الأربعاء، يناير 28، 2009

ابليس ذالك المخلوق المعقد ... رؤية قرءانية من اجل ثقافة دينية 5

ماهي مشكلة ابليس الشيطاني ؟.‏ وهل هي فكرية عقدية نظرية أم سلوكية عملية وظيفية ؟.‏ هل ابليس ذكي مدني أم هو غبي بدوي اعرابي ؟!.‏عندما نقول ان العالم مخلوق على اجمل واكمل صورة خلقية ، فكأنما نحن نقرر ان ‏هذه الخلقة يجب ان تكون لها مواصفات مميزة ، منها على سبيل المثال وجوب ان‏
تكون هذه الخلقة العالمية قائمة على العدل وضع الشيئ في موضعه والتقدير ‏انا كل شيئ خلقناه بقدر وان تكون متوازنة ومتجانسة ، وكذا يجب ان تكون ‏متكافئة ومتفاعلة ....الخ ، وربما يكون منشأ هذه الوجوبية هو موازين العقل ‏الانساني التي ترى العالم جميلا ومتكاملا عندما يكون على هذه الصورة او تلك ، ‏وعلى اي حال هكذا هو العقل والذوق الانساني خلقا وهكذا ترى الاشياء العالمية مرة ‏من خلال الرؤية المباشرة لجماليات الكون والعالم ، ومرة بصورة غير مباشرة عندما ‏تقارن هذه الرؤية بين القبيح والجميل عندما يشكلا لوحة ، والناقص والكامل ، ‏والظالم والعادل .....، لتكون هذه العملية من رؤية الشيئ ونقيضه كميزان يوضح ‏ملامح ومعالم العالم والكون والانسان بكلا وجهيه من العملة الوجودية الواحدة هذه ‏‏!.‏والغريب العجيب في هذه العملية انها تحمل داخل رؤيتها الجمالية والكمالية مبدأ ‏النسبية الضرورية التي ترى : انه ليس من الضروري وعلى طول الخط ان يكون ‏القبيح قبيحا والجميل جميلا والكامل كاملا والناقص ناقصا ..... هذا ، لاسيما ان هذه ‏الرؤية (( الاسلامية )) معتمدة تماما على المنطق العقلي من جهة وطبيعة الاشياء ‏العالمية من جهة اخرى ، فليس مايعتقده العقل البشري قبيحا وهو محق في رؤيته ‏هذه في القبح هو لاينتج في جانب آخر جمالا ، وكذا عندما نعتقد بنقصان شيئ ما ، ‏فليس هو كذالك وعلى استمرارية الماكنة لاينتج الا نقصا ، لا.. بل ربما ينتج كمالا ‏مع احتفاظه بصفته الناقصة هذه ، ولكن في زاوية اخرى لاتؤثر على نقصه او قبحه ‏الذاتي في شي !.‏مثال لذالك عندما تحدثنا الرؤية الدينية الاسلامية على (( قبح او ذنب هو افضل في ‏الحقيقة واجمل من جمال او عمل حسن ينتج التكبر )) فهنا نحن امام معادلة نسبية ‏ورؤية تقلب المعادلة تماما لنرى القبيح وهو ينتج جمالا والجميل وهو ينتج قبحا !.‏يروى عن الامام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام انه قال :(( ان الله علم ان ‏الذنب خير للمؤمن من العجب ولولا ذالك ماابتلي مؤمن بذنب أبدا )) / رواه صاحب ‏الكافي / هنا نحن امام شيئ جميل وعمل صالح وكامل ولكنه ومع الاسف ينتج (( ‏عجبا )) تكبرا تمردا ... اختلالا في موضع اخر من حياة الانسان ، عندئذ لابد ان ‏يكون ظاهر هذا العمل الجميل جميلا ولكن باطنه قبيحا بسبب انتاجه للقبيح في النهاية ‏، بعكس ربما في بعض الاحيان عندما نرى او نعمل شيئا قبيحا وناقصا وقاتلا لروح ‏التكبر والتمرد الداخلية للانسان ، ولكن مع انه قبيحا وناقصا الا انه ينتج تواضعا ‏جميلا وروحا متكاملة ...، ومع انه ظاهريا قبيحا الا انه باطنيا اصبح جميلا ...وهكذا ‏‏ !.