في التاريخ والعصر الحديث ، بينما هناك تجمعات ومجتمعات اخرى قامت على التراتبية الاجتماعية الطبيعية متطورة من الاسرة والقبيلة حتى التجمع ، ولم تزل كذالك حتى العصر الحديث ؟.
وهنا من حق المعترض ان يتسائل عن لعبة التركيبة الاجتماعية ولماذية ان يكون مجتمعا ومنذ اللحظات الاولى آليا صناعيا تعاقديا ، وبين ان يكون تجمعا اخر طبيعيا تلقائيا عاطفيا انسانيا ؟.
الواقع ان مثل هذه النظرات او ( النزعات ) للمجتمعات الانسانية سواء كانت مجتمعات اليه تجمعها الحاجة اكثر من العاطفة ، او كانت مجتمعات او تجمعات تربطها الطبيعة اكثر ، لايمكن ان يشخصها عامل واحد في الطبيعة البشرية ، ولكن بالامكان تلمس الامزجة الاجتماعية القديمة والحديثة لنكتشف دوافع سلوكيات وتصورات هذا المجتمع او ذاك لطبيعة الحياة وكيف ينبغي ان تعاش هذه الحياة ؟.
فقديما - مثلا - كانت الفكرة القائلة ( الفكرة السقراطية في الجمهورية لافلاطون ) : بوجوب حلحلة الرباط الاسري وتحويل الدائرة الاسرية الى النمط المشاعي ، والتخلص من الاطر القائمة على معادلة القانون الاسري من زوج وزجة وابناء وقانون تربوي ......، وتلك المحاولة اليونانية القديمة لها مدلولاتها المزاجية التي تميل بقوة للحياة الفردية بمزاجها هذا ، كما انه - ايضا - تبرز فكرة التعاقد الاجتماعي بدلا من التوافق الفطري للمجتمع ، كذالك هي منحى مزاجي وفكري له مدلوله العميق في ارادة التفلت او التخلص من تراتبية المجتمع او التجمع الطبيعي ، فهنا نحن امام مطالبة باقامة نظام اجتماعي آلي حسابي نفعي لادارة المجتمع قائم على حسابات الربح والخسارة والمصالح والمنافع اكثر من قيامه على اسس التوافق والتعايش والتنازل والتضحية ...الخ من المفردات التي تتحرك في فضاء اي تجمع طبيعي اخر ؟.
كذالك عندما نقرأ الادب الفلسفي والفكري والاجتماعي لعمالقة الفكر الاوربي القديم والحديث فاننا سنجد المزاج الفردي المادي قائم وبقوة في معظم الفكر الذي كّون المجتمعات الالية الصناعية التجارية اليوم ، فالانسان - مثلا - بدأ فردا على هذه الحياة ارغمته الحاجة (الاقتصادية عند لوك وروسو والحربية عند هوبز = انظر مقالاتنا المنشورة في كتابات سابقا : مفهوم العقد الاجتماعي ) لان ينخرط في المجتمع رغما عن انفه وهو كاره لعملية التجمع هذه لولا ما يوفره التجمع من حماية وسد لحاجات اقتصادية ، وعلى هذا المزاج لابد من وجود قانون ( المنفعة والحاجة والتعاقدية ...) ليضمن للفرد الاستقرار والاطمئنان في مثل هذا المجتمعات المتنافرة نفعيا ، عندما ترتفع ضمانات الالفة والدم والتعاطف والروابط الطبيعية في التجمع الطبيعي ، وهكذا انظر فلسفة نيتشه او دارون ..... حتى وول ديورانت في قصة الحضارة ، ستجد ان هناك ميل للعزلة والفردية وعدم الاطمئنان للمنظومة الاجتماعية القائمة على ان الجار يعتقد في كل لحظة ان جاره لو اتيحت له الفرصة وتفلّت من القانون وسلطته لانقض على جاره ليقتله ويسلب ما عنده ليتمتع بها هو بدلا من ذالك اللص القاتل الذي كان يجاوره (انظر قصة الحضارة / لوول ديورانت ج 1 / ص 39) ؟؟.
وعليه فالمزاج الفردي المادي والنفعي تتسم به بعض المجتمعات القديمة والحديثة ، بغض النظر عن تطور التكنلوجيا والحياة الصناعية او تأخرها ، كما ان المزاج الجمعي الطبيعي هو من خصائص بعض التجمعات الطبيعية التي تخضع لمنظومة الترا تبية الاجتماعية من الاسرة والقبيلة كوحدة اجتماعية وحتى الاقليمية كوحدة اجتماعية اكبر ؟.
يبقى في مناقشة هذا التقسيم الاجتماعي ملاحظة واحدة ربما التفت اليها من يمتلك ذوق المطارحات الفكرية في علم الاجتماع ، الا وهي : ان هناك خللا ما او تسائل ما او حلقة او نظرة ...... مفقودة في هذا التقسيم الذي يصنف المجتمعات الانسانية الى ( تجمعات طبيعية ) و ( ومجتمات الية ) وهو :اين تكون معادلة التطور والتكامل الاجتماعي في حركة المجتمع ؟. بمعنى ماهو التطور الاجتماعي ؟. وما علاقته بالنظم الاجتماعية القائمة ؟. وهل حقا ان بعض التراكيب الاجتماعية والحلقات التراتبية لهذا التجمع او ذاك لها مدخلية في اعاقة النمو والتطور الاجتماعي ؟. هل الحلقة الاسرية - مثلا - سببا وعامل تخلف لتطور الاقتصاد الاجتماعي ؟. او ان القبيلة والعرف مكون اصيل لجمود المجتمع ؟. او ان الاطار الديني سبب الكوارث الانسانية وعليه يجب تدميره والتخلص منه ؟. هل الواجب علينا تفجير كل الاطر الطبيعية للتجمع الطبيعي كي نظمن لحركة المجتمع ان تقفز من هذه الدوائر الضيقة الى فضاء الفردية وما يتبعها من قوانين وعلائق اجتماعية تستبدل الروابط الاجتماعية من الطبيعية الى النفعية التعاقدية ؟........الخ .
كل هذه الاسئلة وغيرها تقع في الفراغ المشار اليه اجتماعيا بين المجتمع الطبيعي والمجتمع الالي ، ولكن مايهمنا الان هو خلل ( الدولة ) لنتسائل : اين موقع الدولة كمؤسسة سياسية واقتصادية وقانونية في معادلة ( المجتمع الطبيعي ) ولماذا قفزت النظرة التراتبية في هذا المجتمع من القانون العرفي والوجود القبلي الى القانون الديني والوجود الاقليمي ؟.
هنا منحى معرفي لم يلتفت اليه - مع الاسف - معظم علماء الاجتماع الاوربي والعربي في العصر الحديث ، ليقع الخلل الكبير في ادراك وفهم المعادلة برمتها ؟.
فمن علماء الاجتماع من اعتقد ان الدولة كمؤسسة هي بكلمة او بأخرى المولود الطبيعي المتطور للحلقات الاجتماعية الطبيعية المذكورة سالفا -(الاسرة . القبيلة . الاقليم )- والذي الغى الدور التاريخي للحلقات الطبيعية الاجتماعية ، وجعلها من المفردات التاريخية فحسب ؟.
وهذه النظرة نظريا جيدة ولكن عمليا هي ليست واقعية ، باعتبار ان هناك من يقول بان التراتبية الاجتماعية الفطرية لم تزل فاعلة وقوية في المجتمع الانساني ولم تستطع الدولة ان تلغي اي معلم وجودي او معرفي من معالم المجتمع الفطري الطبيعي ؟.
بل هناك من يرى ( رؤيتي للموضوع ) ان الدولة اتت لتجسد الرغبات والقوانين والتطلعات .....، الطبيعية للمجتمع الطبيعي ، وتقوم بتنظيم العملية الاجتماعية الطبيعية فحسب استجابة للمتطلبات والمتغيرات والتطورات التي طرأت على الحياة الانسانية ، فالدولة هنا كمشروع ومولود طبيعي للمنظومة الاجتماعية الطبيعية ما هي الا ممثل عن الهيئة الاجتماعية والمنظم والمدير لشؤونها الاجتماعية ، وليس من حق الدولة عندئذ من الغاء او الاعتداء ... على اي مفردة من مفردات المجتمع الطبيعية ، سواء ما كان يتصل بقانون الاسرة او قانون العرف او قانون الاقليم بصورة عامة ، وذالك من منطلق ان قوانين التجمع الطبيعية بالاضافة لكونها قوانين متجذرة وصارمة وتصل الى حد القوانين الفطرية الطبيعية ، فهي كذالك قوانين تمثل الاكثر صلابة من قانون الدولة الحديث نسبيا على المجتمع الطبيعي ، ومثل هذا الوضع لايحمد ان تدخل الدولة ان استطاعت بصراع تناقضي مع مكونات المجتمع الطبيعي ، هذا ان قلنا من حق الدولة التدخل ، اما ان كانت وضيفة الدولة التنظيم والادارة لمكونات المجتمع فعندئذ يجب على الدولة ان توفق قدر المستطاع وتدير وتنظم قوانين مكوناتها الاجتماعية فحسب ؟.
اما من يرى من علماء الاجتماع : ان الدولة كمشروع مؤسسي هي حقا الوريث الشرعي لمكونات المجتمع الفطري ، ولها الحق في الادارة والتقنين والالغاء والترميم والمعالجة والبناء ....، في بنية المجتمع ، فله الحق ان كان المجتمع مركبا تركيبة صناعية آلية باعتبار ان المجتمع حينئذ يعتمد بكليته على حماية الدولة وقانونها ، ومن واجب الدولة عندئذ ان تقوم بوضائفها كاملة لتسد فراغ القانون الاسري والقبلي والاقليمي الغير موجود في المجتمعات الصناعية ( المركبة تركيبة آلية ) وحينها ستكون فردية الافراد داخل الاطار الاجتماعي مسؤولة من الدولة كمؤسسة قامت بعقد من الافراد لحمايتهم من بعضهم البعض وتوفير لقمة عيشهم ....الخ من وضائف الدولة الحديثة ؟.
هنا نصل الى السؤال حول الفجوة التي خلفها الترتيب الطبيعي للمجتمع او التجمع الطبيعي ، فلماذا والحال هذه قفز المجتمع الطبيعي من القبيلة وقانونها الى الدين وقانونه من غير ان يمر اولا بالدولة كمؤسسة وقانون ؟.
أوليس هذا دليلا على ان الدين وقانونه ما هو الا مرحلة تاريخية مرّ بها المجتمع الانساني احتاج من خلالها الى الاديان او القوانين المقدسة لضبط ايقاعات حركته الاجتماعية ومن ثم جاءت الدولة بقانونها المدني لتحل محل المؤسسة الدينية وقانونها الاخلاقي المقدس ؟.
نحن بحاجة لدراسة علاقة الدين بالقانون في معرض الاجابة على هذا السؤال ، ولكن قبل ان ندخل بهذا المنعطف بلا مبررباعتبار ما ذكرناه من تقسيمات وأمزجة اجتماعية وباعتبار ان موضوعة الاسبقية بين الدين والدولة موضوعة قائمة بذاتها ومحتاجة لبحث متسع وباعتبار ...... ، دعونا نقرر ان فصل الدين عن الدولة والقانون بصورة نهائية حدث لم ينجز حتى هذه اللحظة من حياة البشرية فلم تزل بعض القوانين والاحوال الشخصية المدنية الاسرية والاجتماعية وبعض اللوائح القانونية الاجتماعية ..... في المجتمعات الحديثة تعتمد بجزء يكبر او يصغر على القوانين الدينية ، فان لم تكن للقوانين الدينية كنصوص ظهورا قويا في هذا القانون المدني او ذاك للدول الحديثة ، فلا اقل من روح القوانين الدينية ونصوصها الاخلاقية متجسدة في هذا القانون او ذاك من القوانين المدنية الحديثة اوربية وشرقية وغير ذالك ؟؟.
وعليه ينبغي ان نلتفت وبنوع من التأمل الى هذه النقطة المعرفية من : ان هناك تجمعات انسانية طبيعية سارت وبنوع طبيعي من نظام الاسرة الى قانون العرف القبلي الى القانون الديني بدون احداث قفزة ما ، باعتبار ان ظهور المؤسسة الدينية بقانونها المقدس قد استبق التكوّن الطبيعي للدولة وقانونها المدني ، ليحل المعتقد والقانون الديني محل الدولة المدنية ، وهذا الوضع الاجتماعي الطبيعي وضعا خاصا جدا تميّزت به بعض المجتمعات الطبيعية التكوين ، كالوضع العربي الاجتماعي الطبيعي ؟.
...............................(3)
بنية المجتمع العربي الطبيعية :-
دأب جمع من علماء الاجتماع العربي على دراسة البنية الاجتماعية العربية بنوع من البلادةالفكرية لهذه البنية الاجتماعية ، بل واعتبار بنية التجمع العربي الطبيعية ما هي الا بنية بسيطة وبدائية المحتوى يمكن اختصارها او ارجاعها الى معادلة العامل الواحد في تفسير الظواهر الاجتماعية العربية ، ولذالك نجد انه من ابن خلدون ..... حتى الاستاذ المرحوم على الوردي ، كانت دراسة المجتمع العربي وبنيته الطبيعية تنطلق وتعود الى بنية واحدة لهذا المجتمع الا وهي البنية ( القبلية او العصبية ) ومن ثم ليدرس المجتمع او الاجتماع العربي من خلال موضوعة العصبية والقبيلة فحسب ، لتكون لدينا هذه العناوين من الدراسات العربية للمجتمع العربي :( العصبية والدولة ، العصبية بنية المجتمع العربي ، الاقتصاد العربي بين العصبية والدولة .....الخ ) الى اخر قائمة العناوين والدراسات الاجتماعية المعاصرة لبنية المجتمع العربي ؟.
والحقيقة ان موجة ( او موضة ) العامل الواحد في تفسير الظواهر الاجتماعية او العلمية او الكونية ...، موجة قديمة حديثة ، فهناك من نظر - مثلا - للعامل الجنسي كمرجع للسلوك الانساني ككل ، وهناك من نظّر للعوامل الاقتصادية كربّ يفعل مايشار ويقدر للانسان معيشته في هذه الحياة وقدره ، كما ان هناك من نظر ......الخ ؟.
ولكن الحقيقة تقول ان عوامل الاقتصاد والجنس والعصبة .....، الى اخره من العوامل الاجتماعية لها ثقل معرفي وواقعي لحركة وبناء وظواهر الاجتماع الانساني ، ولكن كل منها يقوم بوضيفته حسب الاهمية والموقع المرسوم له في بنية الاجتماع الانساني ، وعليه كانت ولم تزل المفردات الاجتماعية تضعف هنا وتقوى هناك في بنية الاجتماع الانساني ، فربما تكون ( للقبلية = العصبية ) تاثيرا قويا في بناء الظواهر الاجتماعية العربية ، الا انها لن تكون حتما العامل الاوحد والبنية الاساس للمجتمع العربي الطبيعية ، فهناك عوامل الاسرة والاقتصاد والنفس والدين والتراث ......الخ ، من العوامل المساهمة في البنية الاجتماعية للتجمع العربي ، بل لايخفى ان التجمعات الطبيعية اكثر تعقيدا في دراستها والبحث في بناها الاجتماعية من المجتمعات الصناعية والالية ، فمجتمع يحكمه قانون واحد قائم على تعاقد نفعي بين دولة مشيدة على شكل مؤسسة خدمية ودفاعية ابسط بكثير من دراسة بنيتها الاجتماعية من مجتمع او تجمع قائم على القوانين الطبيعية والتي تبدأ من الاسرة والى القانون القبلي وحتى المقدس الديني ، فلكل من هذه التوليفة الاجتماعية ابعادا معقدة جدا في حال ارادة دراستها ووضع التصورات الفكرية لتراكيبها النفسية والاقتصادية والاخلاقية والسياسية ....، وعليه نقول : ليس من حق اي دراسة اجتماعية بليدة ان تختصر بنية المجتمع العربي الطبيعية والمعقدة بمفردة (القبيلة او العشيرة ) وذالك للوصول الى دراسة اجتماعية علمية تستحق ان تكون دراسة علمية وليست تأملات لمعقد هنا وتشأئمي هناك ... تقرر مصير مجتمع بلمحات ليس لها من علم الاجتماع سوى نقد النقد النقدي ؟.
نعم وكما مرّ ذكره للمجتمع العربي كتوليفة اجتماعية طبيعية عدة مركبات وحلقات وقوانين اجتماعية تتكون من مكوّن الاسرة باعتبارها النواة الاجتماعية الاولى للمجتمع العربي ، وحيث يقهر الفرد ويلغى دوره من اجندة القوانين المستقلة في بنية المجتمع العربي ، نجد انه لافردية لها الاصالة المطلقة في وضع القوانين او التاثير على بنية التجمع العربي الطبيعية ، وانما الاولوية للدعامة الاجتماعية باعتبارانها اساس التجمع الطبيعي العربي ، ولايعني ذالك ان لاوجود مطلقا للفردية في قوانين الحياة الاجتماعية وبنيتها الطبيعية ، ولكن الفردية في مفهوم البنية الاجتماعية الطبيعية تتنفس من خلال الوجود الاجتماعي والذي يفرض العلائق الاجتماعية الطبيعية على حياة الفرد ومقررات سلوكه وانماط تفكيره وتشكيل كيانه النفسي والروحي ، اي القانون الذي يحيط الفرد ليضعه في اطار الصورة الاجتماعية وليلقي عليه مسؤولية العضوية الاجتماعية التي يلتزم بها الفرد امام التجمع سواء كان تجمعا اسريا يفرض على الفرد ان يكون عضوا مسؤلا في كيانية الاسرة كاحد مفردات قانونها الطبيعي ابا او زوجا او رجلا او امرأة ...الخ .
ثم هناك مكوّن القبيلة والتي هي الاطار الاوسع لانشطار الاسرة وتكوّن الكيان المكّبر لصورة الاسرة ، وعادة ماتكون الاسرة هي الحاضن الطبيعي والمؤهل الاصيل لافراد او اعضاء الاسرة لاستقبال الحياة الاكبر حجما والممثلة بكيانية القبيلة في حياة المجتمع العربي ، ولهذه الدائرة او الكيانية الاجتماعية قوانينها واعرافها واطرها وعاداتها وتقاليدها وسلوكياتها .... ، المختلفة نوعا ما عن قوانين الاطار المصّغر في الاسرة العربية ، حيث تبرز بعض الاختلافات المتناسبة مع حياة التجمع الاوسع ، ولكن مع بقاء بعض الروابط التي خلقتها الاسرة مبتدأ من قرابة دموية ورحم متبادل وتآلف طبيعي وتكاتف وتآزر ...الخ ، من ممونات المجتمع الاسري وقوانينه ولكن بشكل مكبر ؟.
ثم ننتقل لنرصد في بنية المجتمع العربي الدائرة الثالثة لتشكيل بنيته الاجتماعية الطبيعية ، الا وهي الرابطة الروحية والنفسية والدينية المقدسة والتي تلعب دورا خطيرا جدا في حياة وبنية المجتمع العربي بالخصوص والاجتماع الطبيعي بصورة عامة ، فالمقدس الديني في مثل المجتمع او الاجتماع العربي هو اكثر بكثير من روابط تشد من مقومات المجتمع الطبيعي ، بل هو بنية اخرى تضاف لبنى الاسرة والعصبة لتكوّن معها المثلث الصعب لقيام الاجتماع العربي ، بالاضافة طبعا الى ان المقدس الديني العربي ( المعتقدية الاسلامية بالخصوص ) قد تدخلت في كل مفصل من مفاصل الحياة الاجتماعية العربية ، لتجري في عروق الاجتماع العربي ، ولتحول قوانين التجمع الطبيعي العربي او البعض منها ، من قوانين ونظم اجتماعية الى روابط واطر مقدسة وحساسة ....الخ ؟.
وربما وفي مثل هذا التقسيم الثلاثي المعادلة لبنية الاجتماع العربي ، يسأل البعض عن الحلقة الطبيعية الرابعة في بنية اي مجتمع حديث ، الا وهي حلقة (الدولة ) كمؤسسة وكسلطة وكأدارة ....، لها من هنا وهناك وضيفة مؤثرة في صلب المعادلة التي يقوم عليها اي مجتمع ، فياترى اين الدولة في معادلة الاجتماع العربي ؟. وماهي وضائفها الصناعية في المجتمع ؟. ولماذا ارادة او محاولة تغييب دورها الحيوي في صناعة المجتمع وتوجهاته الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية ....الخ .
الحق مرغمون ونحن نحاول هنا الاجابة على هذه الاسئلة من الرجوع قليلا لتاريخ البنية الاجتماعية الطبيعية العربية ، لنرى موقع الدولة من هذه البنية ولماذا هي اضعف من ان تذكر في بنية الاجتماع العربي مع انها اللاعب الابرز في تاريخ الحياة العربيه السياسية تاريخيا وحديثا ، ومع انها ايضا الاسوأ صيتا في هذه المعادلة ؟؟.
............................(4)
تأريخ بنية الاجتماع العربي :-
ربما يمكننا القول هنا ان هناك شبه اجماع علمي في موضوعة الدولة كتاريخ ووجود وممارسة ....، على : ان الدولة هذا الكيان الاعتباري الوجود ، هو الكيان الصناعي ( او المصطنع ) مئة بالمئة في تاريخ الانسان القديم والحديث ؟.
اي ان الدولة ليست منتج طبيعي متدرج من الفرد الى الاسرة الى القبيلة الى الدولة ...، وانما هو منتج فرضته بعض العوامل ( قد ذكرنا تلك العوامل من حاجة اقتصادية او تكاثر سكاني بحاجة لتنظيم او حروب ولّدت كيان الدولة للدفاع او السيطرة واستغلال الاخرين ....الخ ) فهي - الدولة - وعلى هذا الاساس هيئة لولا الحاجة القصوى لها لكانت من ابغض ما صنعه الانسان في حياته (انظر / وول ديورانت : قصة الحضارة /ج 1 / الفصل الثالث ) ، ولكنها وعلى اي حال منعكس ضرورة تفرض قيام مؤسسة عليا توفر للمجتمع متطلباته النفسية في الاطمئنان للدفاع عنه من الخطر الخارجي او تقيم له النظام اذا اعتدى بعض الافراد على البعض الاخر ، اما غير ذالك من تدخلات فالانسان ينظر للدولة على اساس انها لص يتدخل لسرقة امواله الخاصة بأسم الضرائب ، وتعتدي على حياته الفطرية الفردية او الاسرية او القبلية باسم التنظيم والتطوير التي لاتمتلك الحق به ....، ومن هذه النظرة الواقعية للمؤسسة السياسية المسماة بالدولة من قبل الانسان ضلت الدولة مقزمة في ابعد الحدود في صلاحياتها المهنية ، وبقت عدو مصطنع للحياة الاجتماعية الطبيعية ، بحيث نجد وحتى هذا العصر ان هناك تمرد من مجتمعات طبيعية في العالم الانساني على كيان الدولة ، وهناك مجتمعات لم تزل تعيش بدون معادلة الدولة في وجودها الاجتماعي او السياسي ، او هي في حرب دائمة مع الدولة وتنظر لها على اساس من الريبة والشك في قيام مثل هذا الكيان الصناعي داخل كياناتها الطبيعية ....الخ ؟.