‏كذا رؤيتنا الاسلامية لابليس اللعين مع انه في ذاته قبيح وفي وجوده نقص ، وفي ‏جوهريته بلاء وظلم الا انه ضرورة نسبية للانسان ليدرك الجمال والخير والكمال في ‏نقيضه تماما ، وهذا الخير وهذا الكمال وهذه الجمالية موجوده في داخل الانسان ‏الادمي ، ولكن مامن مثير لتحريكها واخراجها لتبصر النور والوجود الا حالة المعركة ‏والصراع التي خلقت بين الانسان والشيطان الابليسي هذا ، فهي حالة او ضرورة او ‏قانون ركب عليها العالم الانساني هنا لتنتج من الحرب هذه سلاما دائما ، أما ان ‏اختار الانسان الجانب الاخر من اللوحة ليعقد معاهدة سلام وهمية مع الشيطان او ‏اراد ان ينهي المعركة بهدنة ، فانه كالذي اختار الجميل الظاهري الذي يستبطن القبح ‏الداخلي الجوهري ليستدرج الى معركة خاسرة في النهاية !.‏صحيح : ان العالم خلق من اجل الانسان والانسان خلق من اجل الله سبحانه وتعالى ، ‏وهذا مضمون قوله سبحانه :(( وماخلقت الجن والانس الا ليعبدون / قرءان كريم )) ‏وهذه العبادة هي خطة الصراع مع الشيطان الابليسي الذي يحاول بكل وسيلة ان ‏لايخرج الانسان كنوز جماله وكماله الداخلية ، بأن يغويه يعجبه بنفسه ويمنيه ويرسم ‏له الاحلام والمستقبل الكبير ويخدره وياتيه من خلفه بكل ماتعني الخلفية من تاريخ ‏ومن امامه وبكل ماتعنيه الامامية من مستقبل وعن يمينه وبكل ماتعنيه اليمينية من ‏قوة وبأس ومن شمال وبكل ماتعنيه الشمالية من ترفه ، لا ليكون ابليس سيد الموقف ‏في ارض المعركة ، بل ليكون الانسان على حذر شديد ومن جميع الجهات الممكن ‏ولوج وهجوم ابليس منها على الانسان ، وهذا الحذر هو المثير الخارجي لابليس ‏القبيح والناقص والظالم ...، الذي سينعكس (( الحذر البشري )) بصورة غاية في ‏الجمال والكمال والعدالة الانسانية مع ان من اثاره هو ابليس القبيح هذا ، فهنا نحن ‏امام قبيح في النهاية انتج جمالا انسانيا على اي حال !.‏ان الوجود مجموعة متكاملة من التوافق ، ولكن من يستطيع ان يفهم التوافق اليا ‏ليقول : ان التوافق والتكامل هو بالضد او بالنقيض من التصادم والتفاعل بين اشياء ‏الوجود ؟.‏ولماذا لايكون التصادم والتفاعل هو جزء من قانون التكامل والتوافق الكوني ‏والوجودي والعالمي والانساني ايضا ؟.‏نعم خلق الله العالم والانسان والملائكة والارض والسماء .... بحالة من التكامل ‏غريبة عجيبة ، ولكنه سبحانه وتعالى خلق ابليس الشيطاني المتنافر مع هذا التالف ‏والتكامل والتجانس الجميل لتكتمل الصورة الكلية بكافة عناصرها الضرورية من كون ‏وخلقة مؤتلفة حتى ابليس وشيطان مختلف ومتنافر ليكون نفس التنافر سببا للآئتلاف ‏والتكامل سبحانه وتعالى ما اعظم تقديره !.‏ان القرءان الكريم يحدثنا عن الخلقة الابليسية واشكالياتها الفعلية على اساس انها ‏خلقة مختلفة عن الائتلاف الكوني ، بل انها خلقة متمردة ومتكبرة وناقصة ، لذا هي ‏شخصية معقدة طردت من الرحمة الالهية تماما ليكون موضعها الغضب والانتقام ‏الالهي ، مع ملاحظة ضرورة انتقالها وتواجدها على ساحة الفعل العالمية لتقوم ‏بوجودها الوظيفي الكبير في عالم الانسان وغيره ، ومن هنا وجب علينا معرفة ‏عدونا الاول والاخير ومن كل الجوانب والزواية للشخصية الابليسية هذه لادراك فيما ‏بعد ماهية من نحارب ، ولنبدأ اولا بدراسة الماهية الفكرية والنفسية والروحية لهذا ‏المخلوق المعقد ، ولنقول : ماهي مشكلة ابليس الشيطاني الحقيقية ؟.‏وهل ابليس استحق كل هذا القبح لشدة غباءه الفطري ام لشدة ذكائه الجوهري ؟.‏ماهي العملية التي حكمت على ابليس ان يطرد من الرحمة الالهية ويرجم ويلعن ‏وينتهي به المطاف الى هذه النهاية التي لايتمناها اي مخلوق في هذا العالم ؟.‏الحقيقة ان هناك مشهدا واحدايذكره القرءان العظيم على اساس انه المحور الاصيل ‏والقاعدة الجوهرية لكل الدراما الابليسية ، الا وهي مشهد قوله سبحانه وتعالى : ‏‏ ‏‏(( واذ قال ربك للملئكة اني خالق بشرا من صلصل من حمأ مسنون ، فأذا سويته ‏ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد الملئكة كلهم اجمعون ، الا ابليس ‏أبى أن يكون مع الساجدين ، قال ياابليس مالك ألاتكون مع الساجدين ، قال لم أكن ‏لآسجد لبشر خلقته من صلصل من حماء مسنون ، قال فاخرج منها فانك رجيم .../ ‏قرءان كريم )) .‏ويبدو بوضوح ان الكارثة او القصة بكل مشاهدها تكمن في جملة :(( لم أكن لأسجد ‏لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون )) !.‏وهكذا عندما يعاد صياغة المشهد من جديد نرى ان نفس المنطق الابليسي هو السائد ‏في العملية التي رسمت معالم الطريق لابليس الشيطاني هذا ، ففي النص القرءاني ‏اعادة لرسم الزاوية مرة اخرى للوصول الى جوهر المشكلة الابليسية في قوله ‏سبحانه وتعالى :(( اذ قال ربك للملئكة اني خلق بشرا من طين ، فاذا سويته ونفخت ‏فيه من روحي فقعوا له سجدين ، فسجد الملئكة كلهم أجمعون ، ألا ابليس أستكبر ‏وكان من الكافرين ، قال ياءبليس مامنعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت ‏من العالين ، قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ، قال فاخرج منها ‏فاءنك رجيم ، وان عليك لعنتي الى يوم الدين ../ قرءان كريم )).‏ان هذا المشهد يختصر الاجابة على الماهية الحقيقية لاشكالية ابليس مع العالم ‏والانسان من جهة ومع الله سبحانه وتعالى من جانب اخر !.‏نعم ماذا نستفيد او نفهم او ندرك او نستوحي .... من جملة (( انا خير منه خلقتني ‏من نار وخلقته من طين )) التي تبدو وبوضوح انها سبب الكارثة الشيطانية في ‏جميع العوالم والتي هي نفسها التي ستقودنا الى مفاتيح الشخصية الابليسية المعقدة ‏لفتح رموزها واسرارها ؟.‏كنت انا المسكين الضعيف كاتب هذه السطور ولفترة طويلة انظر الى هذا المشهد ‏القرءاني من زاوية محددة ولاتساءل بكل صدق وانتباه حول : صحيح ماهو الفرق ‏بين الانسان الطيني ادم وبين النار الشيطانية لابليس ؟.‏وهل كان ابليس محقا في اعتراضه عندما قرر ان النار اكثر خيرية من الطين ؟.‏القرءان الكريم بنصه العظيم لايناقش هذا الاعتراض مطلقا في نصوصه المقدسة ، بل ‏ولايلتفت ايضا او يعير انتباه يذكر لهذه النقطة ، بل كل مايطرحه النص القرءاني هو ‏‏(( الحكم )) المباشر الذي اعقب هذه الجملة الابليسية فورا ليقرر:(( فاخرج منها ‏فاءنك رجيم وان عليك لعنتي الى يوم الدين )) مما تركني في حيرة من امري وضياع ‏لعدم التعرض لاجابة سؤالى في : هل كان ابليس محقا في ان النار اكثر خيرية من ‏الطين ؟. ولماذا فضل الطين على النار ؟. واشياء اخرى !.