ولكن وعلى الرغم من مشبوهية قيام الدولة تبقى هي صمام الامام للمجتمعات الصناعية ، ومثار قلق للمجتمعات الطبيعية ؟.
ان تأريج الاجتماع العربي يذكر لنا ان هذا الاجتماع بني في غابر الازمان على اسس التدرج الطبيعي من الحياة الاجتماعية ، ومثلت فيه المجتمعية قمة تألقها الاسري والقبلي ، وتحكم قوانينهما الطبيعية ، حتى وقت قريب من تاريخ الانسانية ، وفي لحظة من تاريخ الاجتماع العربي وفي جغرافية الوسط او القلب من العالم العربي ، وفي شبه الجزيرة العربية ، وقبل انبلاج الفجر الاسلامي المعتقدي الديني بزمن يسير ...، كان هناك تشكل بدائي او رغبة او فكرة ... تراود هذا المجتمع العربي بتطوير بنيته الاجتماعية والتحّول بها من النظام الطبيعي القبلي الى نظام الملك والدولة والسياسة العامة للمجتمع ، وكانت هذه الرغبة او الفكرة مسار اخذ ورد عند قادة الجزيرة العربية آنذاك وبالخصوص في مكة كظاهرة اجتماعية يتلمسها كل من درس تاريخ البنية الاجتماعية لذاك العصر العربي ( انظر مثلا بعض الحوادث التاريخية العربية التي تدعوا محمدا رسول الله ص ان يكون ملكا على مكة شريطة تنازله عن فكرة النبوة ، انظر مثلا تهيئ المدينة - يثرب - لعقد تاج ملكي لاحد قادة يثرب لتغيير النظام من القبلية الى الملكية ونظام الدولة ... ) ولكن كانت هناك بعض المعوقات لقيام الدولة في النظام الاجتماعي العربي آنذاك وفي هذه الاثناء وقبل الاقدام على هذه الخطوة من قبل قادة الاجتماع العربي القبليين ، استبق الاسلام عملية تأسيس الدولة في الاجتماعية العربية ليعلن عن نظامه الاسلامي المنبني على ( النبوة والخلافة ) بدلا من نظام الدولة والملك ، وهكذا وبعد الانتصار الاسلامي استطاع الطرح الاسلامي ان يبني كيانيته الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ... داخل النظام الاجتماعي العربي ، على مبدأ ( الخلافة ) والسياسة الشرعية ، لتكون من ثم البديل الذي طرحه الاسلام عن النظام الملكي او الدولة والذي كان التفكير والنوايا العربية متوجهة لايجاده كنظام اوسع لادارة التجمعات القبلية ونقلها الى المجتمع السياسي الصناعي ؟.
ان هذه النظرة البسيطة والتي تفرق بين مشرع الخلافة الاسلامية وبين نظام الدولة الذي كانت تفكر به القيادات العربية في التاريخ العربي ، سيحل لنا لغز كل التاريخ العربي الاسلامي ، كما سيضع اناملنا على تفرقة حيوية في تاريخ العرب والمسلمين السياسي ، لنصل الى رمزية العداء الموجودة عند بعض المذاهب الاسلامية ( كالشيعة الامامية او غيرهم ) وعدائهم لنظام الدولة في التاريخ العربي والاسلامي ، باعتبار انه النظام ( الكسروي ) الذي فرضته الخلافة الاموية على الامة الاسلامية ، والذي هو لايمثل الرغبة الاسلامية والبناء الاجتماعي الذي اسس له الاسلام على نظام الخلافة والامامة ؟.
بمعنى ان ظاهرة الصراع مع الدولة في التاريخ العربي والاسلامي لم يكن منطلق من كون الطبيعة العربية القبلية هي التي تفرض عدم الخضوع لنظام الدولة والقانون ، وانما كان الصراع في بداياته تعبيرا صادقا عن رفض النموذج ( الكسروي والقيصري ) الذي اسست له الدولة الاموية بعد انقلابها على النظام الاسلامي الشوري المتبلور بالخلافة والامامة ، مما وضع مفهوم الدولة تاريخيا وحتى وقتنا المعاصر في خانة اللاشرعية الوجودية اسلاميا ، والعداء المباشر والذي رسم ملامحه في ذهنية الانسان العربي والمسلم على اساس ان الدولة اداة رئيسية لظاهر التسلط والبطش من جهة وظاهرة الادارة الدنيوية والتسويات السياسية فحسب ، ليجعل اخيرا من الدولة ظاهرة مفروضة على الاجتماع العربي الطبيعي ، وبعيدة كل البعد عن النظام السياسي الاسلامي الذي يوازن بين الدنيا والاخرة ، بنظام الشورى ( انظر للتوسع في هذه الرؤية : نقد السياسة الدولة والدين / برهان غليون / ص 54 - 71 )؟.
من هنا وكنظرة تحليلية لتأريخ البنية العربية الاجتماعية ، يمكننا القول ان تأريخ البنية الاجتماعية العربية مرّت بثلاث مراحل او حلقات اساسية في بداية تكوينها الاجتماعي وهن :
اولا : البنية الاسرية كنواة لوحدة الاجتماع العربي .
ثانيا : بنية القبيلة : كاقليم اوسع لقانون التجاور .
ثالثا : بنية الاسلام : كنظام سياسي انبنى على مبدأ الخلافة والامامة .
اما الدولة وبنظامها الدنيوي ( او الكسري او القيصري على حد تعبيرات الاطروحة الاسلامية ) والتي تقتصر على ادارة الشأن الدنيوي ، والذي تحاول القضاء على نظام الخلافة الاسلاموي ( في تصورات العقل الاسلامي العربي ) فانها النظام الغريب على جسم التركيبة الاجتماعية العربية والبعيد عن تشكيلته الفطرية ، والقريبة من مفهوم الدسائس والوسخ السياسي ( وهذه هي نظرة ابن خلدون للدولة ككيان قائم على الاستبداد ) .....الخ ، فما بالك ان كانت الدولة مع كل هذا الارث الفكري الثقيل من تشويه مفهوم الدولة ، كانت الدولة ولم تزل عاجزة حتى القيام بوضائفها الدنيوية ، فعندئذ تتحول معادلة الدولة بالاضافة الى كل ماذكر الى عبئ ثقيل على كاهل حياة التجمع العربي ، وهذا مايفسر ضعف الدولة من ان ترتقي الى مصاف عوامل البنى الاجتماعية العربية الطبيعية او الى ان تكون قادرة على تشكيل الظاهرة الاجتماعية العربية او المساهمة في تطوير بنية المجتمع العربي ؟.
...............................(5)
بنية الاجتماع العربي : - اسلاميا .
لاشك ان الاسلام عندما بزغ فجره على الافق الاجتماعي العربي كان له مشروعا اجتماعيا وانسانيا يحاول ايصال مفرداته للعقل الانساني من خلال النافذة العربية ، وبكل ما تحمله الصورة العربية من مكونات وظواهر اجتماعية طبيعية عربية ، وعليه كان لزاما الجزم هنا من ان التعامل الاسلامي العربي كان تعاملا ينبغي ان يهبط الى كل المستويات الانسانية العربية من فكرية عقائدية ونفسية روحية وسياسية تنظيمية واقتصادية معيشية واسرية ابوية واجتماعية ....... الى اخره من هذه السلاسل الاجتماعية والتي تمثل وبصورة طبيعية ثلاث محاور مهمة :
اولا : التعامل مع البنية الاجتماعية العربية الطبيعية .
ثانيا : التعامل مع الظواهر المنبنية على تلك البنية الاجتماعية الطبيعية بالنقد والتقييم .
ثالثا : وضع الاهداف والمسارات والاليات ... لهذا الاجتماع العربي في الحياة الانسانية ؟.
ان اول ما يلاحظ في موضوعة التعامل الاسلامي مع البنية الاجتماعية العربية ( بغض النظر عن فلسفة ذالك التعامل ولماذا اختيار هذا النموذج الاجتماعي العربي وبنيته الطبيعية ...) انه انطلق من المكّون الاسري العربي ليدعم هذا المكون الطبيعي للمجتمعية العربية ، وليؤكد وبقوة السلطة الابوية ( هنا سلطة الأم والاب معا في داخل الاسرة العربية ) داخل الاسرة وليبني كل نظرته الاهوتية السماوية في الشأن الاسري على هذه البنية ومن ثم ليعطيها الغطاء الشرعي والقانوني والقداسي بعد ذالك ( ولاتقل لهما أف / قران كريم ) - ( ووصينا الانسان بوالديه / قران كريم ) ......، والحق ان بنية الاسرة العربية قبل الاسلام كانت السلطة الابوية تميل الى كفة السلطة الذكورية المطلقة ، ولكن جاء الاسلام ليقنن من القانون الاسري ، وليدفع بسلطة الام لتتوازي داخل النظام الاسري مع سلطة الاب ( أمك ثم امك ثم امك ثم أباك / رسول الله محمد روحي له الفدى ) ومن بعد هذا كان الاسلام ولم يزل الرديف القوي للمنظومة الاسرية والذي عدل من اختلال النظام الاسري قبل الاسلام ، ولكنه اقام نظريته على بنية هذه الاسرة العربية ، لتكون البنية هي هي عربية واسلامية بعد التقنين الاسلامي ،ومن ثم لتتبلور النظرية الاقتصادية كحقوق قانونية على هذه النواة المصغرة للمجتمع في مسألة الارث كرأس مال فاقد للمالك بالموت وموزع للورثة بدون جهد لتوزيع رأس المال واعادة صياغته في عملية التداول الاقتصادية ...... وهكذا في كل الشأن الاسلامي الذي اتصل ببنية الاسرة العربية اولا وبنظامها الطبيعي من عملية تراحم والفة ومحبة وايثار .... داخل كيان الاجتماع الاسري ( وجعل بينكم مودة = حب / ورحمة = عندما يخفت الحب تكون العلاقة الانسانية بين الرجل والمرأة داخل نواة الاسرة / قران كريم ). ان الاسلام تعامل مع هذه البنية وانتقد بعض سلبياتها ووضع لها الاهداف الانسانية السامية والتي كانت تنظر للبنية الاسرية على اساس انها النواة المقدسة والفطرية والحرم المصفر والمملكة السياسية للاب والام ؟.
اما عندما نأتي للهيكل القبلي والقانون العرفي الضابط لهذه المنظومة الاجتماعية المعقدة ، فاننا سنلاحظ وبدون اي لبس ان النظام الاسلامي تعامل بكل حذر مع البنية الطبيعية للنظام القبلي ، فاولا قال بانه قانون طبيعي ( وجعلكم شعوبا وقبائل = وهنا الجعل تكويني اي خلقكم / قران كريم ) ولكنه وبشكل مباشر الغى وشجب وادان كل مظهرية تساهم بها هذه القبلية بعيدة عن روح واخلاق الاسلام فلا دعوة لعصبية ، كما انه لاتفاخر بتكاثر او نسب لهذه المنظومة الاجتماعية وانما هي تعارف وتعامل ( لتعارفوا / قران كريم ) كما ان الاسلام رأي ان النظام القبلي باعتباره امتداد مكبر للاسرة هو نظام جيد لخلق روح الالفة والتكاتف وتوسيع دائرة الاسرة ، ولكنه ومن الجانب الاخر فرق بين ان تكون القبيلة وحدة اجتماعية طبيعية ومنفتحة على الاخلاق المدنية الاسلامية المتعاملة مع الاخر الاجتماعي ، وبين القبلية المنغلقة والمتعربة والمكتفية بخلق التعصب ، والمنتمية للاطار الضيق في المجتمع المسلم ، فلا حمية ( حمية الجاهلية / قران كريم ) تضخم من روح الاعتداء والتسلط على المجتمع ، ولا تعرب بالانغلاق والابتعاد عن التمدين الاسلامي ( الاعراب اشد كفرا ونفاقا ../ قران كريم ) وانما هو تكاتف على الحق وشوكة للمظلوم على الظالم ( كيف ننصره ظالما ؟. بأن تردعوه عن ظلمه / محمد رسول الله ص ) كما انه .....الخ .
هذه هي نظرة الاسلام لبنية المجتمع العربي الطبيعية نظرة متوازنة بكل ابعادها الاجتماعية ، تتعامل مع بنية المجتمع العربي الطبيعية القومية قبل الاسلام بروح النظرة المقيمة للخلق العربي او لمنظومة الاخلاق العربية ( خيركم في الجاهلية خيركم في الاسلام / محمد رسول الله ) ولاريب ان منظومة القيم في الاجتماع العربي الطبيعي ومموناته البنوية ، كانت مما لفت نظر البحث الاهوتية لبنية تجمع بين الاخلاق والقانون بنفس الظرف الاجتماعي فكان للوظع العربي الطبيعي بكل بناه الاجتماعية النصيب الاوفر لهذه الميزة القانونية مما اهل النموذج العربي لأن يكون ( القابل ) الاجتماعي بين الامم لحمل الرسالة السماوية الاسلامية ( انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا / قران كريم ) ان صفة كالامانه - مثلا - كانت ولم تزل من مميزات الانسان العربي الملتزم باخلاق التمدن الاسلامي والمدرك لمموناته السلوكية ، والذي يكفي لها مجرد كلمة يطلقها الانسان العربي ليلتزم امامها بكل كيانه وحتى ان اضطر ان يفقد حياته في سبيلها ؟
اتعلم ان الدين والاسلام كله قائم على هذه الكلمة والامانه ، الامانة التي حافظت على الكلمة من الضياع ( انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافضون / قران كريم ) الامانه في التعامل الامانة في علاقات المجتمع ، الامانة في العلاقات السياسية او الاقتصادية ....الخ ؟.
نعم من السهل جدا ان تجد الكثير من الخونة والذين يعتبرون الخيانة حنكة وفطنة وسياسة وقانون حياة وادارة مجتمع ( منتجات المجتمع الحضاري الصناعي الجديد )....، ولكن هل لك ان تاتيني بأمين ، او بناظر للامانه على اساس انها عقد اجتماعي مقدس ( ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها / قران كريم ) ( لاتخونوا الله والرسول وتخونوا اماناتكم / قران كريم ) وهل تدرك كيف ان الاسلام وبدعمه اللامحدود لمنظومة القيم العربية استطاع ان يحول المجتمع من مجتمع تسوده علاقة التوتر القبلية الى مجتمع تربطه علائق الامانة والالتزام المدني المحترم ؟.
وهل تعلم ان الدولة هي التي دمرت علائق المجتمع العربي الانسانية عندما فرضت على تركيبة الاجتماع العربي الاسلامي بدلا من نظام الخلافة ( هذه ليست دعوة لاحتقار كينونة الدولة الحديثة وانما ضبط لوضائفها الصناعية التي تفرض عليها عدم التدخل بالنظام الاجتماعي القائم)، وخلقت ناموس الخيانة والشبهة داخل المجتمع العربي بعد ان قتلت روح الخلافة التي اسست لاكبر وارقى علاقة اجتماعية في الحياة وهي علاقة ( الاستخلاف / انظر الصدر محمد باقر : التفسير الموضوعي والفلسفة الاجتماعية في المدرسة القرانية / علاقات الاستخلاف ) ....الخ
نخلص : ان بنية المجتمع او الاجتماع العربي ، بنية يمتزج فيها الطبيعي الفطري من جهة ، والاهوتي المقدس من جهة اخر ، ومثل هذه البنية المجتمعية لا الدولة ( سواء كانت ديكتاتورية او ديمقراطية ) ولا غير الدولة قادرة على معالجة سلبيات هذا النظام الاجتماعي الطبيعي المركب ، ولكن هو المقدس ( حسب مايراه ابن خلدون ويغفله عامدا الدكتور علي الوردي رحمه الله ) الدين وقانونه بامكانه السيطرة والتعديل والتطوير ..... لكل سلبيات الاجتماع العربي والارتقاء به مدنيا في هذه الحياة ؟.
نعم هناك من يرى غير ذالك في تحليل بنية الاجتماع العربي ، كما ان هناك من لايدرك من هذه البنية الا القشور مع الاسف ، ومن ثم هو في دوامة من التعامل مع هذه البنية ، ليتقافز اخيرا بين البحث عن ايدلوجيا تطورية لتطوير المجتمع العربي ، وبعد سنين يصل الى الفشل ، ليبحث من جديد عن نظام سياسي جاهز التعليب ليطبقه على المجتمع العربي وبعد ردحا من الزمن يكتشف انه قد سار كثيرا في الطريق الخطأ ، ليعود من جديد عن البحث عن نظم اقتصادية او اجتماعية او نفسية ليكتشف ان تأخر الاجتماع العربي هو ليس لانه ينطلق من العامل الجنسي ..........( فرويد ) او العصبية او المعتقدية .... ، وانما بسبب وجود امثال هذا العالم الاجتماعي او ذاك المفكر السياسي ....، الذي لم يدرك حتى ابسط مفردات وتراكيب ونظم وبنى مجتمعه العربي الذي يعيش فيه ( نسوا الله فانساهم انفسهم / 19 - الحشر )؟.
(( أشق الامور ليس دائما أن نحل المعضلات ))
(( بل هو - أحيانا - أن نطرحها ...../ روجيه غارودي / ماركسية القرن العشرين ))
...............(1)
ماهية الجماعة والمجتمع :-
ماهو المجتمع ؟.
هذا هوالسؤال الطبيعي - حقيقة - للدراسات الاجتماعية الانسانية ، والمدخل المعرفي لادراك اللبنات والاسس الاولى لبناء الجماعة او المجتمع الانساني ، فان معرفة الهوية الماهوية للمجتمع تساعدنا على معرفة او تصور العلائق والنظم التي تربط بين افراد المجتمع ، وعادة مايعّرف المجتمع على انه :( مجموعة افراد تستقر ببيئة معينة تحكمهم قواعد قانونية وتجمعهم رغبات واهداف مشتركة ) وهذا التعريف للمجتمع هو التعريف الاقرب للشمول والحصر (صياغة التعريف مني كاتب هذه السطور ) ، باعتبار انه التعريف الذي يجمع بين اللبنات الاساسية المادية لعملية التجمع وهي الافراد ، ويأخذ البعد المكاني الموحد لمفردات التجمع ، ويطرح مفهومي القانون والرغبة كاقنومي انصهار للحياة الجماعية ، فالقانون كرادع وضابط للسلوك الاجتماعي ، والرغبة كحالة توافق مع الجماعة ورضى بلعبة التجاور المكانية او الجغرافية للجماعة ؟.
ومن بعد هذا التعريف التقريبي يأخذ أطار التجمع او المجتمع اتجاهاته الطبيعية في عملية الرؤية والمنظور في السؤال عن مكونات التجمع والمجتمع ، وعن القوانين والاطر ، وعن كيفية وجود الظواهر الاجتماعية ، وعن ...... باقي التقسيمات التي تبحث في الهيئة والمنظومة الاجتماعية والجماعية؟.
والحقيقة ان معرفة واقعية لماهية المجتمع او التجمع سوف لن تتسنى بغير وجود رؤية تشرح وتفسّر وتوضح المركبات الاولية لهذا التجمع اوذاك من بني الانسان من منطلق ان ادراك المركبات او الاسس الذي يقوم عليها التجمع ستوفر لنا نوعا من القرب لمعرفة جذور هذه الظاهرة الاجتماعية او تلك ، ومن ثم التعامل مع هذه الظاهرة او تلك بنوع من المهنية العلمية لعلم الاجتماع بعيدا عن التنظير التجريدي والذي يرجع الظواهر بعملية خبط عشواء لااساس لها من الرؤية العلمية ؟.
ان من اول الاولويات لمثل ذالك الادراك الاجتماعي الواعي هو الرجوع قليلا لتاريخ التجمع الانساني ، فمما لاريب فيه ان الرؤية التاريخية تضع امامنا المسيرة الطبيعية للتكوين الاجتماعي ، فكيف تكّونت المنظومة الاجتماعية ؟ وماهي اللبنات الاساسية التي قام عليها التجمع ؟ وهل مازالت هذه الاسس الطبيعية للتكوّن الاجتماعي قائمة في العصر الحديث او ذوبتها معالم الحضارة الصناعية الجديدة ؟.........الخ ، كل ذاك سيرسم لنا اللوحة الاجتماعية الانسانية كما هي وكما ينبغي ان ننظر اليها بعين الواقع ، لنقيّم حركتها وندرس وجودها ونتعامل مع مفرداتها وظواهرها كما هي موجودة وليس كما نتصور هذا الوجود ومن بعد ذاك يحق لنا ان ننظّر لما ينبغي ان يكون عليه التجمع والجماعة، وماهي السبل التي تمكن التجمع او المجتمع من ان يخطو خطوة للامام في التطور او التقدم او التكامل الاجتماعي ، وكل هذا ستوفره النظرة التاريخية بالتدريج لمكونات التجمع وتراكيبه المعقدة ؟.
.................................(2)
تقسيم التجمع والمجتمع :-
يقسمّ المجتمع او التجمع الانساني عادة ، وحسب مايطرحه المفكر والاجتماعي الالماني المولد ( فرديناند تونيز / 1855 م) الى قسمين :
اولا : التجمع الطبيعي .
ثانيا : المجتمع الالي او الصناعي .
وتعريف التجمع الطبيعي هو : انه تجمع تلقائي اساسه العلاقات العضوية القائمة على العواطف وحسن المعاشرة والاندماج الطبيعي .
وله اركان ثلاثة تقيم من زاويته في الوجود وهي : آ- علاقات الدم ( القربة ) . ب - علاقات المكان . ج - علاقات الروح ( مشاعر ومقدسات ).
ولهذا التجمع الطبيعي قوانين او حلقات ثلاثة ، يقوم عليها التركيب الاجتماعي للتجمع الطبيعي وهي :
1 - قانون الاسرة : وشكله العملي السلطة الابوية بعد ان ذابت تأريخيا سلطة او سيطرة الام على ادارة الاسرة .