‏نعم ماهي الموضوعة ولماذا لم يجب النص على اعتراضية ابليس في الخيرية هنا ، ‏كما فعل في تساءلية الملائكة هناك عندما قالو :(( اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك ‏الدماء ؟....)) فان النص وضح لماذا سوف يكون الانسان غير سفاك للدماء بضميمة ‏‏(( وعلم ادم الاسماء كلها )) وبنتيجة :(( ثم عرضهم على الملائكة فقال انبؤني ‏باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين ، قالوا سبحانك لاعلم لنا الا ماعلمتنا انك انت العليم ‏الحكيم ، قال ياادم انبئهم باسماءهم فلما انبأهم باسمائهم قال الم اقل لكم ....)) أما في ‏موضوعة ابليس فليس هناك اي جواب او ضميمة لقوله :(( انا خير منه خلقتني من ‏نار وخلقته من طين ))؟.‏بعد هذا بدأت في التفكير والاجتهاد الفكري لاقول واتساءل مع نفسي : ماهي الخيرية ‏الطينية على الجوهرية النارية ؟.‏النار مضيئة وخفيفة ورشيقه وجميلة ......الخ ، والطين ثقيل وقاتم ويخرج رائحة ‏وفيه نوعا ما فوائد صغيرة !.‏لكن هذا الجواب اشبه بالداعم لحجة ابليس منه لحجة الخيرية الطينية ، فصحيح ان ‏النار لاوزن لها الا انها تملئ المكان بسرعة مذهله وتحرق الظلام بصورة رائعة ، ‏كما انها مصدر النور ومعدن الرشاقة واللطافة ، أما الطين فلا اقل من كونه مترهل ‏يسقط نزولا بدلا من ارتفاعه صعودا في السماء كالنار ، والطين منفعل وليس كالنار ‏فاعلة ....الخ ؟!.‏اذن اين الخيرية في الامر ؟.‏النص القرءاني لالبس فيه ان جملة (( انا خير منه )) هي التي اطاحت بابليس ‏الشيطاني في حكومة الطرد واللعن ، والظاهر من المسألة ان مضمون (( الخيرية )) ‏بين النار والطين مسألة فيها نظر باعتبار ان المنطق الابليسي كان يرى : ان الطين ‏ليست اكثر خيرية من النار ؟. فعلى ماذا استحق ابليس هذا الطرد والرجم واللعن من ‏الرحمة والوجود والاحترام ؟.‏بعد فترة ليست بالقصيرة من زمن التفكير اعدت السؤال مرة ثانية على نفسي ‏الضعيفة لاقول : دعني انظر للمسألة من الزاوية الاخرى للموضوع ، فيبدوا انني ‏عندما اناقش الموضوعة من زاوية (( انا خير منه )) الابليسية فانني سوف لااكون ‏محايدا في الطرح والمناقشة ، ولكن لنبدأ من جديد بطرح (( انا خير منه )) من ‏الزاوية الالهية المقدسة صاحبت الحكم ، ولاتساءل : لماذا عندما اعترض ابليس على ‏الامر الالهي بالسجود لادم بقوله :(( انا خير منه )) كانت الحكومة الالهية قاطعة بان ‏هذا الاعتراض اكبر جريمة خلقية تستحق وبالفعل الطرد واللعن والرجم الالهي العظيم ‏لابليس الرجيم ؟.‏هل الله سبحانه وتعالى عادل ام ظالم تقدس وجوده ؟.‏بالفعل ان الله سبحانه مطلق العدالة والفيض والجود والمحبة !.‏اذن هل كان في حكمه على ابليس الشيطاني بالطرد واللعن والرجم الكبير عادلا ؟.‏من البديهي ان صاحب الحق المطلق والعدالة الكاملة الله سبحانه وتعالى لايظلم مثقال ‏ذرة من خلقه ، وعليه ماهي الجريمة التي اقترفها ابليس المتهم في جملته :(( انا ‏خير منه ..)) ليستحق وبالفعل هذه الكارثة التي حكمت عليه بهذه الصيغة الغريبة ‏والعجيبة ؟.‏هنا وعندما نظرت للموظوعة الابليسية من الزاوية الاخرى تكشف لي اكثر من ‏جريمة بشعة لابليس المجرم وكل واحدة منها يستحق عليه الرجم والطرد بالفعل ، ‏بعكس عندما كنت اقترف اكبر جريمة بحق نفسي عندما كنت انظر للمسألة من ‏الزاوية الابليسية انذاك لاتساءل وبمنطق ابليس نفسه عن ماالفرق بين النار والطين ‏؟. ‏عندئذ تعلمت درسا غاية في الاهمية ونهاية في الحكمة يقول : ان اشياء العالم ‏الوجودية لها زاويتان للرؤية في هذا الوجود البشري الاولى : هي الزاوية الشيطانية ‏الابليسية ، والثانية هي الزاوية الالهية القرءانية الرسالية المحمدية العلوية نسبة ‏الى علي بن ابي طالب ، وفي كل شيئ من الاشياء العالمية لديك زاويتان للنظر ‏وللرؤية وفي كل شيئ ، ... في الاخبار وتحليلها في المواد وتناولها في الحياة ‏وفهمها ، في السياسة والعمل بها في الاقتصاد وتداولاته في الانسانية والنظر اليها ‏‏.... الخ ، كل هذه الاشياء تحدد الرؤية لها اذا حددنا زاوية النظر اليها فان النتائج ‏ستكون مختلفة جدا كما هي الرؤية ستكون حتما مختلفة ؟.‏ان اختلاف وجهات النظر الانسانية في الاشياء العالمية هو هذا منشأها في زاوية ‏الرؤية ، وكما كنت انظر للموضوعة الابليسية من الزاوية الابليسية كنت غارقا في ‏الفوضى والضياع وعدم الاجابة المقنعة ، أما عندما انتقلت الى النظر من الزاوية ‏الاخرى اختلفت المعادلة الفكرية تماما ، وبدأت انظر للموضوع من زاوية (( نور الله ‏‏ او ماشرحه الله بمحكم كتابه الكريم )) وليست من زاوية (( ظلام ابليس )) عندئذ ‏ادركت معنى كارثية :(( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) لافهم الاتي ‏من جرائم ابليس الوجودية :‏اولا: عندما يكون اي مخلوق امام خالقه وفي الحضرة الكاملة المقدسة ، وهو معلق ‏بمعلوليته الوهمية بحقيقة العلة الوجودية ويرى لنفسه وجودا نديا مع خالقه ، فانه ‏بذالك يبدأ اول حماقاته الروحية والنفسية والفكرية ، فليس من الاداب السياسية وانت ‏في حضرة ملك من ملوك الدنيا ان ترد على الامر الملكي الذي يصدر اليك بمقولة (( ‏انا )) باعتبار ان هذه الكلمة امرية ملكية ، وعندما يامر الملك وتقول (( انا ارى )) ‏فذالك يعتبر قمة الجرأة واساءة الادب في مخاطبة ملك دنيوي متعفن ، فما بالك عندما ‏تقف بين يدي الله سبحانه وتعالى والذي يعتبر كل وجودك الوجودي هو مرهون ‏بارادته ومشيئته فهل يحق لك ان تذكر وجودك الوهمي وتغفل عن وجود خالقك ‏الحقيقي سبحانه وتعالى !.‏في العلوم الطبيعية هناك سبب ومسبب وعلة ومعلول ومقدمة ونتيجة ، ولايوجد ‏وجود حقيقي للمعلول او للسبب او للنتيجة اذا لم يوجد بالفعل المقدمة والمسبب ‏والعلة ، باعتبار ان لاوجود واقعي للنتيجة اذا لم توجدها المقدمة ولاوجود يذكر ‏وبالفعل للمعلول اذا لم توجده العلة الحقيقية كما انه ليس هناك اي وجود لسبب اذا لم ‏يسبقه المسبب ، وكذا الحال بين الله سبحانه خالق الوجود ومؤسسه وبين مخلوقاته ‏المعلولة بوجودها لهذا الخالق العظيم ، وليس من المنطق الجيد ان تكون امام ‏موجدك وخالقك وعلتك الحقيقية وتقول :(( انا )) تاكيدا لذاتيتك باعتبارها مستقلة ‏وناجزة والتي هي وبالفعل لاشيئ يذكر امام موجدها الحقيقي الله سبحانه وتعالى !.‏اي من الحماقة ان تلتفت لوجودك المعلول والصغير والتافه وتؤكد (( الانا والانية ‏والانانية )) وانت امام الوجود الاعظم والحقيقي والكامل (( الله سبحانه وتعالى )) ، ‏بسبب ان هذه الالتفاته الى الذات الصغيرة يشغلها تماما عن حصر الادراك الكامل ‏للذات والوجود الكبير والمقدس ، وهذه الشاغلية تعني فيما تعنيه انك ملتفت الى ‏الصغير المملوك وغافل عن الكبير المالك وهذه اهانه في عرف الملوك والعظماء ‏موجهة من الحقير الى الكبير !.‏ولكن مع ذالك ما الضير في ان يلتفت ابليس الشيطاني قليلا الى ذاتيته الصغيرة ‏بوجود الخالق المقدس ؟.