2 - قانون الجماعة : وشكله العملي القانون العرفي ، وهو عبارة عن تنظيم لعلاقات بين الاسر المشتركة في المكان والدم ، والذي ينشأ منها . عادات وتقاليد اجتماعية تكوّن في مجموعها مايسمى بالعرف ، تكون غايته ( اي القانون العرفي ) حفظ السلام القائم وهو - حسب تعريف شيشرون المشرّع الروماني - القانون الغير مكتوب والذي تلقيناه عن الطبيعة ومن مصادرها .
3 - قانون الاقليم : وشكله العملي القانون الديني القائم على القيم الخلقية من جهة والتطابق الاندماجي بين القانون والاخلاق من جهة اخرى .
اما مايتعلق بالمجتمع الالي الصناعي فيمكن تعريفه بانه : المجتمع القائم على العلاقات العقلية المفكرة في تدبير المصالح ، والناظرة الى حسابات المنفعة في الربح والخسارة ؟.
ولهذا المجتمع قانون واحد يمثل اساسه ومدار حركته وعلائق اركانه وهو :
1 - قانون الموازنة الحسابية بين الوسائل والاغراض : وهو قانون ينظر للافراد على اساس انهم وحدات مجردة قائمة على عملية (تعاقد ) بين هذه الوحدات التي يتكون منها المجتمع ، ولذالك تنمو في مثل هذا المجتمع وتنتعش اوجه النشاط النفعي كالتبادل والتجارة ، وهذا التبادل يمثل من هنا او هناك رباط العلاقة بين افراد المجتمع الالي سواء كانت هناك مشاعر وعواطف وروابط دم بين تلك الوحدات الفردية للمجتمع ، او كانت هناك عداءات واحقاد وضغائن ....الخ ؟.
ولعل البعض عندما تمرّ عليه مصطلحات من قبيل ( تجمع طبيعي ) او ( اجتماع آلي او سياسي ) يتبادر الى ذهنه ان هناك تمايزا في التقسيم بين مجتمع له مميزات التفكير والتدبير ....، وبين مجتمع او اجتماع لم يزل في الاطوار البدائية من الحياة الانسانية المركبة على اقانيم ( الاسرة .. القبيلة .. التجمع ) والحق ان مثل هذه التقسيمات العلمية لم تستهدف تلك المناحي من التقييم اللاعلمي ، وانما استهدفة القول : ان هناك تجمعات تقوم على عوامل طبيعية تلقائية متدرجة في النمو ، وهناك تجمعات ركبت ومنذ البداية على فكرة الاجتماع الالي الصناعي والذي تكون فيه معادلة الحاجة اقوى من معادلة العواطف والمشاعر الطبيعية الانسانية ؟.
او ربما يستشكل البعض الاخر على هذا التقسيم الاجتماعي باعتباره تقسيما له خصوصية تاريخية ، استطاع التطور التكنلوجي الحضاري الصناعي من تذويب مفردات ذالك التقسيم الطبيعي للتكوّن الاجتماعي ، ليصبح المجتمع فرديا صناعيا تجاريا كنتيجة طبيعية للتطور الانساني ، وما مقولة التجمع الطبيعي الا تعبير واضح عن التأخر الصناعي التكنلوجي والذي هو تقدم او تأخر سيكون الاساس والقاعدة لتشكيل علائق اي مجتمع حديث ؟.
والحقيقة ان هذا الاشكال ايضا غير دقيق ، فالتراتبية الجماعية للتجمع الطبيعي لم يكن المراد منها القول : بانها تراتبية تأريخية ، وما التقدم الصناعي والتطور الحضاري ...، الا مفردات بامكانها القضاء نهائيا على مقولة : المجتمع الطبيعي بتراتبيته التلقائية وتشكيلته الانسانية ، وانما كان القصد بمصطلح ( التجمع الطبيعي ) هو التأكيد على هذه التركيبة الاجتماعية الفطرية فحسب ، ولاعلاقة للتطور التكنلوجي او الحضاري بعلاقات التجمع الفطري الانساني ، فمجتمع - مثلا - كالمجتمع الياباني هو مجتمع دخل في طور المجتمع الصناعي والتجاري والحضاري منذ زمن في العصر الحديث ولكنه مع ذالك يقسّم من المجتمعات الطبيعية التي تقوم على اقانيم ( الاسرة .. الجماعة.. الاقليم ) مما يدلل على ان الطبيعية في التراتبية الاجتماعية ليس لها علاقة تناقض وجدل مع الصناعة والتقدم والتطور الحضاري بحيث لاتكون الاولى اذا وجدت الثانية ، او ان المجتمع الالي الصناعي السياسي هو النقيض الطبيعي للمجتمع او التجمع الطبيعي الفطري التلقائي ، بل ان المعادلة المراد اثباتها ونهائيا هي : ان هناك مجتمعات قامت ولم تزل على الفردية وقاعدة المنفعة والحاجة الاجتماعية في التاريخ والعصر الحديث ، بينما هناك تجمعات ومجتمعات اخرى قامت على التراتبية الاجتماعية الطبيعية متطورة من الاسرة والقبيلة حتى التجمع ، ولم تزل كذالك حتى العصر الحديث ؟.
وهنا من حق المعترض ان يتسائل عن لعبة التركيبة الاجتماعية ولماذية ان يكون مجتمعا ومنذ اللحظات الاولى آليا صناعيا تعاقديا ، وبين ان يكون تجمعا اخر طبيعيا تلقائيا عاطفيا انسانيا ؟.
الواقع ان مثل هذه النظرات او ( النزعات ) للمجتمعات الانسانية سواء كانت مجتمعات اليه تجمعها الحاجة اكثر من العاطفة ، او كانت مجتمعات او تجمعات تربطها الطبيعة اكثر ، لايمكن ان يشخصها عامل واحد في الطبيعة البشرية ، ولكن بالامكان تلمس الامزجة الاجتماعية القديمة والحديثة لنكتشف دوافع سلوكيات وتصورات هذا المجتمع او ذاك لطبيعة الحياة وكيف ينبغي ان تعاش هذه الحياة ؟.
فقديما - مثلا - كانت الفكرة القائلة ( الفكرة السقراطية في الجمهورية لافلاطون ) : بوجوب حلحلة الرباط الاسري وتحويل الدائرة الاسرية الى النمط المشاعي ، والتخلص من الاطر القائمة على معادلة القانون الاسري من زوج وزجة وابناء وقانون تربوي ......، وتلك المحاولة اليونانية القديمة لها مدلولاتها المزاجية التي تميل بقوة للحياة الفردية بمزاجها هذا ، كما انه - ايضا - تبرز فكرة التعاقد الاجتماعي بدلا من التوافق الفطري للمجتمع ، كذالك هي منحى مزاجي وفكري له مدلوله العميق في ارادة التفلت او التخلص من تراتبية المجتمع او التجمع الطبيعي ، فهنا نحن امام مطالبة باقامة نظام اجتماعي آلي حسابي نفعي لادارة المجتمع قائم على حسابات الربح والخسارة والمصالح والمنافع اكثر من قيامه على اسس التوافق والتعايش والتنازل والتضحية ...الخ من المفردات التي تتحرك في فضاء اي تجمع طبيعي اخر ؟.
كذالك عندما نقرأ الادب الفلسفي والفكري والاجتماعي لعمالقة الفكر الاوربي القديم والحديث فاننا سنجد المزاج الفردي المادي قائم وبقوة في معظم الفكر الذي كّون المجتمعات الالية الصناعية التجارية اليوم ، فالانسان - مثلا - بدأ فردا على هذه الحياة ارغمته الحاجة (الاقتصادية عند لوك وروسو والحربية عند هوبز = انظر مقالاتنا المنشورة في كتابات سابقا : مفهوم العقد الاجتماعي ) لان ينخرط في المجتمع رغما عن انفه وهو كاره لعملية التجمع هذه لولا ما يوفره التجمع من حماية وسد لحاجات اقتصادية ، وعلى هذا المزاج لابد من وجود قانون ( المنفعة والحاجة والتعاقدية ...) ليضمن للفرد الاستقرار والاطمئنان في مثل هذا المجتمعات المتنافرة نفعيا ، عندما ترتفع ضمانات الالفة والدم والتعاطف والروابط الطبيعية في التجمع الطبيعي ، وهكذا انظر فلسفة نيتشه او دارون ..... حتى وول ديورانت في قصة الحضارة ، ستجد ان هناك ميل للعزلة والفردية وعدم الاطمئنان للمنظومة الاجتماعية القائمة على ان الجار يعتقد في كل لحظة ان جاره لو اتيحت له الفرصة وتفلّت من القانون وسلطته لانقض على جاره ليقتله ويسلب ما عنده ليتمتع بها هو بدلا من ذالك اللص القاتل الذي كان يجاوره (انظر قصة الحضارة / لوول ديورانت ج 1 / ص 39) ؟؟.
وعليه فالمزاج الفردي المادي والنفعي تتسم به بعض المجتمعات القديمة والحديثة ، بغض النظر عن تطور التكنلوجيا والحياة الصناعية او تأخرها ، كما ان المزاج الجمعي الطبيعي هو من خصائص بعض التجمعات الطبيعية التي تخضع لمنظومة الترا تبية الاجتماعية من الاسرة والقبيلة كوحدة اجتماعية وحتى الاقليمية كوحدة اجتماعية اكبر ؟.
يبقى في مناقشة هذا التقسيم الاجتماعي ملاحظة واحدة ربما التفت اليها من يمتلك ذوق المطارحات الفكرية في علم الاجتماع ، الا وهي : ان هناك خللا ما او تسائل ما او حلقة او نظرة ...... مفقودة في هذا التقسيم الذي يصنف المجتمعات الانسانية الى ( تجمعات طبيعية ) و ( ومجتمات الية ) وهو :اين تكون معادلة التطور والتكامل الاجتماعي في حركة المجتمع ؟. بمعنى ماهو التطور الاجتماعي ؟. وما علاقته بالنظم الاجتماعية القائمة ؟. وهل حقا ان بعض التراكيب الاجتماعية والحلقات التراتبية لهذا التجمع او ذاك لها مدخلية في اعاقة النمو والتطور الاجتماعي ؟. هل الحلقة الاسرية - مثلا - سببا وعامل تخلف لتطور الاقتصاد الاجتماعي ؟. او ان القبيلة والعرف مكون اصيل لجمود المجتمع ؟. او ان الاطار الديني سبب الكوارث الانسانية وعليه يجب تدميره والتخلص منه ؟. هل الواجب علينا تفجير كل الاطر الطبيعية للتجمع الطبيعي كي نظمن لحركة المجتمع ان تقفز من هذه الدوائر الضيقة الى فضاء الفردية وما يتبعها من قوانين وعلائق اجتماعية تستبدل الروابط الاجتماعية من الطبيعية الى النفعية التعاقدية ؟........الخ .
كل هذه الاسئلة وغيرها تقع في الفراغ المشار اليه اجتماعيا بين المجتمع الطبيعي والمجتمع الالي ، ولكن مايهمنا الان هو خلل ( الدولة ) لنتسائل : اين موقع الدولة كمؤسسة سياسية واقتصادية وقانونية في معادلة ( المجتمع الطبيعي ) ولماذا قفزت النظرة التراتبية في هذا المجتمع من القانون العرفي والوجود القبلي الى القانون الديني والوجود الاقليمي ؟.