‏ان الضير الحقيقي هو في النتيجة التي انتجتها هذه الالتفاتة القاتلة للذات والجوهر ‏الصغير الابليسي ، عندما غيبتها قبالة الالتفات الى الذات والجوهر الكبير والمقدسة ‏الالهية ، ليصبح الشاغل لابليس انانيتين وذاتين وجوهرين (( ذات الله سبحانه من ‏جهة وانانية ابليس الحقيرة من الجانب الاخر )) لنقسم الامر من والى الهين في نفس ‏اللحظة !؟.‏وهنا نتساءل : هل كان ابليس ينتبه الى الامر الالهي المقدس في السجود لادم أم انه ‏كان منتبها لامر الانانية الابليسية في هذه اللحظة ؟.‏من اين اخذ ابليس الشيطاني أمره من (( الانا الابليسية انا خير منه )) أم من الامر ‏الالهي المقدس ب (( اسجدوا لادم ))؟.‏يبدو وبكل وضوح : ان ابليس كان الى انانيته ماذا تأمر منتبها وليس ملتفتا تماما ‏الى الامر الالهي ، لذا قدم الامر والمطلب والمراد الاني (( انا خير منه )) وغاب عنه ‏تماما الامر والمطلب والمراد الالهي في (( اسجدوا لادم )) فكان ابليس وبحق مقدما ‏رغباته وتصوراته واحكامه الذاتية الانانية على والمطالب والاوامر الالهية المقدسة ، ‏لذالك جاءت (( انا )) لتؤكد هذه الحقيقة وهي حقيقة : ان ابليس الشيطاني كان لايعبد ‏الله في هذا الموقع بقدر عبادته لانانيته وذاته التي املت عليه تصور وامر (( انا خير ‏منه ..)) وجعلته يتجاهل تماما الامر الالهي في (( اسجدوا لادم )) عندئذ جاء الحكم ‏الالهي مباشرا وقاطعا وغير منتظر لشيئ اخر يصدر من ابليس هذا فقال :(( فاخرج ‏منها انك رجيم وان عليك لعنتي الى يوم الدين ))‏نعم في العرف الالهي المقدس : ان من يملك الخلق يملك الامر (( ألا له الخلق والامر ‏تبارك الله رب العالمين / قرءان كريم )) وفي لحظة تلقي ابليس امر الانانية والهوى ‏الشيطاني وغفلته عن الامر الالهي ، فكأنما يريد القول : انه ليس من الضروري ان ‏يكون صاحب الامر هو هو نفسه صاحب الخلق ، وبالامكان فصل الدين عن الخلق او ‏فصل القانون عن الوجود او فصل الله عن البشر !.‏لهذا جاءت وبرزت وتقدمت (( الانا )) الابليسية كآمرة له وكمملية عليه تصوراتها ‏التافهه لتقرر (( خيرية النار على الطين )) وهكذا بدون ان يكون لها حق الامر ‏والخلق ، عندهذا كان الحكم الالهي عادلا على هذه الانا التي تريد ان تكون شيئا يذكر ‏بينما هي لاتستحق ان يلتفت اليها باي احترام او تقدير يذكر!‏تمام : ان مفردة (( انا )) التي ذكرها القرءان عن لسان ابليس اظهرت وبوضوح ‏مدى فداحة الجرم الذي ارتكبه هذا المجرم الصغير ابليس ، لتدلل على غباءه الشديد ‏في معرفة ذاته واعتقاده انه مستقل الذاتية بينما هو مجرد مخلوق ومعلول وسبب ‏لسبب وخالق وعلة هي وحدها تملك صفة الاستقلالية في هذا الوجود (( الله سبحانه ‏وتعالى )) وكذا اظهرت هذه (( الانا )) الابليسية كيفية تحول هذه الانا من مجرد ‏وجود الى كتلة الاه يعبد من قبل ابليس نفسه ويؤخذ منها الامر والتوجه والرؤية ، ‏ليرد بأمرها على امر الله سبحانه وتعالى ، واخيرا لتؤكد هذه ال (( انا )) ان التركيبة ‏الابليسية الخلقية مركبة بشكل لايسمح لها ان تنخرط في منظومة الخلق الائتلافية مما ‏حرك الحكم بالطرد والرجم على اساس استحالة توافق هذا المخلوق المسمى ابليس ‏مع باقي العالم الاخر !.‏هذا اولا .‏ثانيا : تطلعنا هذه ال (( انا )) على زاوية اخرى من صفات هذا المخلوق المعقد ‏‏.......‏