هنا منحى معرفي لم يلتفت اليه - مع الاسف - معظم علماء الاجتماع الاوربي والعربي في العصر الحديث ، ليقع الخلل الكبير في ادراك وفهم المعادلة برمتها ؟.
فمن علماء الاجتماع من اعتقد ان الدولة كمؤسسة هي بكلمة او بأخرى المولود الطبيعي المتطور للحلقات الاجتماعية الطبيعية المذكورة سالفا -(الاسرة . القبيلة . الاقليم )- والذي الغى الدور التاريخي للحلقات الطبيعية الاجتماعية ، وجعلها من المفردات التاريخية فحسب ؟.
وهذه النظرة نظريا جيدة ولكن عمليا هي ليست واقعية ، باعتبار ان هناك من يقول بان التراتبية الاجتماعية الفطرية لم تزل فاعلة وقوية في المجتمع الانساني ولم تستطع الدولة ان تلغي اي معلم وجودي او معرفي من معالم المجتمع الفطري الطبيعي ؟.
بل هناك من يرى ( رؤيتي للموضوع ) ان الدولة اتت لتجسد الرغبات والقوانين والتطلعات .....، الطبيعية للمجتمع الطبيعي ، وتقوم بتنظيم العملية الاجتماعية الطبيعية فحسب استجابة للمتطلبات والمتغيرات والتطورات التي طرأت على الحياة الانسانية ، فالدولة هنا كمشروع ومولود طبيعي للمنظومة الاجتماعية الطبيعية ما هي الا ممثل عن الهيئة الاجتماعية والمنظم والمدير لشؤونها الاجتماعية ، وليس من حق الدولة عندئذ من الغاء او الاعتداء ... على اي مفردة من مفردات المجتمع الطبيعية ، سواء ما كان يتصل بقانون الاسرة او قانون العرف او قانون الاقليم بصورة عامة ، وذالك من منطلق ان قوانين التجمع الطبيعية بالاضافة لكونها قوانين متجذرة وصارمة وتصل الى حد القوانين الفطرية الطبيعية ، فهي كذالك قوانين تمثل الاكثر صلابة من قانون الدولة الحديث نسبيا على المجتمع الطبيعي ، ومثل هذا الوضع لايحمد ان تدخل الدولة ان استطاعت بصراع تناقضي مع مكونات المجتمع الطبيعي ، هذا ان قلنا من حق الدولة التدخل ، اما ان كانت وضيفة الدولة التنظيم والادارة لمكونات المجتمع فعندئذ يجب على الدولة ان توفق قدر المستطاع وتدير وتنظم قوانين مكوناتها الاجتماعية فحسب ؟.
اما من يرى من علماء الاجتماع : ان الدولة كمشروع مؤسسي هي حقا الوريث الشرعي لمكونات المجتمع الفطري ، ولها الحق في الادارة والتقنين والالغاء والترميم والمعالجة والبناء ....، في بنية المجتمع ، فله الحق ان كان المجتمع مركبا تركيبة صناعية آلية باعتبار ان المجتمع حينئذ يعتمد بكليته على حماية الدولة وقانونها ، ومن واجب الدولة عندئذ ان تقوم بوضائفها كاملة لتسد فراغ القانون الاسري والقبلي والاقليمي الغير موجود في المجتمعات الصناعية ( المركبة تركيبة آلية ) وحينها ستكون فردية الافراد داخل الاطار الاجتماعي مسؤولة من الدولة كمؤسسة قامت بعقد من الافراد لحمايتهم من بعضهم البعض وتوفير لقمة عيشهم ....الخ من وضائف الدولة الحديثة ؟.
هنا نصل الى السؤال حول الفجوة التي خلفها الترتيب الطبيعي للمجتمع او التجمع الطبيعي ، فلماذا والحال هذه قفز المجتمع الطبيعي من القبيلة وقانونها الى الدين وقانونه من غير ان يمر اولا بالدولة كمؤسسة وقانون ؟.
أوليس هذا دليلا على ان الدين وقانونه ما هو الا مرحلة تاريخية مرّ بها المجتمع الانساني احتاج من خلالها الى الاديان او القوانين المقدسة لضبط ايقاعات حركته الاجتماعية ومن ثم جاءت الدولة بقانونها المدني لتحل محل المؤسسة الدينية وقانونها الاخلاقي المقدس ؟.
نحن بحاجة لدراسة علاقة الدين بالقانون في معرض الاجابة على هذا السؤال ، ولكن قبل ان ندخل بهذا المنعطف بلا مبررباعتبار ما ذكرناه من تقسيمات وأمزجة اجتماعية وباعتبار ان موضوعة الاسبقية بين الدين والدولة موضوعة قائمة بذاتها ومحتاجة لبحث متسع وباعتبار ...... ، دعونا نقرر ان فصل الدين عن الدولة والقانون بصورة نهائية حدث لم ينجز حتى هذه اللحظة من حياة البشرية فلم تزل بعض القوانين والاحوال الشخصية المدنية الاسرية والاجتماعية وبعض اللوائح القانونية الاجتماعية ..... في المجتمعات الحديثة تعتمد بجزء يكبر او يصغر على القوانين الدينية ، فان لم تكن للقوانين الدينية كنصوص ظهورا قويا في هذا القانون المدني او ذاك للدول الحديثة ، فلا اقل من روح القوانين الدينية ونصوصها الاخلاقية متجسدة في هذا القانون او ذاك من القوانين المدنية الحديثة اوربية وشرقية وغير ذالك ؟؟.
وعليه ينبغي ان نلتفت وبنوع من التأمل الى هذه النقطة المعرفية من : ان هناك تجمعات انسانية طبيعية سارت وبنوع طبيعي من نظام الاسرة الى قانون العرف القبلي الى القانون الديني بدون احداث قفزة ما ، باعتبار ان ظهور المؤسسة الدينية بقانونها المقدس قد استبق التكوّن الطبيعي للدولة وقانونها المدني ، ليحل المعتقد والقانون الديني محل الدولة المدنية ، وهذا الوضع الاجتماعي الطبيعي وضعا خاصا جدا تميّزت به بعض المجتمعات الطبيعية التكوين ، كالوضع العربي الاجتماعي الطبيعي ؟.
...............................(3)
بنية المجتمع العربي الطبيعية :-
دأب جمع من علماء الاجتماع العربي على دراسة البنية الاجتماعية العربية بنوع من البلادةالفكرية لهذه البنية الاجتماعية ، بل واعتبار بنية التجمع العربي الطبيعية ما هي الا بنية بسيطة وبدائية المحتوى يمكن اختصارها او ارجاعها الى معادلة العامل الواحد في تفسير الظواهر الاجتماعية العربية ، ولذالك نجد انه من ابن خلدون ..... حتى الاستاذ المرحوم على الوردي ، كانت دراسة المجتمع العربي وبنيته الطبيعية تنطلق وتعود الى بنية واحدة لهذا المجتمع الا وهي البنية ( القبلية او العصبية ) ومن ثم ليدرس المجتمع او الاجتماع العربي من خلال موضوعة العصبية والقبيلة فحسب ، لتكون لدينا هذه العناوين من الدراسات العربية للمجتمع العربي :( العصبية والدولة ، العصبية بنية المجتمع العربي ، الاقتصاد العربي بين العصبية والدولة .....الخ ) الى اخر قائمة العناوين والدراسات الاجتماعية المعاصرة لبنية المجتمع العربي ؟.
والحقيقة ان موجة ( او موضة ) العامل الواحد في تفسير الظواهر الاجتماعية او العلمية او الكونية ...، موجة قديمة حديثة ، فهناك من نظر - مثلا - للعامل الجنسي كمرجع للسلوك الانساني ككل ، وهناك من نظّر للعوامل الاقتصادية كربّ يفعل مايشار ويقدر للانسان معيشته في هذه الحياة وقدره ، كما ان هناك من نظر ......الخ ؟.
ولكن الحقيقة تقول ان عوامل الاقتصاد والجنس والعصبة .....، الى اخره من العوامل الاجتماعية لها ثقل معرفي وواقعي لحركة وبناء وظواهر الاجتماع الانساني ، ولكن كل منها يقوم بوضيفته حسب الاهمية والموقع المرسوم له في بنية الاجتماع الانساني ، وعليه كانت ولم تزل المفردات الاجتماعية تضعف هنا وتقوى هناك في بنية الاجتماع الانساني ، فربما تكون ( للقبلية = العصبية ) تاثيرا قويا في بناء الظواهر الاجتماعية العربية ، الا انها لن تكون حتما العامل الاوحد والبنية الاساس للمجتمع العربي الطبيعية ، فهناك عوامل الاسرة والاقتصاد والنفس والدين والتراث ......الخ ، من العوامل المساهمة في البنية الاجتماعية للتجمع العربي ، بل لايخفى ان التجمعات الطبيعية اكثر تعقيدا في دراستها والبحث في بناها الاجتماعية من المجتمعات الصناعية والالية ، فمجتمع يحكمه قانون واحد قائم على تعاقد نفعي بين دولة مشيدة على شكل مؤسسة خدمية ودفاعية ابسط بكثير من دراسة بنيتها الاجتماعية من مجتمع او تجمع قائم على القوانين الطبيعية والتي تبدأ من الاسرة والى القانون القبلي وحتى المقدس الديني ، فلكل من هذه التوليفة الاجتماعية ابعادا معقدة جدا في حال ارادة دراستها ووضع التصورات الفكرية لتراكيبها النفسية والاقتصادية والاخلاقية والسياسية ....، وعليه نقول : ليس من حق اي دراسة اجتماعية بليدة ان تختصر بنية المجتمع العربي الطبيعية والمعقدة بمفردة (القبيلة او العشيرة ) وذالك للوصول الى دراسة اجتماعية علمية تستحق ان تكون دراسة علمية وليست تأملات لمعقد هنا وتشأئمي هناك ... تقرر مصير مجتمع بلمحات ليس لها من علم الاجتماع سوى نقد النقد النقدي ؟.
نعم وكما مرّ ذكره للمجتمع العربي كتوليفة اجتماعية طبيعية عدة مركبات وحلقات وقوانين اجتماعية تتكون من مكوّن الاسرة باعتبارها النواة الاجتماعية الاولى للمجتمع العربي ، وحيث يقهر الفرد ويلغى دوره من اجندة القوانين المستقلة في بنية المجتمع العربي ، نجد انه لافردية لها الاصالة المطلقة في وضع القوانين او التاثير على بنية التجمع العربي الطبيعية ، وانما الاولوية للدعامة الاجتماعية باعتبارانها اساس التجمع الطبيعي العربي ، ولايعني ذالك ان لاوجود مطلقا للفردية في قوانين الحياة الاجتماعية وبنيتها الطبيعية ، ولكن الفردية في مفهوم البنية الاجتماعية الطبيعية تتنفس من خلال الوجود الاجتماعي والذي يفرض العلائق الاجتماعية الطبيعية على حياة الفرد ومقررات سلوكه وانماط تفكيره وتشكيل كيانه النفسي والروحي ، اي القانون الذي يحيط الفرد ليضعه في اطار الصورة الاجتماعية وليلقي عليه مسؤولية العضوية الاجتماعية التي يلتزم بها الفرد امام التجمع سواء كان تجمعا اسريا يفرض على الفرد ان يكون عضوا مسؤلا في كيانية الاسرة كاحد مفردات قانونها الطبيعي ابا او زوجا او رجلا او امرأة ...الخ .
ثم هناك مكوّن القبيلة والتي هي الاطار الاوسع لانشطار الاسرة وتكوّن الكيان المكّبر لصورة الاسرة ، وعادة ماتكون الاسرة هي الحاضن الطبيعي والمؤهل الاصيل لافراد او اعضاء الاسرة لاستقبال الحياة الاكبر حجما والممثلة بكيانية القبيلة في حياة المجتمع العربي ، ولهذه الدائرة او الكيانية الاجتماعية قوانينها واعرافها واطرها وعاداتها وتقاليدها وسلوكياتها .... ، المختلفة نوعا ما عن قوانين الاطار المصّغر في الاسرة العربية ، حيث تبرز بعض الاختلافات المتناسبة مع حياة التجمع الاوسع ، ولكن مع بقاء بعض الروابط التي خلقتها الاسرة مبتدأ من قرابة دموية ورحم متبادل وتآلف طبيعي وتكاتف وتآزر ...الخ ، من ممونات المجتمع الاسري وقوانينه ولكن بشكل مكبر ؟.
ثم ننتقل لنرصد في بنية المجتمع العربي الدائرة الثالثة لتشكيل بنيته الاجتماعية الطبيعية ، الا وهي الرابطة الروحية والنفسية والدينية المقدسة والتي تلعب دورا خطيرا جدا في حياة وبنية المجتمع العربي بالخصوص والاجتماع الطبيعي بصورة عامة ، فالمقدس الديني في مثل المجتمع او الاجتماع العربي هو اكثر بكثير من روابط تشد من مقومات المجتمع الطبيعي ، بل هو بنية اخرى تضاف لبنى الاسرة والعصبة لتكوّن معها المثلث الصعب لقيام الاجتماع العربي ، بالاضافة طبعا الى ان المقدس الديني العربي ( المعتقدية الاسلامية بالخصوص ) قد تدخلت في كل مفصل من مفاصل الحياة الاجتماعية العربية ، لتجري في عروق الاجتماع العربي ، ولتحول قوانين التجمع الطبيعي العربي او البعض منها ، من قوانين ونظم اجتماعية الى روابط واطر مقدسة وحساسة ....الخ ؟.
وربما وفي مثل هذا التقسيم الثلاثي المعادلة لبنية الاجتماع العربي ، يسأل البعض عن الحلقة الطبيعية الرابعة في بنية اي مجتمع حديث ، الا وهي حلقة (الدولة ) كمؤسسة وكسلطة وكأدارة ....، لها من هنا وهناك وضيفة مؤثرة في صلب المعادلة التي يقوم عليها اي مجتمع ، فياترى اين الدولة في معادلة الاجتماع العربي ؟. وماهي وضائفها الصناعية في المجتمع ؟. ولماذا ارادة او محاولة تغييب دورها الحيوي في صناعة المجتمع وتوجهاته الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية ....الخ .
الحق مرغمون ونحن نحاول هنا الاجابة على هذه الاسئلة من الرجوع قليلا لتاريخ البنية الاجتماعية الطبيعية العربية ، لنرى موقع الدولة من هذه البنية ولماذا هي اضعف من ان تذكر في بنية الاجتماع العربي مع انها اللاعب الابرز في تاريخ الحياة العربيه السياسية تاريخيا وحديثا ، ومع انها ايضا الاسوأ صيتا في هذه المعادلة ؟؟.
............................(4)
تأريخ بنية الاجتماع العربي :-
ربما يمكننا القول هنا ان هناك شبه اجماع علمي في موضوعة الدولة كتاريخ ووجود وممارسة ....، على : ان الدولة هذا الكيان الاعتباري الوجود ، هو الكيان الصناعي ( او المصطنع ) مئة بالمئة في تاريخ الانسان القديم والحديث ؟.
اي ان الدولة ليست منتج طبيعي متدرج من الفرد الى الاسرة الى القبيلة الى الدولة ...، وانما هو منتج فرضته بعض العوامل ( قد ذكرنا تلك العوامل من حاجة اقتصادية او تكاثر سكاني بحاجة لتنظيم او حروب ولّدت كيان الدولة للدفاع او السيطرة واستغلال الاخرين ....الخ ) فهي - الدولة - وعلى هذا الاساس هيئة لولا الحاجة القصوى لها لكانت من ابغض ما صنعه الانسان في حياته (انظر / وول ديورانت : قصة الحضارة /ج 1 / الفصل الثالث ) ، ولكنها وعلى اي حال منعكس ضرورة تفرض قيام مؤسسة عليا توفر للمجتمع متطلباته النفسية في الاطمئنان للدفاع عنه من الخطر الخارجي او تقيم له النظام اذا اعتدى بعض الافراد على البعض الاخر ، اما غير ذالك من تدخلات فالانسان ينظر للدولة على اساس انها لص يتدخل لسرقة امواله الخاصة بأسم الضرائب ، وتعتدي على حياته الفطرية الفردية او الاسرية او القبلية باسم التنظيم والتطوير التي لاتمتلك الحق به ....، ومن هذه النظرة الواقعية للمؤسسة السياسية المسماة بالدولة من قبل الانسان ضلت الدولة مقزمة في ابعد الحدود في صلاحياتها المهنية ، وبقت عدو مصطنع للحياة الاجتماعية الطبيعية ، بحيث نجد وحتى هذا العصر ان هناك تمرد من مجتمعات طبيعية في العالم الانساني على كيان الدولة ، وهناك مجتمعات لم تزل تعيش بدون معادلة الدولة في وجودها الاجتماعي او السياسي ، او هي في حرب دائمة مع الدولة وتنظر لها على اساس من الريبة والشك في قيام مثل هذا الكيان الصناعي داخل كياناتها الطبيعية ....الخ ؟.
ولكن وعلى الرغم من مشبوهية قيام الدولة تبقى هي صمام الامام للمجتمعات الصناعية ، ومثار قلق للمجتمعات الطبيعية ؟.
ان تأريج الاجتماع العربي يذكر لنا ان هذا الاجتماع بني في غابر الازمان على اسس التدرج الطبيعي من الحياة الاجتماعية ، ومثلت فيه المجتمعية قمة تألقها الاسري والقبلي ، وتحكم قوانينهما الطبيعية ، حتى وقت قريب من تاريخ الانسانية ، وفي لحظة من تاريخ الاجتماع العربي وفي جغرافية الوسط او القلب من العالم العربي ، وفي شبه الجزيرة العربية ، وقبل انبلاج الفجر الاسلامي المعتقدي الديني بزمن يسير ...، كان هناك تشكل بدائي او رغبة او فكرة ... تراود هذا المجتمع العربي بتطوير بنيته الاجتماعية والتحّول بها من النظام الطبيعي القبلي الى نظام الملك والدولة والسياسة العامة للمجتمع ، وكانت هذه الرغبة او الفكرة مسار اخذ ورد عند قادة الجزيرة العربية آنذاك وبالخصوص في مكة كظاهرة اجتماعية يتلمسها كل من درس تاريخ البنية الاجتماعية لذاك العصر العربي ( انظر مثلا بعض الحوادث التاريخية العربية التي تدعوا محمدا رسول الله ص ان يكون ملكا على مكة شريطة تنازله عن فكرة النبوة ، انظر مثلا تهيئ المدينة - يثرب - لعقد تاج ملكي لاحد قادة يثرب لتغيير النظام من القبلية الى الملكية ونظام الدولة ... ) ولكن كانت هناك بعض المعوقات لقيام الدولة في النظام الاجتماعي العربي آنذاك وفي هذه الاثناء وقبل الاقدام على هذه الخطوة من قبل قادة الاجتماع العربي القبليين ، استبق الاسلام عملية تأسيس الدولة في الاجتماعية العربية ليعلن عن نظامه الاسلامي المنبني على ( النبوة والخلافة ) بدلا من نظام الدولة والملك ، وهكذا وبعد الانتصار الاسلامي استطاع الطرح الاسلامي ان يبني كيانيته الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ... داخل النظام الاجتماعي العربي ، على مبدأ ( الخلافة ) والسياسة الشرعية ، لتكون من ثم البديل الذي طرحه الاسلام عن النظام الملكي او الدولة والذي كان التفكير والنوايا العربية متوجهة لايجاده كنظام اوسع لادارة التجمعات القبلية ونقلها الى المجتمع السياسي الصناعي ؟.
ان هذه النظرة البسيطة والتي تفرق بين مشرع الخلافة الاسلامية وبين نظام الدولة الذي كانت تفكر به القيادات العربية في التاريخ العربي ، سيحل لنا لغز كل التاريخ العربي الاسلامي ، كما سيضع اناملنا على تفرقة حيوية في تاريخ العرب والمسلمين السياسي ، لنصل الى رمزية العداء الموجودة عند بعض المذاهب الاسلامية ( كالشيعة الامامية او غيرهم ) وعدائهم لنظام الدولة في التاريخ العربي والاسلامي ، باعتبار انه النظام ( الكسروي ) الذي فرضته الخلافة الاموية على الامة الاسلامية ، والذي هو لايمثل الرغبة الاسلامية والبناء الاجتماعي الذي اسس له الاسلام على نظام الخلافة والامامة ؟.
بمعنى ان ظاهرة الصراع مع الدولة في التاريخ العربي والاسلامي لم يكن منطلق من كون الطبيعة العربية القبلية هي التي تفرض عدم الخضوع لنظام الدولة والقانون ، وانما كان الصراع في بداياته تعبيرا صادقا عن رفض النموذج ( الكسروي والقيصري ) الذي اسست له الدولة الاموية بعد انقلابها على النظام الاسلامي الشوري المتبلور بالخلافة والامامة ، مما وضع مفهوم الدولة تاريخيا وحتى وقتنا المعاصر في خانة اللاشرعية الوجودية اسلاميا ، والعداء المباشر والذي رسم ملامحه في ذهنية الانسان العربي والمسلم على اساس ان الدولة اداة رئيسية لظاهر التسلط والبطش من جهة وظاهرة الادارة الدنيوية والتسويات السياسية فحسب ، ليجعل اخيرا من الدولة ظاهرة مفروضة على الاجتماع العربي الطبيعي ، وبعيدة كل البعد عن النظام السياسي الاسلامي الذي يوازن بين الدنيا والاخرة ، بنظام الشورى ( انظر للتوسع في هذه الرؤية : نقد السياسة الدولة والدين / برهان غليون / ص 54 - 71 )؟.
من هنا وكنظرة تحليلية لتأريخ البنية العربية الاجتماعية ، يمكننا القول ان تأريخ البنية الاجتماعية العربية مرّت بثلاث مراحل او حلقات اساسية في بداية تكوينها الاجتماعي وهن :
اولا : البنية الاسرية كنواة لوحدة الاجتماع العربي .
ثانيا : بنية القبيلة : كاقليم اوسع لقانون التجاور .
ثالثا : بنية الاسلام : كنظام سياسي انبنى على مبدأ الخلافة والامامة .
اما الدولة وبنظامها الدنيوي ( او الكسري او القيصري على حد تعبيرات الاطروحة الاسلامية ) والتي تقتصر على ادارة الشأن الدنيوي ، والذي تحاول القضاء على نظام الخلافة الاسلاموي ( في تصورات العقل الاسلامي العربي ) فانها النظام الغريب على جسم التركيبة الاجتماعية العربية والبعيد عن تشكيلته الفطرية ، والقريبة من مفهوم الدسائس والوسخ السياسي ( وهذه هي نظرة ابن خلدون للدولة ككيان قائم على الاستبداد ) .....الخ ، فما بالك ان كانت الدولة مع كل هذا الارث الفكري الثقيل من تشويه مفهوم الدولة ، كانت الدولة ولم تزل عاجزة حتى القيام بوضائفها الدنيوية ، فعندئذ تتحول معادلة الدولة بالاضافة الى كل ماذكر الى عبئ ثقيل على كاهل حياة التجمع العربي ، وهذا مايفسر ضعف الدولة من ان ترتقي الى مصاف عوامل البنى الاجتماعية العربية الطبيعية او الى ان تكون قادرة على تشكيل الظاهرة الاجتماعية العربية او المساهمة في تطوير بنية المجتمع العربي ؟.
...............................(5)
بنية الاجتماع العربي : - اسلاميا .
لاشك ان الاسلام عندما بزغ فجره على الافق الاجتماعي العربي كان له مشروعا اجتماعيا وانسانيا يحاول ايصال مفرداته للعقل الانساني من خلال النافذة العربية ، وبكل ما تحمله الصورة العربية من مكونات وظواهر اجتماعية طبيعية عربية ، وعليه كان لزاما الجزم هنا من ان التعامل الاسلامي العربي كان تعاملا ينبغي ان يهبط الى كل المستويات الانسانية العربية من فكرية عقائدية ونفسية روحية وسياسية تنظيمية واقتصادية معيشية واسرية ابوية واجتماعية ....... الى اخره من هذه السلاسل الاجتماعية والتي تمثل وبصورة طبيعية ثلاث محاور مهمة :
اولا : التعامل مع البنية الاجتماعية العربية الطبيعية .
ثانيا : التعامل مع الظواهر المنبنية على تلك البنية الاجتماعية الطبيعية بالنقد والتقييم .
ثالثا : وضع الاهداف والمسارات والاليات ... لهذا الاجتماع العربي في الحياة الانسانية ؟.
ان اول ما يلاحظ في موضوعة التعامل الاسلامي مع البنية الاجتماعية العربية ( بغض النظر عن فلسفة ذالك التعامل ولماذا اختيار هذا النموذج الاجتماعي العربي وبنيته الطبيعية ...) انه انطلق من المكّون الاسري العربي ليدعم هذا المكون الطبيعي للمجتمعية العربية ، وليؤكد وبقوة السلطة الابوية ( هنا سلطة الأم والاب معا في داخل الاسرة العربية ) داخل الاسرة وليبني كل نظرته الاهوتية السماوية في الشأن الاسري على هذه البنية ومن ثم ليعطيها الغطاء الشرعي والقانوني والقداسي بعد ذالك ( ولاتقل لهما أف / قران كريم ) - ( ووصينا الانسان بوالديه / قران كريم ) ......، والحق ان بنية الاسرة العربية قبل الاسلام كانت السلطة الابوية تميل الى كفة السلطة الذكورية المطلقة ، ولكن جاء الاسلام ليقنن من القانون الاسري ، وليدفع بسلطة الام لتتوازي داخل النظام الاسري مع سلطة الاب ( أمك ثم امك ثم امك ثم أباك / رسول الله محمد روحي له الفدى ) ومن بعد هذا كان الاسلام ولم يزل الرديف القوي للمنظومة الاسرية والذي عدل من اختلال النظام الاسري قبل الاسلام ، ولكنه اقام نظريته على بنية هذه الاسرة العربية ، لتكون البنية هي هي عربية واسلامية بعد التقنين الاسلامي ،ومن ثم لتتبلور النظرية الاقتصادية كحقوق قانونية على هذه النواة المصغرة للمجتمع في مسألة الارث كرأس مال فاقد للمالك بالموت وموزع للورثة بدون جهد لتوزيع رأس المال واعادة صياغته في عملية التداول الاقتصادية ...... وهكذا في كل الشأن الاسلامي الذي اتصل ببنية الاسرة العربية اولا وبنظامها الطبيعي من عملية تراحم والفة ومحبة وايثار .... داخل كيان الاجتماع الاسري ( وجعل بينكم مودة = حب / ورحمة = عندما يخفت الحب تكون العلاقة الانسانية بين الرجل والمرأة داخل نواة الاسرة / قران كريم ). ان الاسلام تعامل مع هذه البنية وانتقد بعض سلبياتها ووضع لها الاهداف الانسانية السامية والتي كانت تنظر للبنية الاسرية على اساس انها النواة المقدسة والفطرية والحرم المصفر والمملكة السياسية للاب والام ؟.
اما عندما نأتي للهيكل القبلي والقانون العرفي الضابط لهذه المنظومة الاجتماعية المعقدة ، فاننا سنلاحظ وبدون اي لبس ان النظام الاسلامي تعامل بكل حذر مع البنية الطبيعية للنظام القبلي ، فاولا قال بانه قانون طبيعي ( وجعلكم شعوبا وقبائل = وهنا الجعل تكويني اي خلقكم / قران كريم ) ولكنه وبشكل مباشر الغى وشجب وادان كل مظهرية تساهم بها هذه القبلية بعيدة عن روح واخلاق الاسلام فلا دعوة لعصبية ، كما انه لاتفاخر بتكاثر او نسب لهذه المنظومة الاجتماعية وانما هي تعارف وتعامل ( لتعارفوا / قران كريم ) كما ان الاسلام رأي ان النظام القبلي باعتباره امتداد مكبر للاسرة هو نظام جيد لخلق روح الالفة والتكاتف وتوسيع دائرة الاسرة ، ولكنه ومن الجانب الاخر فرق بين ان تكون القبيلة وحدة اجتماعية طبيعية ومنفتحة على الاخلاق المدنية الاسلامية المتعاملة مع الاخر الاجتماعي ، وبين القبلية المنغلقة والمتعربة والمكتفية بخلق التعصب ، والمنتمية للاطار الضيق في المجتمع المسلم ، فلا حمية ( حمية الجاهلية / قران كريم ) تضخم من روح الاعتداء والتسلط على المجتمع ، ولا تعرب بالانغلاق والابتعاد عن التمدين الاسلامي ( الاعراب اشد كفرا ونفاقا ../ قران كريم ) وانما هو تكاتف على الحق وشوكة للمظلوم على الظالم ( كيف ننصره ظالما ؟. بأن تردعوه عن ظلمه / محمد رسول الله ص ) كما انه .....الخ .
هذه هي نظرة الاسلام لبنية المجتمع العربي الطبيعية نظرة متوازنة بكل ابعادها الاجتماعية ، تتعامل مع بنية المجتمع العربي الطبيعية القومية قبل الاسلام بروح النظرة المقيمة للخلق العربي او لمنظومة الاخلاق العربية ( خيركم في الجاهلية خيركم في الاسلام / محمد رسول الله ) ولاريب ان منظومة القيم في الاجتماع العربي الطبيعي ومموناته البنوية ، كانت مما لفت نظر البحث الاهوتية لبنية تجمع بين الاخلاق والقانون بنفس الظرف الاجتماعي فكان للوظع العربي الطبيعي بكل بناه الاجتماعية النصيب الاوفر لهذه الميزة القانونية مما اهل النموذج العربي لأن يكون ( القابل ) الاجتماعي بين الامم لحمل الرسالة السماوية الاسلامية ( انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا / قران كريم ) ان صفة كالامانه - مثلا - كانت ولم تزل من مميزات الانسان العربي الملتزم باخلاق التمدن الاسلامي والمدرك لمموناته السلوكية ، والذي يكفي لها مجرد كلمة يطلقها الانسان العربي ليلتزم امامها بكل كيانه وحتى ان اضطر ان يفقد حياته في سبيلها ؟
اتعلم ان الدين والاسلام كله قائم على هذه الكلمة والامانه ، الامانة التي حافظت على الكلمة من الضياع ( انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافضون / قران كريم ) الامانه في التعامل الامانة في علاقات المجتمع ، الامانة في العلاقات السياسية او الاقتصادية ....الخ ؟.
نعم من السهل جدا ان تجد الكثير من الخونة والذين يعتبرون الخيانة حنكة وفطنة وسياسة وقانون حياة وادارة مجتمع ( منتجات المجتمع الحضاري الصناعي الجديد )....، ولكن هل لك ان تاتيني بأمين ، او بناظر للامانه على اساس انها عقد اجتماعي مقدس ( ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها / قران كريم ) ( لاتخونوا الله والرسول وتخونوا اماناتكم / قران كريم ) وهل تدرك كيف ان الاسلام وبدعمه اللامحدود لمنظومة القيم العربية استطاع ان يحول المجتمع من مجتمع تسوده علاقة التوتر القبلية الى مجتمع تربطه علائق الامانة والالتزام المدني المحترم ؟.
وهل تعلم ان الدولة هي التي دمرت علائق المجتمع العربي الانسانية عندما فرضت على تركيبة الاجتماع العربي الاسلامي بدلا من نظام الخلافة ( هذه ليست دعوة لاحتقار كينونة الدولة الحديثة وانما ضبط لوضائفها الصناعية التي تفرض عليها عدم التدخل بالنظام الاجتماعي القائم)، وخلقت ناموس الخيانة والشبهة داخل المجتمع العربي بعد ان قتلت روح الخلافة التي اسست لاكبر وارقى علاقة اجتماعية في الحياة وهي علاقة ( الاستخلاف / انظر الصدر محمد باقر : التفسير الموضوعي والفلسفة الاجتماعية في المدرسة القرانية / علاقات الاستخلاف ) ....الخ
نخلص : ان بنية المجتمع او الاجتماع العربي ، بنية يمتزج فيها الطبيعي الفطري من جهة ، والاهوتي المقدس من جهة اخر ، ومثل هذه البنية المجتمعية لا الدولة ( سواء كانت ديكتاتورية او ديمقراطية ) ولا غير الدولة قادرة على معالجة سلبيات هذا النظام الاجتماعي الطبيعي المركب ، ولكن هو المقدس ( حسب مايراه ابن خلدون ويغفله عامدا الدكتور علي الوردي رحمه الله ) الدين وقانونه بامكانه السيطرة والتعديل والتطوير ..... لكل سلبيات الاجتماع العربي والارتقاء به مدنيا في هذه الحياة ؟.
نعم هناك من يرى غير ذالك في تحليل بنية الاجتماع العربي ، كما ان هناك من لايدرك من هذه البنية الا القشور مع الاسف ، ومن ثم هو في دوامة من التعامل مع هذه البنية ، ليتقافز اخيرا بين البحث عن ايدلوجيا تطورية لتطوير المجتمع العربي ، وبعد سنين يصل الى الفشل ، ليبحث من جديد عن نظام سياسي جاهز التعليب ليطبقه على المجتمع العربي وبعد ردحا من الزمن يكتشف انه قد سار كثيرا في الطريق الخطأ ، ليعود من جديد عن البحث عن نظم اقتصادية او اجتماعية او نفسية ليكتشف ان تأخر الاجتماع العربي هو ليس لانه ينطلق من العامل الجنسي ..........( فرويد ) او العصبية او المعتقدية .... ، وانما بسبب وجود امثال هذا العالم الاجتماعي او ذاك المفكر السياسي ....، الذي لم يدرك حتى ابسط مفردات وتراكيب ونظم وبنى مجتمعه العربي الذي يعيش فيه ( نسوا الله فانساهم انفسهم / 19 - الحشر )؟.